هل ستتجه عاصفة الحزم نحو سوريا ؟
السنة التي مضت على المنطقة كانت إيرانية بحسب ما يقوله أصحاب القرار القابعين في دهاليز طهران . لأنهم يعلمون مسبقاً أن مَن عانى ودفع الثمن والكلف والأرواح هم غرماؤهم الأعداء من الشعوب العربية ، وأن مَن تضرّر و تدمر هي البلدان العربية ذاتها، وهي الجانب الوحيد الذي أجمع عليه كل هؤلاء على مختلف انتماءاتهم .
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل يمكن القول إن حل المشكلة اليمنية وانتهاء عاصفة الحزم ستُمهد الأرضية لظهور عاصفة حزم جديدة كفيلة بإنهاء النزاع في سوريا ، وإنقاذ الشعب السوري الذي عانى ويعاني من أكبر مجزرة تمارس ضده في التاريخ الحديث ؟ .
المتغيرات تتسارع على الأرض ، ويبدو أن تعنت النظام السوري وممارسته لأبشع الجرائم الإنسانية ، وتعاظم دور إيران ومليشياتها ، قد أسهم في تعجيل تبني إيران لانتهاج استراتيجيات جديدة وعاجلة هدفها المزيد من السيطرة وبسط النفوذ ، هذا مع تعاظم الهواجس الإيرانية التي تخشى أن تتفرد روسيا بالحل في سوريا، ولا يزالون يتوجسون من أن مشروعهم سيكون على المحك إذا خسروا المعركة هناك ، لأن من شأن ذلك أن تنسحب أثاره بشكل مدمر على طموحات إيران ومكانتها الإقليمية .
ضوء ذلك تبدو فكرة نهاية عاصفة الحزم في اليمن كابوساً مرعباً لإيران ، إذ كانت تسعى أن لا يكون هناك أفق للحل ، ودفعت باتجاه تأجيج الصراع ، ومحاولة كسر الحصار لغاية كتابة هذه السطور لإرسال السلاح لضمان بقاء استنزاف دول التحالف العربي بقيادة السعودية أكبر وقت ممكن حتى لا تتجه البوصلة العسكرية مجدداً نحو سوريا .
وتؤكد المؤشرات أن العد العكسي لانتهاء عاصفة الحزم قد بدأ فعلياً، وأن التسوية المرتبطة بالحل في اليمن سترتبط بشكل كبير بمآلات الوضع في سوريا ، و قد يحمل معه بوادر للحل هناك، انطلاقاً من أن أي شيء إيجابي يحصل في اليمن سيؤثر حتماً على هذا الملف المتأزم منذ نحو خمس سنوات .
حتى الآن من الواضح أن التسوية الخاصة بالملف اليمني قد بدأت معالمها تتضح بعد حوارات الرياض ومسقط وما سيتم البناء عليه في الكويت ، وستؤدي إلى نتيجة ايجابية على الرغم من محاولات التدخل الإيرانية ؛ لا سيما أن طهران تُدرك تماماً أن حل الأزمة اليمنية سيلقي بتداعيات كبيرة ومؤثرة على الأوضاع السياسية والميدانية على الأرض في اليمن ، في حال ثبت الحل هناك ، بعد انطلاق المساعي و المفاوضات السياسية ، وأدت للوصول إلى نتائج ايجابية نتيجة إدراك الحوثيين قطعياً استحالة تحقيق طموحاتهم في إنشاء دولة على منهاج الخميني ، الأمر الذي سيسهم في إعادة ترتيب الاستراتيجيات العربية بقيادة السعودية ، وسيؤدي إلى تحرك مكثف في اتجاه التعامل بشكل مختلف مع الأزمة السورية خلال الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة.
لكن ما هي العقبات التي قد تحبط أو قد تؤثر على إعادة توجيه عاصفة الحزم نحو سوريا ؟ .
لاشك أن هناك عقبات عدة و هذه القبعات هي:
1- التفاهم الأميركي الروسي حول الأزمة السورية، خاصة ما بعد الانسحاب المزعوم من سوريا، وفي ضوء المساعي الأميركية التي أتت أكلها بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى موسكو، والاتفاق على التهدئة والضغط في اتجاه إدامة التفاوض غير المثمر وإلى أجل غير مسمى ، حتى تصل مختلف الأطراف إلى ضرورة فرض التسوية المتوافق عليها روسياً وأمريكياً ، وهذا يعني أن إدارة الأزمة السورية أصبحت من خلال التوسل ببقاء بشار الأسد وزمرته إلى أخر لحظة ، ومن ثم اللجوء للدبلوماسية والحل ، بغرض إيصالها لطريق مسدود .
2- ضمان استنزاف الدول العربية الفاعلة عن طريق تسهيل نقل أزمات المنطقة والإرهاب وإليها بكافة الطرق والسبل من خلال توظيف مداخل الأزمات الإقليمية ، بحيث يتم تهيئة الأرضية بشكل لا تسمح معه تقاطعات بعض المصالح الإقليمية الدولية لتهيئة الأجواء المساعدة للتدخل العربي في سوريا ، وخلق الظروف التي لا تسهم في حلحلة الملف السوري ، بحيث تجعله أكثر تعقيداً أكثر من ذي قبل .
3- تكاتف جهود إيران مع بعض الأطراف الإقليمية والدولية لإفشال إمكانية الحل في سوريا ، والدفع نحو تعقيدها ، وترافق ذلك مع محاولة إيران لتفجير الأزمة السورية من جديد ، وهذا الأمر بدأت بوادره من خلال تكثيف إرسال إيران لقواتها العسكرية النظامية ، للانخراط في العمليات القتالية هناك ، ووضع موطئ لها على الأرض تحسباً لعاصفة حزم عربية جديدة هناك .
4- السعي لتشتيت الجهد العربي ، لاسيما السعودي من خلال تفجير الأزمات الإقليمية الأخرى لإشغالها عن الأزمة السورية ، حيث أنه ومنذ فترة ليست بالوجيزة والوضع اللبناني يشكل جزءاً من التسوية في المنطقة. وثمة سياسة إيرانية نشطة واضحة من خلال عرقلة بوادر أي تسوية في لبنان ، لأن من شأن ذلك التأثير إلى حد كبير على الأزمة السورية . ذلك أنه في منطق الأمور بحسب الرؤية الإيرانية ، أنه إذا لم تحصل تسويات معينة من خلال الملف اللبناني فإنه سيكون لصالح إيران ومصالحها في سوريه والمنطقة ؛ وبالقدر نفسه هذا سيمنع أي تدخل عسكري على المسار السوري حرصاً على استقرار لبنان ، وعكس ذلك معناه مغامرة سياسية غير محسوبة من جانب الدول العربية – لاسيما الخليجية - التي ستنخرط في عاصفة الحزم الجديدة في سوريا .
فضلاً عن ذلك، فإن هناك خشية وتوجس إيراني من البدء بحوار خليجي- روسي بقيادة السعودية ، لكنها غير واضحة المعالم، حيث تعاني طهران من شح في المعلومات حول ذلك ، وما تطرحه في إعلامها مجرد تكهنات لا تستند إلى معلومات دقيقه ، لكنها تجمع على وجود مؤامرة روسية تحاك ضد إيران ، لهذا كثفت طهران من تصريحاتها العدائية ضد دول مجلس التعاون ، واستعدادها للتعامل معها عسكريًا وفقاً لتوجيهات خامنئي التي تنتظر بفارغ الصبر تنفيذها ؛ وأكدت إلى أنها ستتبنى استراتيجيات عسكرية جديدة وغير مسبوقة في سوريا بدأت أولى بوادرها بالإعلان رسمياً عن إرسال قوات خاصة ، وتعزيز الحرس الشخصي لبشار الأسد ، وتشديد القبضة على مؤسسات النظام السوري العسكرية والأمنية بشكل أكبر ، بحيث تصبح إيران حُكماً الدولة الرئيسة المعنية بالتسوية والحل في سوريا.
5- خشية طهران من التسوية المحتملة في ظل التسويات الروسية-الأميركية ، وهي التفاهمات التي قد تتعزز في المرحلة القادمة من خلال دخول السعودية ومن خلفها من دول مجلس التعاون الخليجي على هذا الخط ، وما عزز ذلك خشية بوتين استنزاف المزيد من موارد الدولة الروسية الاقتصادية و العسكرية في حرب طويلة الأجل في سوريا ، الأمر الذي يثير التساؤلات حول الثمن الذي ستقبضه طهران جراء ما تكبدته ، وحفاظاً على مصالحها وأمنها القومي الذي ربطته بتداعيات أي حل مستقبلي في سوريا ، قد يؤدي إلى انكفاء مشروعها ومجالها الحيوي .
بعد كل ما سبق؛ يمكن القول إن التعاطي العربي بشكل عاجل لن ينقذ الشعب السوري فقط ، بل سيحمي سوريا من التقسيم والتفتيت ، وسيمنع وصول الحريق السوري إلى قلب العالم العربي ، حيث بات لزامًا على العرب أن يقفوا صفاً واحداً بحزم وعزم وقوة للمحافظة على وحدة سوريا ، مع ضرورة الانتباه والحذر من المناورات والمؤامرات ، والتي من أبرز أهدافها إخراج سوريا من عمقها العربي وإلحاقها بالحضن الإيراني ، وإغراق المنطقة في حرب استنزاف طويلة لن تبقي ولن تذر.
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 663