لماذا الاستثناء ... إيران وإسرائيل فقط؟
هل كانت إيران لتجرؤ على تنفيذ مغامرات عسكرية بهذا الحجم من التحدي وأمام سمع العالم وبصره وببلاغات رسمية يتناولها الإعلام الدولي في دول أخرى؟ وترسل بقوات الحرس الثوري ثم يتصاعد موقفها حتى يصل إلى الإعلان عن زج القوات النظامية في معارك في العراق وسوريا وتقديم الدعم للحوثيين وحزب الله اللبناني الإرهابي، لو أن تلك الخطوات لا تحظى بموافقة صامتة أو صريحة من القوى العظمى وخاصة الولايات المتحدة وبدعم من مباشر من روسيا؟
وهل أن إيران هي أقوى دول المنطقة بحيث تتصرف مثل هذه التصرفات من دون حساب النتائج؟ وماذا عن تركيا أو مصر على سبيل المثال وهما دولتان كبريان، أو العراق قبل إخراجه من معادلة الأمن القومي العربي والإقليمي لو أن دولة منها أقدمت على ما تفعله إيران؟ وماذا عن دور السعودية اليوم؟ وهل تستطيع إرسال متطوعين من جنسيات مختلفة إلى سوريا أو اليمن لمواجهة الخطر الإيراني الروسي في منطقتها الحيوية؟ وهل تستطيع باكستان وهي الدولة النووية أن تفعل شيئا مما تكرره إيران على مدار السنة؟
يمكن أن يقع شيء من هذا ولكن طبول الحرب ستقرع بكل قوة في مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوربي.
هل توجد في عالم اليوم دولة إقليمية يسمح لها بارتداء أحذية أكبر من مقاساتها كما هو حال إيران ثم تتقمص دور الدولة العظمى في التدخل في أي بلد أو ملف أو قضية تريد التدخل فيها حتى إذا كان هذا التدخل مرفوضا في إطار القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة، ولا تشعر أن هناك ما يردعها ومن دون أن تقيم وزنا لردود الفعل المضادة إقليميا ودوليا؟
هل يوجد بلد تمرد على الأسرة الدولية من دون استثناء كما فعلت إيران حتى الآن؟ أم أنها تريد أن تقول إن هناك قوى غيبية تحميها من أي رد فعل مضاد، وبهذا توجه رسائل إلى الأوساط المعادية لها بأنها قوة لا تقهر وأن على جميع من يناصبها العداء الرضوخ والخضوع لبرامجها السياسية والطائفية قبل فوات الأوان، كما أن فيها رسائل للداخل الإيراني ولأتباعها بأنها منصورة بتدخل المهدي المنتظر إلى جانبها في كل معركة تخوضها دفاعا عن "المستضعفين" في العالم كما جاء في دستورها.
هذه الفكرة طرحتها الزعامة الإيرانية بكل قوة في الحرب العراقية الإيرانية وخاصة مع كل انتصار مؤقت كانت قواتها تحققه في معركة من معارك حرب الثماني سنوات، وتعرض أفلاما مضحكة إلى حدود بعيدة عن فارس يرتدي الملابس البيضاء ويمتطي جوادا أبيض ويشهر سيفه عاليا ويتواجد في أكثر من جبهة في وقت واحد وتزعم أنه المهدي المنتظر الذي جمل سيفه دفاعا عن دولة الولي الفقيه، وكانت هذه الأفلام تقابل برديْ فعلٍ مختلفين، فهي لدى عامة الشعب الإيراني المخدّر والذي يضم شرائح واسعة من البسطاء والأميين والسذج، تقابل بنشوة بلهاء بنصر مزعوم وإمداد غيبي، تظهر على وجوه المغفلين الخاضعين لخطاب الشحن الطائفي حد الغيبوبة.
بالمقابل فإن أعدادا لا يستهان بها من المتنورين كانت تتندر داخل المجالس المغلقة من تلك الوصلات السخيفة ولكنها لا تستطيع المجاهرة برأيها، بل إنها إن تحدثت أمام أجهزة الإعلام فإنها ستتبنى مثل هذه الأوهام وتدافع عنها بصورة وضعت طبقة المتعلمين والنخب المثقفة في إيران على لائحة شهود الزور الذين يزينون للسلطان الفاسد أكاذيبه وهم من الأخسرين أعمالا في الحياة الدنيا ويظنون أنهم يحسنون صنعا.
أم أن ما تنفذه إيران هو دفاع عن "بيضة الإسلام" الذي تزعم أنها تحتكر تمثيله عالميا وهي جاهزة وعلى استعداد لمواجهة أي خطر مهما كبر؟ أم أن كونها الدولة الأولى الراعية للإرهاب تستطيع إخافة العالم من دون استثناء وذلك عن طريق تحريك أذرعها وخلاياها النائمة بحيث أجبرت العالم المتمدن على الاعتراف لها بأنها حالة منفلتة ويحق لها ما هو محرم على غيرها وتستطيع متى أرادت استخدام كل ما يتوفر لها الآن أو في المستقبل من أسلحة بما فيها سلاح الإرهاب؟ ولا يشبه دولة الولي الفقيه في هذا الاستثناء النادر إلا إسرائيل في كل مفردات التحرك؟ وإذا قبلنا بهذه الفرضية فعلينا أن نبحث عن الدواعي والدوافع لمثل هذا الاستثناء.
لو أن إيران شعرت أنها ستدفع ثمنا حقيقيا لطيشها وما تنفذه من مغامرات تعد استنساخا لسلوك المافيات وعصابات الجريمة المنظمة وسلوك المزورين ومهربي المخدرات ومبيّضي الأموال، لو أنها شعرت بأنها ستدفع شيئا ما مقابل ذلك بموقف مضاد وعملي من الدول الكبرى فهل كانت ستواصل هذا النهج الخارج على كل شرائع السماء وقوانين الأرض، لأن في هذا السلوك قتلا لمئات الآلاف من النفس البشرية التي حرم الله إلا بالحق، لو أن أمريكا لوحت لها بالعصا الغليظة هل كانت إيران ستتمادى في غيها؟ ولكن أمريكا تلوح للولي الفقيه بعظمة قليلة اللحم ولهذا فإنها ستواصل هذا الطريق إلى أن تتواجد قوة الردع الإقليمية الحقيقية لنوايا الشر الفارسية.
ربما سينزعج بعض المتزمتين لوجهات نظرهم الضيقة الأفق مما سأطرحه من فرضية سياسية لتفسير الظاهرة الإيرانية اللافتة للنظر، وربما ستطلق أوصاف كثيرة ولكن هذا لن يحول دون قول كلمة حق بوجه تاريخ ظالم وسلاطين جائرين، هناك قاسم مشترك رئيسي يجمع بين إيران وإسرائيل، وهذا المشترك هو أن كلا منهما يدين بدين غريب عن المنطقة وطارئ عليها، فإسرائيل دولة يهودية تحرص على جعل نفسها كيانا خاصا باليهود وتريد التخلص من المسلمين والمسيحيين لتبقى فلسطين خالصة لليهود دون سواهم وربما لا يتساوى جميعهم في الحقوق والواجبات، أما إيران فهي تمتلك براءة اختراع دين جديد يزدحم بكل ما هو ضد العقل والمنطق والوعي هدفه الرئيسي تهديم أركان الدين الإسلامي الحنيف من داخله بعد أن تحطمت كل محاولات بلاد فارس بالقوة على مر التاريخ، ولهذا ركبوا موجة التشيع لآل البيت زورا وبهتانا وأدخلوا إلى الإسلام من الخرافات والأساطير والأكاذيب والروايات المنسوبة لآل البيت ما لا يطيقه عقل عاقل، وجاءوا بالبدع مما لم يعرفه دين سماوي أو من صنع البشر على الإطلاق، ويكفي للاستدلال على منظومة التضليل الفكري التي تحولت إلى معول زرادشتي يريد تهديم الكعبة وخنجر مجوسي يسعى لتمزيق القران وتسفيه العبادات الإسلامية التي جاء بها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، أن الفرس نسفوا أهم ركيزة جاء بها الإسلام وهي ركيزة التوحيد.
وهذا هو بالضبط الهدف الذي تسعى إليه بقايا محاكم تفتيش القرون الوسطى، وأحفاد ملوك الحروب الصليبية التي تحدث عنها جورج بوش أثناء غزو العراق وفلاديمير بوتين لتبرير إرسال قواته إلى سوريا، القضاء على الإسلام ومادته الرئيسية وهم العرب هو الهدف الذي تلتقي عنده كل نوايا الشر والسور شرقا وغربا، وهنا تلتقي مصلحة الدول الكبرى والصهيونية العالمية والحركة الماسونية عند هدف واحد وهو تشوية الإسلام وإخضاع الوطن العربي لقوى غريبة عنه تاريخيا وثقافيا وحضاريا وعرقيا.
فلا أحد مثل دولة الولي الفقيه مؤهل لتأدية دور المرتزق من حيث الزمان والمكان نيابة عن تشابك المصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية الدولية في المنطقة، حيث مهبط الوحي ونشوء الدولة العربية الإسلامية، وقيام الحضارة التي عمت أنوارها فوق الكرة الأرضية بفضل عطاء العلماء العرب وعدل دولة الخلافة العربية.
ولما كان الوطن العربي يختزن كل هذا الموروث من المجد وكل هذه الثروات البشرية والطبيعية فقد التقت مصالح الكبار على إخضاع العرب لهيمنة اليهود والفرس بدولتين الأولى تحكم باسم اليهودية والثانية باسم إسلام القرن الواحد والعشرين والذي لا يمت لدين محمد صلى الله عليه وسلم بصلة.
ولأن إسرائيل كيان عنصري عرقيا ودينيا، ولأنها كيان كولونيالي "إجلائي استيطاني" فإنه وبحكم الخنادق العميقة التي تفصل بين شعوب المنطقة وهذا الكيان، فإنه يبقى عاجزا عن تقديم البديل المقبول عن العروبة والإسلام بأي قدر من المقادير، أما إيران فإن هناك تصورا بأنها قادرة على النهوض بهذا الدور باعتبارها بلدا يقع في قلب المنطقة ويرفع شعارات دينية في ظاهرها إسلامية جامعة وفي جوهرها حركة خارجة على الإسلام وتريد حرفه عن مساره ومصادرة اسمه والمتاجرة بهذا الرصيد الروحي الهائل، وتلتقي مصالحها مع الاستراتيجية الدولية استنادا إلى مقولات ظلت في نطاق المقولات المجردة عن أن الجهاد فرض معطل لحين ظهور صاحب الزمان، فتلقفت مراكز الدراسات الاستراتيجية في الدول الخائفة من الإسلام، هذه المقولة واعتبرتها دليلا على أن الإسلام "الإيراني" ليس دينا إرهابيا ولا يحض على الإرهاب ولا يدعمه، على الرغم من أن تجارب السنين التي انصرمت منذ وصول الخميني إلى السلطة هي سلسلة مترابطة من العمليات الإرهابية التي دفعت شعوب كثيرة ثمنها كبيرا، ولكن لأن إسلام إيران لا صلة له بدين محمد فقد اعتبره الصليبيون والصهاينة صديقا مقربا يمكن التعاون معه للقضاء على الإسلام الحقيقي ومادته الرئيسية "العروبة"، لهذا ارتضى العالم لإيران أن تخوض كل هذه المغامرات وتثير كل هذه الفتن وتسفك كل هذه الدماء، وستبقى تدعمها إلى أن يتحقق حلمهم المشترك وهو الحلم المستحيل بالسيطرة على المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، وعند ذاك تنتهي البلطجة الإيرانية ويتم تدجين التجربة ودمجها في مجتمع الدول "المعتدلة".
يبدو أن الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوربي، يلعبون لعبة محكومة النهايات بدقة وهي لعبة إطلاق بلطجي إقليمي ليكون بمثابة مطرقة مرفوعة فوق الرؤوس على الدوام، هذا ما يحصل أيضا في شرقي آسيا والذي تمثل فيه كوريا الشمالية دور البلطجي الإقليمي، إلى أن تتمكن الشعوب من نبذ الفرقة والتمزق واختيار الطريق الخاص.
د.نزار السامرائي
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 666