النتائج المأساوية المقبلة لحرب أمريكا على «الدولة الإسلامية»

تكشف الأخبار المتواترة من العالم العربي وجود شكل من الإدارة المركزيّة العالية التي تنسّق بين المعارك التي تدور ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (وشقيقاته القريبات منه كطالبان و«القاعدة»)، واذا كان الشكل الأبرز لهذه الحرب هو المعارك العسكرية الدائرة في العراق وسوريا وليبيا واليمن، فإن أشكالا أخرى مرتبطة بها يتم تنسيقها وتدور في الوقت نفسه، بينها المفاوضات السياسية المعقّدة في اليمن وسوريا وليبيا بين الأطراف المتصارعة، وهناك طبعاً الحروب الرقميّة التي تطارد التنظيم وأنصاره في العالم (والتي يردّ عليها التنظيم بطرق مختلفة كان آخرها هجومه الذي أعلن أمس على كومبيوترات ادارة الإحصاء الإيرانية)، ناهيك عن الهجمات الإعلامية التي كانت إحدى أدوات انتشار التنظيم وإعطائه ماركته السوقيّة Brand التي غدت، للأسف، من أكبر «الماركات» انتشارا، مثلها مثل أسماء «غوغل» و»أبّل» وأصبح زعيمها، أبو بكر البغدادي، والناطق باسمها العدناني، بشهرة شخصيّات مثل فلاديمير بوتين وباراك أوباما وبشار الأسد وبنيامين نتنياهو وعبد الله أوجلان! أهم ما يميّز إدارة الحرب هذه هو الدور الأمريكي المركزي فيها، والذي ينسّق ويضبط حركة الأدوار الأخرى، بما فيها أدوار حلفائه الكبار في أوروبا كألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، فرغم محاولات كل من هذه الدول تطوير أجنداتها الخاصة التي تدافع فيها عن مصالحها وعلاقاتها وتموضعاتها التاريخية مع البلدان التي ارتفعت فيها أسهم التنظيم المتطرّف (كما هو شأن إيطاليا مع ليبيا وفرنسا مع سوريا ولبنان وأمريكا نفسها مع العراق وأفغانستان)، فإن واشنطن استطاعت كبح هذه الأجندات لصالح أجندة البيت الأبيض ولتتواءم مع السياسة الخارجية لفريق أوباما ـ كيري، التي تحاول أن تحقّق «انتصارات» ونتائج مهمّة قبل أفول نجم هذا الفريق مع انتخاب رئيس جديد لأمريكا في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. مركزيّة الإدارة تعطيها قوّة وقراراً في توزيع المهمات والوظائف، بل إن روسيا نفسها، التي تتصارع مع الأمريكيين للسيطرة على مقدّرات الأوضاع في سوريا وأوكرانيا وغيرها من مواقع استراتيجية في العالم، أبدت رغبتها في الاشتراك في تقسيم العمل هذا، وهو ما أعلنته قبل أسبوع حين دعت الولايات المتحدة الأمريكية لتنسيق ضرباتهما في سوريا. الباب الأول في هذه الحرب يذكّر بالشعار سيئ الصيت «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» حيث على الجميع خفض أصواتهم ومطالبهم للانخراط في حرب، تراها واشنطن، الحرب الأكثر أهمّية حاليّاً، والأعلى قيمة من أي شيء آخر.  الحرب هذه، لو أنها كانت الوصفة الحقيقية الناجعة لإنهاء تنظيم «الدولة»، لا تجيب على سؤال: لماذا لم تستطع الحربان السابقتان في العراق وأفغانستان على إنهاء التطرّف، وبالأحرى، لماذا ساهمتا في خلق تطرّف أكبر وأكثر انتشاراً؟ الضحيّة الأولى لهذا الانخراط الجماعيّ في أجندة واشنطن هي الشعوب التي تمرّ هذه الخطّة فوق بلدانها وبشرها، والتي عليها هي أيضاً خفض أصواتها لتعلو أصوات الطائرات القاصفة وتحرّكات قوات التدخّل الخاصة ورجال الاستخبارات، المتحالفين، في العراق مع قوّات «الحشد الشعبي»، التي لا تختلف في جوهرها عن تنظيم «الدولة»، وفي سوريا مع قوات «سوريا الديمقراطية»، التي تربطها علاقة تبعيّة بحزب العمال الكردستاني في تركيّا، الذي ينفّذ في تركيّا عمليّات انتحاريّة لا تختلف في شدة ضررها وانتظامها في تعريف الإرهاب عن عمليات تنظيم «الدولة». إضافة الى عدد الضحايا المدنيين الكبير المتوقع من اقتحام الفلوجة والرقة والموصل وغيرها، فإن هذه الحرب ستعني، التحالف الموضوعي مع بشار الأسد في سوريا، وهو المسؤول عن الكارثة الكبرى التي جاءت بالتنظيم، ومع الحكومة الطائفية في العراق، كما سيعطي رخصة مطوّلة لأجهزة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأمنية في الاستمرار بحملات القمع ضد معارضيه، وهو أمر سمّته منظمة «العفو الدولية» في بيان لها أمس، بـ«التواطؤ مع القمع»، واتهمت أغلب الدول الغربية بالمشاركة فيه. إضافة إلى كلّ ذلك فإن مزاج الإدارة الأمريكية الحاليّ في تحقيق إنجازات كبرى والتسرّع في محاولة إغلاق ملفّات لا يمكن إغلاقها سيؤدي إلى نتائج قد لا تتوقعها، وهي على ضوء الحسابات السياسية الخاطئة، ستزيد الأخطار الكبيرة التي تحيق بالمنطقة من حيث حسبانها أنّها في صدد حلّها. النهاية الحربيّة لإدارة نال رئيسها جائزة نوبل للسلام ستكشف أخطاءها الاستراتيجية، وعلى عكس ما تتمنى، قد تكون سبب خسارة الديمقراطيين انتخابات الرئاسة المقبلة وستتحف العالم، مع دونالد ترامب، بإدارة أكثر دراميّة… وجنوناً.