مصر وقضية الطالب الإيطالي: تهريج لا يحتمل!

في محاولة أخيرة للفلفة قضية تعذيب وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني أعلنت السلطات قتلها عصابة «متخصصة في خطف الأجانب» و«اكتشافها» بعض متعلقات الطالب المذكور عند أخت أحد أفراد تلك العصابة.

وقبل إعلان هذه الحيثيات التي تذكر ببعض أفلام المقاولات المصرية كان الرئيس المصري قد مهّد للحبكة البوليسية تلك بتصريحات لصحيفة «لا ريبوبليكا» الايطالية تحدث فيها عن مؤامرة على العلاقات المصرية الايطالية وربط بين مقتل ريجيني بحادثة إسقاط الطائرة الروسية في سيناء، وبزيارة وزيرة التنمية الايطالية إلى مصر، باعتبار أن من قام بتعذيب الطالب حتى الموت يهدف لتخريب العلاقات مع ايطاليا، كما فعل إسقاط الطائرة مع روسيا.

السيسي اعتبر أيضاً الحادث فرديا ولم يحصل لأحد من آلاف المصريين الذين يزورون مصر وشبهه بحادث «فردي» آخر يتعلق باختفاء أحد المصريين في ايطاليا قبل عدة أشهر.

شاركت وزارة الداخلية والنيابة والأجهزة الأمنية المختصة في التحقيق بالحادثة في نسج شبكة الملابسات التي تحيط بالقضية فتحدثت الداخلية عن «شبهة جنائية او الرغبة في الانتقام لدوافع شخصية».

أما النيابة المصرية فكانت قد أعلنت قبل ذلك بعد تقرير لهيئة الطب الشرعيّ أن الطالب قُتل بعد تعذيب دام سبعة أيام.

تدخلت بعدها وزارة العدل المصرية فأعلنت عدم صحة التقرير ونفى، إثر ذلك، المسؤول عن الطب الشرعيّ استجوابه من النيابة العامة، ولكن مصادر في النيابة، لاحقاً، أكدت استجوابه!

وتدخّلت أجهزة الأمن فاكتشفت شاهداً يدعى محمد فوزي على «خناقة» بين الطالب الإيطالي وصديق له في اليوم نفسه الذي اختفى فيه، غير أن الشاهد المزعوم لم يستطع التعرّف إلى «الصديق» المزعوم من بين صور مئتي شخص يشكلون شبكة معارف الطالب!

والحقيقة أن القصة الأخيرة التي حلها الأمن بقتل أربعة أشخاص مصريين (وبالتالي فلا بواكي لهم ولن يطالب بديّتهم أحد) باعتبارهم «عصابة خطف الأجانب»، ووضع أغراضه في بيت أخت أحد القتلى، كانت قمة التهريج البائس للسلطات المصرية حيث ادّعت أنها لم تقل إن تلك «العصابة» هي التي قتلت ريجيني بل تركت الأمر لذكاء المحققين الإيطاليين للربط بين هذه «المعلومات» لحلّ اللغز.

فهذا السيناريو، باختصار، فضح الحبكة بأكملها لأن المخرج الفهلويّ ثبّت الجريمة على نفسه بتقديم أغراض الطالب المغدور كدليل لا يقبل النقض على دور السلطات الأمنية المصرية في تعذيب وقتل الطالب، وهو ما أسقط كل هرم الأكاذيب الذي بدأ بخطف الطالب ووصل إلى تدخل رئيس الجمهورية المصرية شخصياً في تبرير الحادث دفاعا عن أجهزته الأمنية.

نقلت إحدى المصريات في صفحتها على وسيلة التواصل الاجتماعي «فيسبوك» تصريحاً نسبته إلى الرئيس المصري يقول فيه «أنا مش حأحلف بس قسماً بالله العظيم إحنا عاملنا ريجيني زي أولادنا بالضبط»، ويلخص هذا التصريح الذي يكشف قدرات السخرية الكاشفة عند المصريين أكثر مظاهر قصة الطالب الإيطالي إيلاماً، وهي أن النظام المصري لم يفعل بريجيني غير ما يفعله مع أبناء مصر، فهو لا يفرق بين «أعجمي وعربيّ» في القمع، وخصوصاً حينما يتعلّق الأمر بخصومته العمياء مع أعدائه السياسيين أو الطبقيين الذين كان الطالب الإيطالي يحاول كشف ما يفعله النظام معهم: الإخوان، من جهة، والعمال المصريين، من جهة أخرى. 

مجريات حادثة الطالب الإيطالي تكشف أن النظام المصري جمع بين الاستبداد والتهريج الذي لا يحتمل وهذا دليل على أزمة كبرى.

رأي القدس

وسوم: العدد 661