طبق مسقّعة لأم ريجيني !

وفقا لمنهج الجنرال العبقري محافظ السويس ورؤيته للمرأة المصرية المثقفة ، التي يكمن سر ثقافتها في صناعة أطباق المسقعة ، والبيض بالحمص ، فإن السيدة ليلى مرزوق الشهيرة بأم خالد سعيد قدمت طبقا شهيا من المسقعة للسيدة الإيطالية باولا ريجيني أم الطالب المغدور جوليو ريجيني الذي وُجدت جثته على الطريق الصحراوي وعليها علامات تعذيب بشع ، وقامت الدنيا من أجله ولم تقعد.

أم خالد سعيد رأت أن تشاطر أم ريجيني في مصابها الأليم بفقد ولدها بعد تعذيبه ، فبعثت إليها برسالة مصورة تعبر فيها بلهجتها العامية عن مشاركتها الحزن والألم ، قالت فيها : "أنا باعزي أم الشهيد ريجيني، وحاسة بيكي وبآلامك، زي ما أنا لحدّ النهار ده بتْعذّب علشان خالد، وأنا باشكرك جدا لأنك هتهتمي بقضايا التعذيب في مصر، وهتكملي مشوار ابنك وربنا يقدرك عليهم يا رب". أي إن اهتمام الست بولا بابنها سيمتد للاهتمام بالآلاف من المصريين الذين يتم تعذيبهم وتصفيتهم !

ما قالته أم خالد سعيد طبق مسقعة مصري بامتياز ملأ المعدة الأوربية ببساطته وعذوبته وألمه ، فقد عبرت عن مشاعر أم ملتاعة بفقد ولدها نتيجة التعذيب على يد جلادين قساة لا يعرفون الله ولا الرحمة ، وهو ما جعلها تصل إلى الذروة في مشاركة أم ريجيني مصابها الفاجع ، وطلبت من الله أن يساعدها في الوصول إلى القتلة والنيل منهم بالقانون ، وإكمال المشوار في طرح جريمة التعذيب في مصر التي طالت الآلاف ظلما وعدوانا ، ولا يجدون من يبكي عليهم أو من أجلهم !

ما كاد طبق المسقعة يظهر على الملأ حتى جن جنون كلاب الحراسة ونعال البيادة ، وأخذ السعار يضرب صوب أم خالد سعيد ، وراحت التهديدات بالويل والثبور وعظائم الأمور تتجه إليها ، وقيل إن هناك بلاغات للنيابة ضدها لأنها برسالتها للأم الإيطالية المكلومة تحرض ضد الدولة .. من هي الدولة ؟ هل هي الحكام والأذرع الإعلامية والجلادين ؟ 

يلفت النظر أن أم خالد سعيد عارضت الحكم الديمقراطي في عهد الرئيس البطل الصامد محمد مرسي ، وانحازت إلى الانقلاب العسكري الدموي الفاشي ، وأعلنت تأييده ، ورحبت بها الأذرع الإعلامية على الشاشات والصفحات ، ومع ذلك لم يحتملوا أن تعبر عن مشاعرها بوصفها أما جريحة فقدت فلذة كبدها ، فراحوا يستجوبونها ويهددونها بسبب قولها " ربنا يقدرك عليهم " وكأنهم يعترفون ضمنا أنهم قتلوا ريجيني ، وأنهم لا يريدون أن يحاسبهم أحد على الجريمة!

عقب مقتل خالد سعيد مباشرة ، قُتل سيد بلال الشاب المتدين الذي عذبوه ليعترف بمهاجمة كنيسة القديسين وقتْل روادها ، واستمر التعذيب حتى الشهادة ، وطلب الجلاد من أهله أن يدفنوا " هذه الرمّة " في ظلمة الليل دون أن يشارك الناس في جنازته وإلا سيقوم الجلادون بدفنه، واكتشف الناس بعد الثورة أن الجلادين هم الذين صنعوا حادث الكنيسة تأديبا لبعض زعمائها !

سيد بلال لم يبك عليه أحد لأنه مسلم . لم تتحدث عنه دكاكين حقوق الإنسان في مصر والخارج ولا النشطاء ، لأن سيد بلال مسلم وله لحية ، والمسلم عموما في عرف النخب الإعلامية والعلمانية لا ثمن له ولا قيمة . ولم نعرف لسيد بلال أما تتحدث في القنوات والصحف والندوات ، وتستضيفها الأحزاب العلمانية والإسلامية ، وحين قدم بعض الجلادين إلى المحاكمة بعد الثورة حصلوا جميعا على البراءة ، باستثناء أحدهم حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات ، وبالتأكيد سوف يستأنف لإلغائها أو تخفيفيها أو الحكم بإيقاف التنفيذ ، وهكذا يضيع دم سيد بلال بين القبائل !

ترى كم "سيد بلال" تم قتله في ظل الحكم العسكري  منذ  خميس والبقري ؟

قبل سقوط مبارك مباشرة قتل أكثر من ألف مصري بريء بالرصاص الحي في الشوارع وخاصة ميدان التحرير ، وبعد الانقلاب العسكري على الثورة قتل في الحرس والمنصة ورابعة والنهضة ورمسيس والفتح والقائد إبراهيم وأكتوبر وكرداسة وناهيا ودلجا والشوارع والميادين والبيوت آلاف الأبرياء، ومازال الأبرياء يُقتلون حتى الآن وتتم تصفيتهم دون أن يُفتح محضر في قسم أو مركز للتحقيق !

أما جوليو ريجيني فهو مختلف . لأنه من دم آخر . من فصيلة إنسانية ودموية مختلفة عن الفصيلة المصرية والدم المصري ، ويا للسخرية يردّد الجمهور : ارفع راسك فوق انت مصري ! حلم وراح ! ارفع راسك فوق أنت مصري !

شعب البيادة يدافع عن الدموية والوحشية والخيبة والفشل لأنه مستفيد من دماء المصريين وعرقهم ، ويشعر أنه يدوس على رقاب المصريين الأحرار ، وأنه ينضم إلى الأسياد حتى لو كان في داخله عبدا تسوسه العصا والكرباج .

نختم بطبق مسقعة آخر من امرأة مصرية لا تؤيد الانقلاب مثل أم خالد سعيد ، ولكنها تشاطر أم ريجيني مشاطرة عميقة مؤثرة تكشف الألم الذي يجاوز أما واحدة إلى آلاف الأمهات المصريات .

إنها رسالة مبكية من أم مختف قسريًا لـ «والدة ريجيني»  نشرتها "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات" ، تقول فيها والدة الطالب المختفي عمرو إبراهيم متولي : "بعد مرور ألف يوم علي اختطاف ابني عمرو إبراهيم متولي وإخفائه في سجون السلطة المصرية استمعت إليك وأنت تطالبين بالقصاص من قتلة ولدك جوليو في مصر ، وكنت أشعر بالألم الذي تحملينه داخلك كما شعرت بالألم منذ ألف يوم، وأنا أواسيك علي فراق ولدك بهذه الطريقة البشعة وغير الإنسانية، وأشاطرك الحزن والألم ... ومع ذلك فإنني أحسدك على شجاعتك في مطالبك، وأحسدك على اهتمام حكومتك بقضيتك، وأحسدك علي رؤية ولدك وإن كان اللقاء فظيعا ؛ إلا إنك التقيت به وعرفت مصيره وبقي أن تبرد نار قلبك بالقصاص من قاتليه، فكنت أنا ومئات الأمهات في مصر مثلي - أتمنى عودة ولدي ولو ملفوفًا في ثياب بيضاء تكسوها دماؤه الزكية، أو عرضه علي النيابة العامة وعليه آثار التعذيب حتى ولو اقتادوه إلى حبل المشنقة مثلما فعلوا بكثير مثله ... بل كنت أتمنى أن يتحدث الإعلام في بلدي عن قضيته فيشعر أبناء وطني بمأساتي بدلاً من اتهامي بالكذب وتزويد معاناتي، أو على الأقل يهتم بشكواي النائب العام مثلما اهتم القضاء الايطالي بمصيبتك وطالب بالقصاص من المجرمين ليرد لك جزءًا من حقك". وواصلت: "السيدة روجيني، إنني ومئات الأمهات في مصر قلوبنا معك نواسيك ونقف بجانبك ونشد علي يديك وهذا أقصي ما نستطيع ، ونقول لك إن قضية ولدك هي قضيتنا، ونحن نعتبر قضية أبنائنا أمانة في عنقك فكشف الحقيقة في قضية جوليو سيعيد إلينا أولادنا وحقوقنا ويوم حصولك علي حق ولدك ستستريح قلوبنا معك". 

الله مولانا . اللهم فرّج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !

وسوم: العدد 663