المناصب ليست تأشيرة عبور لحرمة أجسادنا
قد تغضب النساء وينتفضن جراء التحرش الجنسي الذي يتعرضن له في الشارع وفي الأماكن العامة والمواصلات و...، ويعتبرنه تضييقا على حريتهن في التجول، وتنقيصا من إنسانيتهن، لكن جم الغضب يجب أن يصب على كل من اتخذ من موقعه في مسؤولية ما، جسرا لممارسة عقده وكبته الجنسي.
ما لا أستوعبه هو كيف بإمكان مسؤول في منصب معين أن يستغل سلطته ويستثمرها في علاقات ومغامرات عاطفية وجنسية مع أنثى يعلم علم اليقين أنها معه فقط خوفا من بطشه وغضبه، وهذه الظاهرة مشاعة بشكل كبير في مجتمعنا ولا يستطيع أحد إنكارها.
نحن اليوم في أمس الحاجة إلى مسؤولين سواء كانوا كبارا أو صغارا، يحترمون مناصبهم، على الأقل وهم يمارسون مهامهم، وألا يجعلوا من سلطتهم وسيلة للمرور كـ"ثيران" على أجساد الضعيفات من بنات جلدتهم، واللواتي يقفن عاجزات أمام هذا الفعل اللاأخلاقي، فإما يخضعن لرغبات المسؤول أو يقاومن فتتحول حياتهن لجحيم ما بعده جحيم...
هذا السلوك بالذات نجد أن الذكور فيه سواسية، فهذه الظاهرة لا تشمل فقط الحداثيين أو اللا دينيين، بل تمتد حتى إلى أبناء الحركة الإسلامية، وأنا هنا لا أتحدث من فراغ، لقد مرت أمامي قصص تجعلك تقف مشدوها لهذا السلوك غير المتوقع من شخص من المفروض أن له تربية معينة وفكرا معينا وخضع لجلسات تربوية و... ويعتبر الأكثر حرصا على الحفاظ على قيم المجتمع الإسلامي، لكن هذا يثبت أن الجانب الشهواني يبقى مستيقظا في كل ذكر مهما كان انتماؤه الإيديولوجي، فمن لم يفلح في تربية نفسه وترويضها من الصعب أن يغير سلوكه فقط لانتسابه لتنظيم معين..
لا أحد ينكر أن المرأة تتحمل جزءا من المسؤولية في هذا الانحطاط الذي وصلنا إليه، خصوصا أن الانطباع العام عن المرأة، يصورها بأنها تقصد الإثارة، واستعمال أنوثتها للظفر بما تريد، لكن هذه الصورة تبقى صورة نمطية، فالنساء اليوم أصبحن واعيات بما يتعرضن له، ورافضات له، وحتى لو التزمن الصمت فصمتهن هو طريقة للاحتجاج الهادئ الذي يعبر عن قلة حيلتهن، وفي بعض الأحيان يعبر عن خوفهن..
المرأة الشرقية تنقصها الشجاعة للانتفاض، مشكلتها مشكلة نفسية بالأساس، فالمرأة دائما سجينة لهاجس "الشوهة" الذي يطاردها، وسمعتها التي ستمرغ في التراب لو قامت بأي رد فعل يرد لها الاعتبار، تخاف دائما من أن يحملها أهلها والمجتمع مسؤولية هذا السلوك، وذلك من خلال اتهامها أنها هي من تثير شهوات الذكور من خلال ملابسها، زينتها أو حتى ضحكتها...
الغريب أنه لا يمكن أن يمر يوم دون أن تصادف قصة تتحدث عن تحرش مدير أو مسؤول ما بموظفة أو بعميلة، فهذا الطقس أصبح من يوميات مسؤولينا، وهنا تحضرني قصة عاشتها إحدى الطالبات مع أستاذ جامعي، حيث أن هذا الأخير طلب من الطالبة التي تدرس عنده ربط علاقة معه مقابل منحها علامات عالية في الاختبار، وفي حالة رفضها سيجعلها تكرر السنة، الطالبة تفاجأت بهذا الطلب الذي يرهن مستقبلها الدراسي بأهواء الأستاذ الشاذة، حاولت التوسل إليه لتركها في حالها، بكت بحرقة أمامه، لكنه كان أشبه بذئب يتلذذ بضعف فريسته، في آخر المطاف وبعد تعنت الأستاذ اختارت الطالبة الرسوب عوض الاستسلام لضغوط الأستاذ...هنا من يحمي حقوق هذه الطالبة التي ضاعت منها سنة فقط لأنها لم تخضع لأهواء أستاذها الذي من المفروض فيه أن يكون قدوة ومربيا قبل أن يكون ملقنا للمعلومات..
هذه القصة هي واحدة من بين آلاف القصص التي تكتب خلف الأبواب المغلقة، فالسؤال الذي يجب طرحه الآن: كيف يمكن أن نحاسب هؤلاء الذي ينشرون في الأرض فسادا ويستعملون سلطتهم لإخضاع أطراف ضعيفة لنزواتهم ورغباتهم، بدون وجه حق، فقط لأنهم أقوياء ويستطيعون التنكيل بكل من اعترض على شذوذهم؟؟؟
لو استطاعت النساء التخلص من الصمت الذي يزلزل دواخلهن، والقيام بالدور الذي يجب أن يكون من خلال الانتفاض وفضح المسؤولين الذين يستعملون سلطتهم للإيقاع بالنساء، كنا على الأقل سنقلص حالات التحرش المنتشرة كالجراد، مما يجعل كل مسؤول قبل التفكير في التحرش بأي امرأة ولو صادفها في الشارع، سيفكر عشرات المرات قبل الإقدام على هذا الفعل، لأنه سيضع مستقبله المهني أو النضالي على المحك
وسوم: العدد 661