هل كانت المناورات التي جرت في الصحراء السعودية استعدادا للتدخل في سوريا؟
فورين بوليسي
في مناورة تكتيكية جديدة، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الاثنين 14 مارس، أنه سوف يقوم بسحب الجزء الأكبر من قواته من سوريا. في حين أنه من المبكر الحكم على كل من الدوافع والمستوى النهائي من عملية الانسحاب هذه، إلا أن ما جرى ربما يكون له دور محوري في إنهاء هذه الأزمة.
ربما تشعر موسكو بثقة نسبية في موقف الرئيس السوري بشار الأسد والاتجاه العام لمحادثات السلام ولكنها تشعر بقلق عميق من الكلفة الباهظة للعملية – خلال فترة أسبوع فقط فقط انخفض سعر الروبل بصورة كبيرة إضافة إلى انخفاض سعر النفط الذي يعتمد عليه الاقتصاد الروسي.
والسؤال المثير هنا هو ما إذا كان في هذا الانسحاب فرصة لدخول قوات عربية برية في الصراع. بصورة متزامنة، عندما قررت روسيا سحب قواتها من سوريا، كانت السعودية تنهي منارة عسكرية كبيرة ربما كانت بروفة لتدخل العرب السنة بريا في الصراع. في الواقع، الأسبوع الماضي في الصحراء السعودية، نفذ حوالي 350000 جندي و20000 دبابة وعشرات السفن و2500 طائرة حربية من 20 دولة أكبر تدريب عسكري يقام في الشرق الأوسط.
هذه التدريبات البرية والجوية والبحرية الضخمة والتاريخية التي أطلق عليها "رعد الشمال" حاكت المناورات الحربية. إنه جهد قالت السعودية وحلفاؤها إنه يهدف إلى إنشاء قوة شاملة لمواجهة المنظمات الإرهابية مثل الدولة الإسلامية ومنظمة الشباب التابعة للقاعدة وربما حتى بوكو حرام إضافة إلى إرسال رسالة قوية إلى إيران، البلد الذي يظهر طموحات توسعية في المنطقة.
ركزت المناورات على تدريب القوات التقليدية على العمليات القتالية العادية ضد الجماعات المسلحة من غير الدول. الهدف الثاني المعلن للتدريبات هو دعم التنسيق العملياتي للقوات المسلحة السعودية وحلفاؤها بحيث يمكن تنسيق مناوراتهم على الرغم من اختلاف اللغة والمعدات العسكرية وأنظمة العمل. كما تضمنت المناروات تدريبات بحرية وعمليات القصف التي ركزت على استخدام القوة عن بعد. في حين انتهت هذه المناورات في 10 مارس، إلا أن الأمل هو أن يكون لها تأثير طويل الأمد وبعيد المدى. السؤال الحقيقي، بالطبع هو ما إذا كانت هذه المناورات استعراضا للقوة فقط أم أنها تنذر بانتشار حقيقي للقوة المقاتلة في المناطق المضطربة في المنطقة.
الحرب في اليمن مستمرة بعد حوالي عام من القتال المتوسط المستوى. قادت القوات السعودية الجهود ضد المتمردين الحوثيين الذين أطاحوا بالحكومة هناك، وجزء من مناورة رعد الشمال كانت تدريبا للقوات الخاصة والقوات البرية الثقيلة التي سوف تكون أساسية في المضي قدما إذا لم يتم حل الصراع من خلال المفاوضات. في حين أن هناك ومضات دبلوماسية هنا وهناك حول إمكانية حصول محادثات مباشرة بين المتمردين والسعوديين، إلا أن رعد الشمال كانت تهدف بوضوح إلى إظهار قدرات المملكة أمام الإيرانيين الذين يدعمون الحوثيين.
المسرح الرئيس للصراع في المنطقة بالطبع هو سوريا. تحدث السعوديون صراحة حول وضع قوات على الأرض من أجل دعم القوات السورية المعتدلة التي تقاتل الأسد، ومن الممكن أن نرى في رعد الشمال كتدريب دافعا لإنشاء تحالف عربي للقيام بذلك. حصول ذلك على أرض الواقع يعتمد على مفاوضات سوريا التي ترعاها الولايات المتحدة وروسيا، وخاصة فيما يتعلق بسيناريو الفيدارلية، حيث إن وجود قوات عربية برية ربما يكون هاما لضمان الأمن في المنطقة السنية من سوريا.
لسنوات طويلة، طالبت الولايات المتحدة الدول الإسلامية اتخاذ موقف قوي ضد التطرف العنيف.
بهذه الأعداد الكبيرة، والتدريبات المتطورة نسبيا، تحاول السعودية إظهار أنها شريك أمني حيوي في الشرق الأوسط ومسئولة عن القيادة في العالم الإسلامي. التدريبات ممارسة ملموسة ولكن يجب أن يرافقها انتشار حقيقي للقوات المقاتلة من أجل تحقيق رغبات كل من السعوديين والولايات المتحدة – مواجهة نفوذ إيران والمساعدة في استقرار المنطقة. ولكن ما لا يبشر بخير هو أن الغائبين من بين 20 دولة عن المناورات هم الولايات المتحدة والدول الغربية. ينبغي على واضعي السياسة الأمريكية أن يلاحظو أهميتهم وأن يعززوا الشراكة بين واشنطن والرياض.
مدفوعة بوزير الدفاع ، ونائب ولي العهد محمد بن سلمان المتشدد تعمل السعودية على تصعيد تحدي حشد الدول الإسلامية في الشرق الأسط وجنوب آسيا وشمال إفريقيا للدفاع المشترك. الوزير الشاب يعمل على إحداث إصلاحات اقتصادية دراماتيكية على أمل تعزيز دور السعودية الأمني. وكحليف للولايات المتحدة آخر سبعة عقود، فإن السعودية لطالما كانت تلعب دورا قياديا في مجلس التعاون الخليجي وقوات درع الجزيرة التابعة له إلى جانب الكويت والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان.
حاليا تعمل السعودية على توسيع آفاقها الجيوستراتيجية. في ديسمبر، أعلنت المملكة عن تشكيل تحالف جديد من 34 دولة ذات أغلبية إسلامية من إفريقيا ومن الشرق الأوسط من أجل مواجهة التطرف العنيف ليس فقط على أرض المعركة ولكن في معركة الأفكار أيضا. التدريبات العسكرية الأخيرة ضمت وحدات عسكرية من العديد من أعضاء هذا التحالف، لم تضم دول الخليج العربي فقط ولكن ضمت مصر والأردن وباكستان والسودان وماليزيا والمغرب وتونس أيضا. وكجزء من علاقتها الاستراتيجية مع أنقرة، أرسلت السعودية طائرات مقاتلة إلى قاعدة إنجرليك جنوب تركيا من أجل توسيع دورها في الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية.
وكما تؤكد هذه التحركات، يبدو أن السعودية وحلفاؤها يريدون تحمل مسئولية الأمن الإقليمي والدولي بصورة أكبر، وسوف يصعدوا ليملؤا ما اعتبر فراغا في القيادة تركه انسحاب الأمريكان في الشرق الأوسط. جميع هذه الدول تتعامل مع تهديدات أمنية متعددة. المتطرفون يحتلون مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق وليبيا. في هذه الأثناء، مدعومة بقرار رفع العقوبات من خلال الاتفاق النووي الأخير الذي توصلت إليه مع الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين، فإن إيران تتدخل في لبنان وسوريا واليمن والعراق وحتى دول الخليج. نتيجة لذلك، فإن الدول ذات الأغلبية السنية مثل السعودية وحلفاؤها يخشون من ظهور إيران كقوة إقليمية مهيمنة تعمل على قيادة الشيعة في الشرق الأوسط وتسعى إلى زعزعة استقرار المجتمعات ذات الغالبية السنية في المنطقة. ما يجري هو استعراض جيوسياسي بين طهران والرياض، إضافة إلى الصراع السني الشيعي فإن الاضطراب في المنطقة قد يستمر إلى عقود طويلة قادمة.
يبدو جليا أن السعودية وحلفاؤها يرسلون برسالة إلى الولايات المتحدة مفادها :" لا زال في وسعنا الوثوق بكم والعمل معكم. ولكن في ذات الوقت، نحن مستعدون وقادرون على المضي قدما بمفردنا، إذا دعت الحاجة إلى ذلك". ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها السعي إلى تعزيز وليس تقليص شراكتهم الاستراتيجية مع السعودية. إذا تركت الرياض وحلفاؤها يتحركون بمفردهم، وسط حالة متزايدة من عدم الاستقرار وانعدام الأمن، فإن الشرق الأوسط المضطرب فعليا ربما يصبح أكثر اضطرابا وربما تقوض جهود الحرب على الإرهاب.
مع مضي الوقت، على الولايات المتحدة أن تشجع الاتصالات بين هذا التحالف الذي تقوده السعودية وحلفائها الرئيسيين في المنطقة – إسرائيل التي تمثل أقوى شريك للولايات المتحدة في المشرق العربي؛ والناتو الذي استعرض قوته في التحرك لحماية المصالح الغربية في كل من ليبيا والعراق وتركيا. ربما يكون ربط القادة السنة مع إسرائيل والناتو أفضل خطوة قادمة بالنسبة للولايات المتحدة في المنطقة على الرغم من صعوبة ذلك.
وجود القوات السعودية والسنية الأخرى في سوريا هو نعمة ونقمة في ذات الوقت. فهي سوف تعزز من موقف المقاومة السنية المعتدلة بصورة كبيرة وتضعف نظام الأسد وتزيد من كفاءة جمع المعلومات الاستخبارية الأمريكية وسوف تخلق منطقة آمنة كبيرة بحكم الأمر الواقع في حال ترافقت مع قوة جوية أمريكية. ولكنها سوف تفاقم من الصراع في المنطقة بين المملكة وإيران. من حيث التوزان، فإن المنافع بالنسبة للشعب السوري سوف تفوق المخاطرة الجيوسياسية الأكبر. وسوف تتطلب اهتماما وتدخلا أمريكيا أكبر من أجل إدارة التحالف المناهض للأسد وللدولة الإسلامية.
هناك مشكلة أكبر فيما يتعلق بالعلاقة ما بين الولايات المتحدة والسعودية. من خلال التأكيد على الأهمية الجيوسياسية المحورية لعلاقتنا مع السعوديين وحلفائهم السنة، سوف يكون في وسعنا العمل سوية لمواجهة العنف والتطرف الإسلامي الذي يسعى إلى زعزعة استقرار المنطقة واحتواء إيران وطمأنة إسرائيل؛ وخلال الوقت المساعدة في إنشاء شرق أوسط أكثر ازدهارا واستقرارا. تمثل مناورات رعد الشمال خبرا جيدا بالنسبة للولايات المتحدة ولكنها في النهاية مجرد مناورة؛ حيث إن هناك حاجة إلى أن يتبعها نشر للقوات تؤثر على مسار الأحداث على الأرض. من شأن الانسحاب الروسي أن يشكل فرصة. وعلينا ان نقوم بكل ما في وسعنا لتشجيع تلك الخطوة التالية، التي تشكل الاختبار الحقيقي.
وسوم: العدد 660