الحل الشامي بين آية الله اللبواني وآية الله البغداني
الحل الشامي
بين آية الله اللبواني وآية الله البغداني
عبد الله المنصور الشافعي
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (إلا ما آتاها) وقال عز اسمه (ما جعل عليكم في الدين من حرج) (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (فاتقوا الله ما استطعتم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم"إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" "بعثت بالحنيفية السمحة ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه"
ومن بدائع قول إمامنا الشافعي رضي الله عنه "إذا ضاق الأمر اتسع" فقعّد على قوله الأصوليون قاعدة "المشقة تجلب التيسير" مع قاعدة "الضرر يزال"
بعد أن بلغ الخور -أو سواه- من اللبواني مداه فتوجه باستغاثته إلى بيت الداء اسرائيل وتنازل لها عن الجولان ببيع (موقع "والا" الصهيوني) ثم عاد فصحح أنه ليس ببيع بل هبة معطاه, وكأنه لم يكفه القبول بالشرعية الدولية وتعليق المناط بأهل فلسطين, خرج علينا الفقيه النحرير والعالم الكبير كمال اللبواني ليقول وبعد طول هذيان نسب فيه داعش إلى الإخوان ووصل بزعمه الإخوان بالأمريكان حيث يتلقون الدعم المالي والسلاح والإعلامي من أمريكا ثم يقدمون السلاح هذا إلى المتطرفين من النصرة والجبهة وداعش !! (رغم أن الغرب ولا ريب يشترط على أمثال ادريس ورقيبه المقداد أن لا يصل السلاح إلى يد حلفاء الإخوان قبل السلفية), كما زعم أن الغرب داعم الثورات ثم ما لبث أن نسي مقدمته فقال منذ البداية كان التخوف من الربيع العربي والديموقراطية التي ستأتي يالإسلاميين التكفيريين بصيغتهم الإخونجية -كما حصل في مصر والجزائر- وليس الإسلاميين التنويرين الممثلين للإسلام وتعاليمه التي تربينا عليها ونحترمها كمبادئ عامة للحكم الرشيد !! ولا أدري من هم أساتذه هذا الذين تعلم منهم دينه الذي لا يمت للدين بصلة كيف وهو يتجرأ على وصف رب العزة سبحانه وتعالى بأوصاف لا يتقولها مسلم يفتريها ثم ينحلها أعدائه وهم كافة المسلمين الذين حمله دينه على أن لا يحمل لهم في سوداء قلبه إلا الحقد والبغضاء, عجيب والله أن يطلع علينا أناس لا يجيدون قراءة الفاتحة ولا يعرفون عدد شداتها فيعطوننا الدروس في ديننا وهم لا يدرون ما يقولون ليس في الدين فحسب بل حتى في ما يدعون أنه من اختصاصهم وصلب عملهم !!؟ إن هذا المرء لا يخجل أن يؤيد بلازم مقالته انقلاب السيسي ولا انقلاب العسكر الجزائري بل لا يستحي أن يسخر -أو يمهد- لتبرير استبداد الطغاة والحكام -العلماني على حد تعبيره- بذريعة أن المسلمين كافة -ليس هو وأشكاله- يعتقدون أن الله تعالى فوضهم خلافته في الأرض !!؟ أي المسلمون أشد طغيانا واستبدادا من الحكام رغم أنهم لم يتقلدوا الحكم قط ولما تقلدوه طوّقوه ومورس عليهم شتى أنواع المضايقات حتى إذا رأى -قدوة اللبواني- أنهم رغم كيدهم ينجحون انقلبوا عليهم ... كل مقالة اللبواني ليس فيها غير الفرية والباطل إلا قوله :
"لا يعقل لأي راشد أن يطلب من الغرب اسقاط الأسد الفاسد (الذي احترم مصالح جميع الدول ما عدا شعبه ، بل على حساب شعبه.. ) اسقاطه لصالح من يعادي كل العالم وشعبه أيضا بما فيهم رفاق جهاده ويقتلهم ويعذبهم . ولا يعقل أن يقدم الغرب السلاح النوعي لمن يخطط لمقاتلته وترهيبه فيما بعد ، ولا يعقل أن تقدم الدول الشقيقة الدعم لمن يهدد امنها واستقرارها ويتوعدها بالشر المستطير" وهذا قول منطقي مستقيم ولكن ألا يتساءل اللبواني عن مكمن الحقيقة التي طمسها بتزويره ولبسه فكان حاله بحق كالتي "رمتني بدائها وانسلت", كنت قد كتبت في آب/2011 مقالة كررتها مرارا أكشف سر رفض المجلس الوطني لضربات جوية كتلك التي قام بها الناتو في ليبيا وأبنت بما لا يدع مجالا للريبة أن سبب ذلك هو تخوف العلمانيين من فوز الاسلاميين عقب سقوط النظام تماما كما اعترف بذلك اللبواني ولحن به فأبان ضغينته مما نقلته من قوله أنفا, إذاً ليس سبب كل ما بلغناه من تطرف وسوء حال إلا هو وأشكاله ممن رفض فكرة الحل السريع والحسم المريع وإن كان بعض أفراد جماعة الإخوان تابعوا العلمانيين رأيهم وسايروهم عليه فلأنهم تمادوا في اللين والطواعية وإظهار الموافقة لهؤلاء فكان نصيبهم تصنيفهم في زمرة داعش وعتاة الديكتاتوريين !!! فلم تشفع لهم مطاوعتهم ولا تقديمهم غليون ولا بسمة إذ لم يقدموا اللبواني وعندئذ لن يسلموا من غليون . وبرأي لم يبق للإخوان دور سياسي يلعبوه في ثورة الشام اليوم أجدر ولا أعظم نفعا من انسحابهم من المسرح السياسي فقد كشح لهم اللبواني بفريته عن حقيقة موقف الغرب والعرب منهم عموما -مما سأعرج على شرحه لاحقا- ولو أن الإخوان آثروا حقا الخيرة لأمتهم لانزاحوا كما شرحت لهم في رسالة خاصة عما يفسر والله أعلم تلكؤ بعض الداعمين العرب والعجم للثورة, وقد أجابني بعض الأخوة الأفاضل منهم عن قولي هذا بأنني إن كنت أعتقد أن هذا مجرد ذريعة فكيف أريد من الجماعة وقف عملها السياسي لظن وأمر يتعلل به ؟ فأجبته بضمون معنى حديث النبي (ص) "كيف وقد قيل" ولأن الجماعة لم يبق لها أي عمل سياسي ايجابي أصلا كما لم يكن لها من قبل بل إني أجزم بأن عدم وجودها بمرة في المعارضة كان خيرا لها كما أن عدم وجود المعارضة برمتها كان خيرا للثورة كلها .
نحى آية الله اللبواني بالآئمة على آية الله البغداني -وهو لا يقل عنه فسادا في الشام. وجعل كافة فرق الثوار والمجاهدين بل والإخوان المسلمين من معين واحد هو نفسه مستنقع داعش والمفسدين ! وقد علم العالمون أن الثوار في الشام لم يحملوا السلاح إلا بعد مجازر كمجزرة جمعة الحرية في حماه والساعة في حمص والعمري في درعا وبعد أن تخلى عنهم العالم الغربي مستترا بميثاق المعارضة الرافض لكافة أشكال التدخل, وهكذا بدأ من جديد إعادة بث روح الكراهية بالغرب في الشعب السوري خاصة والشعب العربي والإسلامي عامة مما يخدم مصالح اسرائيل ببقاء الشقة بين العرب والغرب ومن غير تمييز بين الساسة والشعوب الغربية, وفي هذا الواقع كان لزاما على الثوار إن شاؤوا الاستمرار في الثورة حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم في مظاهراتهم والنظام يستهدف جموعهم العزّل بالهاون بينا رئيس اللبواني الفاجع -غليون- يصيح في المجامع وإثر المصارع: نرفض التدخل, التدخل خط أحمر, السيادة الوطنية, حتى زعم آخرهم ورئيسه الثاني الخطيب أنهم جميعا وهو منهم رفضوا صفقة الكيماوي لقاء ضربات جوية !! فيا لله ما أعظمهم من حماة للتراب وللسيادة -الأسدية الايرانية- وما أضيعهم للدماء والأعراض السورية, فإثر هذا الوضع الشاذ كان من الطبيعي جدا أن تقاطر الشباب الغيور المخلص نجدة لإخوانهم في الشام (وبعضهم يُزَنّ بدخن), وخاصة مع توالي قدوم الشيعة من لبنان والعراق وايران نصرة لجبابرة الشام, وكنت قد دعوت جهارا ومرارا الشباب المسلم في كافة أنحاء المعمورة وما زلت أدعوهم لنصرة أهل الشام استجابة لأمر الله تعالى (وإن استنصروكم, في الدين, فعليكم النصر) ومما عللت في جوابي على الدكتور سلمان العودة إذ عارض نفرة المناصرين خلافا لموعظة رب العالمين أن هذا ينبغي أن يحمل الغرب والعقلاء على تعجيل حسم المعركة حتى لا يتسع الخرق على الراقع ولكن أبى اللوبي الصهيوني وعملاؤه وأذياله ذلك وأرادوها حرب استزاف طويلة واستئصال (والله غالب على أمره) (ولينصرن الله من ينصره) والمعارضة السورية ترتع في الأحلام وتسعى خلف سراب الحل السلمي بينا يطلب البعض النصرة من الضباع وأصل الأوجاع !! إنه مامن بد عن معالجة الفكر المتطرف ولكن التطرف لا يعالج بمثله وإلا فإن الورم يزداد كماء حار مضغوط في إناء إن رُمْت تجميده أعدت تسمينه, نعم إنه يتحتم على علماء المسلمين أن يوضحوا الأحكام الضرورية والحاجية والتي للأمة فيها متسعا مما أبانه بما لا مزيد عليه علماؤنا وسلفنا قال الشافعي : "كفّ رسول الله عن قتال كثير من أهل الأوثان حتى كانوا هم الذين أسلموا وهادن رسول الله ناسا ووادع حين قدم المدينة يهودا, وقتال المشركين فرض إذا قوي عليهم وتركه واسع إذا كان بالمسلمين عنهم أو عن بعضهم ضعف أو في تركهم نظر للمهادنة وغير المهادنة", والشافعي القرشي إمام أئمة الأصول في الإسلام ومجدد القرن الثاني وهو أعلم أهل زمانه بالقرآن وهو الذي قرر أن الفتوى تقدر زمانا ومكانا وهاهو يقول في الأم وفي عصره الذي بلغت فيه حدود الدولة المسلمة من الصين إلى فرنسا إن كان النظر في ترك القتال أي لمصلحة الإسلام والمسلمين تُرك, والقتال شرع أصلا عند تحقيق مذهب الشافعية للدعوة للإسلام وعند الجمهور كونهم حرب علينا وقد نص ابن تيمية في مؤلفه"قاعدة مختصرة في قتال الكفار ومهادنتهم" على عدم جواز قتل الكافر ابتداء من غير علة المحاربة, فأحكام السلم والحرب والمعاملات بين الدول والدعوة ورفع القتال مادامت أبواب الدعاة مفتوحة متاحة فضلا عن تقدم البشرية وانفتاحها ووهن قوة المسلمين وتقدم غيرهم وامتلاك الأسلحة المدمرة العامة (القنابل الذرية والصواريخ العابرة للقارات) بعض من العوامل التي تؤثر فعليا في أحكام الجهاد بالنظر الأول ومن الأمور التي تتطلب تجديد الفتوى وتقليب النظر ولا ريب,(والكلام ليس في جهاد الدفع والصول بل في جهاد الطلب والجول). فهل كانت عامة أقوال أصحاب المذاهب في هذا الباب -بل وفي المعاملات عموما- إلا نتاج عقولهم في مضمار نظمها وحددها فهم واسع وشامل لمقاصد وكليات الشريعة وقد أبان جلها أئمتنا رحمهم الله تعالى من حيث عموم القول لا خصوصه ؟ كل هذا يقع تعليمه وبثه على عاتق العلماء, ولكن ينبغي أن لا ننسى أن أئمة الغرب ومن ورائهم اللوبي الصهيوني يحولون دون هذا القصد والحكم المعتدل بترسيخ العداء للغرب النابع من تقرير الظلم ودعمه والتوطيد لأنظمة السوء والجبر في حلقة معيبة تولد باستمرار صراعا متجددا بين من يفرزه الظلم وبين الغرب وأعوانه وفي محاولة للخروج من هذه الحلقة اعتبرت القاعدة مثلا أمريكا العدو الأول ولم تشعر أنها في الحقيقة لم تزدد بذلك إلا توطيدا لدورة العداء والحرب هذه والتي لا تخدم سوى اللوبي الصهيوصليبي, وأما جماعة الإخوان مثلا فتوهمت أيضا أن الخروج من هذا النير هو في مهادنة الغرب متمثلا في تماسيح ساسته وهم الذين يفضلون عليهم حتى القاعدة وماذاك إلا لأن القاعدة لا تشكل خطرا حضاريا ولا تهديدا علميا قد تأتي به جماعة معتدلة مثل الإخوان أو قل رجالها, وأما سائر الشعوب فقد رفعت راية الحرب على الغرب والكراهية لديموقراطيتة إسوة بالقاعدة وحق لها أن تفعل وهي التي تستشعر تأييد النظم الغربية المستتر لأنظمة الجبر والفساد وترى بعينها إفساد ولا مبالاة أمريكا بدماء آلاف المدنيين في الشام, ولكنهم بذلك يقدمون لساسة الغرب مادة غالية وفرصة ذهبية للترويج لسياستهم في الإبقاء على تلك الحلقة المعيبة التي ترسخ العداوات بين الأمم الغربية والإسلامية ليتحقق لهم ويتجسد ما حلموا به من نظرية "صراع الحضارات" لمتخيلها اليهودي "ص.هنجنتون" وحكماء وعلماء المسلمين في غفلة عن هذا وعن أن ساسة الغرب يمثلون 1% من سكانه فقط و3% هم من يحكمون الغرب والباب مفتوح على مصراعيه في الغرب للتواصل مع الشعوب الغربية والتي يعرف كل من ظعن بها أن هذه الشعوب ليس الشر بأعظم استحكالما فيها من شعوبنا إن لم تكن تتقدم عليه في كثير من الأخلاق الإنسية والمعاملات الإنسانية, وهذا صلب ما أقصده من وراء البعثات الإعلامية للغرب ولتعريف الشعوب بحقيقة ما يجري للثورة السورية.