مفاوضات أمنية فلسطينية – صهيونية
نشرت هآرتس الصهيونية في 13/3/2016 عن لقاء سري تمّ بين قيادات أمنية فلسطينية وأخرى صهيونية حاولت أن تصل إلى اتفاق يُخرِجُ رام الله وأريحا من السيطرة الأمنية الصهيونية التي فُرِضت على مناطق (أ) بعد اجتياحها في 2002. والأهم بعد اتفاق التنسيق الأمني الذي وُقِّع في 2007 بإشراف الجنرال الأمريكي كيث دايتون.
وتذكر الصحيفة أن خلافاً ما زال قائماً بالرغم من هزال هذا الاتفاق وتفاهته، وتآمره على الانتفاضة، هو احتفاظ جهاز الشاباك الصهيوني بحق اقتحام رام الله وأريحا كلما استدعت الضرورة الأمنية ذلك. وقد ذكرت الصحيفة أن محمود عباس لا يستطيع أن يقبل باستمرار هذا الشرط. وذلك بالرغم من قبوله الكارثي بمجرد فتح هذه المفاوضات، والعودة إلى نغمة رام الله – أريحا.
إذا مُرِّر هذا الاتفاق ولو تراجع الشاباك عن شرطه المذكور ليُسهّل على محمود عباس أن يدّعي بأن "إنجازاً" قد تحقق، فإن الوضع الداخلي الفلسطيني سوف يُواجِه صراعاً داخلياً جديداً، وانقسامات داخلية واسعة جداً. فقد أصبح من الصعب جداً على فتح أو على الفصائل المنضوية تحت مظلة م.ت.ف الموافقة على هذا الاتفاق الهزيل والمشبوه والذي يبيع بدراهم تافهة دماء الذين ارتفعوا شهداء في هذه الانتفاضة أو الجرحى الذين سقطوا بعشرات الآلاف.
طبعاً من المفهوم أن تسعى حكومة نتنياهو وأجهزته الأمنية إلى البحث عن مثل هذا الاتفاق الذي لم يكلفهم شيئاً في حين أُريدَ منه أن يتوجه إلى إجهاض الانتفاضة. ولكن من غير المفهوم أن يذهب محمود عباس وأجهزته الأمنية هذا المذهب المُعادي للشعب والانتفاضة والقضية، والذي سيزيد سلطة رام الله عُزلةً وانفضاحاً، ولن يحقق نجاحاً إن شاء الله، فهو إلى فشل ما دام هدفه الأوحد تكريس الاحتلال واستمرار الاستيطان وتهويد القدس وحصار قطاع غزة وتأبيد الأسرى وزيادة عذابات أُسَرهم.
مشكلة هذا النهج الذي اختطه اتفاق أوسلو، وأسقطه من حسابه الشهيد ياسر عرفات ما بين 2000 و2005 بعد أن كان موافقاً عليه. وأعاده بعد ذلك إلى اليوم محمود عباس مستغلاً رئاسته للسلطة ولفتح ولمنظمة التحرير الفلسطينية، وما زال مقتنعاً به بالرغم من فشله المتكرّر وقد اعترف كل القائمين عليه بفشله فشلاً ذريعاً ومن بينهم محمود عباس نفسه. لقد اندلعت الانتفاضة في الأول من تشرين الأول/أكتوبر واستمرت، وبتصاعد، إلى اليوم أي دخلت في النصف الثاني من شهرها السادس، لتقول لمحمود عباس ونهج أوسلو الذي أعاد إحياءه بعد أن وورِي التراب في الخمس سنوات الأخيرة من عهد عرفات: كفى وألف كفى فقد بلغ السيل الزبى، ولم يعد هنالك احتمال للعيش تحت الاحتلال وتصعيد الاستيطان في الضفة والقدس.
اعتمد شباب الانتفاضة على أنفسهم وتحملوا مسؤولية المضي فيها حتى النهاية، وتركوا عباس في إخفاقاته وفشل نهجه، وتجنبوا الصدام بأجهزته الأمنية التي واظبت على التصدّي لهم. ولم يبقَ فصيل في منظمة التحرير وخارجها إلاّ وأعلن تأييده ودعمه للانتفاضة، بما في ذلك تصريحات كثيرة من فتح. وقد كاد حتى محمود عباس أن يسلّم للانتفاضة لولا "شُرْش" عاطل فيه ظل يشدّه إلى نهجه إياه، مثلاً عودة المفاوضات السريّة الأمنية التي أشارت إليها جريدة هآرتس أعلاه كما تصريحات من هنا وهناك، ولقاءات مع بعض الدول العربية والأجنبية التي تريد إنهاء الانتفاضة خوفاً من تصاعدها وإنزال الهزيمة بنتنياهو.
بالتأكيد ما كان نتنياهو يبعث بوفده الأمني ليعقد إتفاقاً مع وفد أمني فلسطيني لولا خوفه من الانتفاضة. فهو يريد أن يستبقها ببعض التنازلات الشكلية الأمنية وبعض الإغراءات الاقتصادية والمالية.
وبالتأكيد ما تحرّكت أميركا وأوروبا باتجاه محمود عباس ونتنياهو إلاّ خوفها على نتنياهو وحكومته وجيشه من الانتفاضة. هذا ولا تخرج زيارة جو بايدن نائب الرئيس الأميركي عن هذا السياق.
وكذلك الأمر ببعض الدول العربية التي تجد في الانتفاضة تعطيلاً لسياساتها الرامية إلى الانفتاح على نتنياهو، وتريد أن تُسقِط قضية فلسطين من الأجندة وقد راحت تضغط على محمود عباس ليفعل شيئاً مع نتنياهو للخلاص من الانتفاضة.
هنا نحن أمام اعتراف صهيوني وعربي ودولي، ولو بصورة غير مباشرة، بأن الانتفاضة إذا ما استمرت وتصاعدت وتحوّلت إلى إضراب عام.. عصيان مدني شعبي سلمي يغلق الشوارع بعشرات ومئات الألوف في الضفة والقدس وقطاع غزة، فسوف تُوّلّد مأزقاً كبيراً وتحقق أهدافها في فرض انسحاب للاحتلال وتفكيك للمستوطنات من القدس والضفة الغربية، مع فك للحصار عن قطاع غزة وإطلاق كل الأسرى، وبلا قيد أو شرط.
إن التأكّد من إمكان الانتفاضة تحقيق أهدافها والانتصار بإذن الله، لا يستند إلى ذلك الخوف من الانتفاضة إلا جزئياً، لأن الأساس فيه هو وضع الكيان الصهيوني الذي لا يستطيع أن يُواجِه ما تبديه الانتفاضة من مقاومة ثم تصعيدها إلى انتقاضة شعبية شاملة. فالجيش مهزوم في أربعة حروب وقد انسحب من جنوبي لبنان وقطاع غزة بلا قيدٍ أو شرط. وقد تحوّل إلى قوّة شرطة ولم يعد جيشاً ميدانياً يستطيع خوض الحروب البريّة. وأما حكومة نتنياهو فمعزولة ومتخبّطة ومُرتكِبة أخطاء، ناهيك عن الهلع الذي يسود في المجتمع الصهيوني. وأضف السياسات الأمريكية والأوروبية التي لن تحتمل مواجهة انتفاضة تصل إلى حد العصيان الشعبي السلمي كما سيتعاظم تعاطف الرأي العام العالمي مع الشعب الفلسطيني حين يدخل مواجهة حاسمة ضد الاحتلال والاستيطان.
وسوم: العدد 660