العرب وتعويضات "يهودهم" الإسرائيليين
وصف المؤرخ البريطاني رونسمان اليهود بأنهم أبرع خلق الله في تعقب أهدافهم حتى نيلها ، ولا فرق _ مثلما نرى _ بين هدف مشروع أو غير مشروع . وقدر للعرب أن يبتلوا بشرور هذه البراعة منذ أن تطلع اليهود ، في سياق المشاريع الاستعمارية الأوروبية في المنطقة ، إلى اغتصاب فلسطين تحقيقا لحلم بعضهم بوطن قومي خاص بهم ، وأوجز ونستون تشرتشل ببلاغته المعهودة بلية العرب بهذه البراعة حين قال تعليقا على وعد بلفور : " ألقينا السرطان اليهودي في حلق العرب " . ومنذ أن بدأت طلائع المهاجرين اليهود في الربع الأخير من القرن التاسع عشر تقدم إلى فلسطين وقضمهم لحقوق أهلها يتواصل ، وبعد إقامة دولتهم في 1948 وقع الالتهام الأكبر لتلك الحقوق ، وتبعهم تاليا قضم والتهام حقوق الدول العربية المجاورة في فرصة وأخرى ، وقلما نَبَتْ لهم ضربة سيف أو أخطأت رمية سهم في قضم أو التهام تلك الحقوق . ومع أن إسرائيل كانت وراء هجرة حوالي مليون يهودي من الدول العربية إليها ترغيبا وترهيبا ودفع رشاوى لبعض القادة العرب ؛ فإنها سنت في الكنيست في 2010 قانونا يستهدف السعي للمطالبة بتعويض أولئك المهاجرين عن ممتلكاتهم في الدول العربية التي هاجروا منها . ونقل موقع " المصدر" الإسرائيلي الأسبوع الماضي عن آفي كوهين المدير العام لوزارة "المساواة الاجتماعية" خلال نقاش في " وزارة الهجرة والاستيعاب " قوله : " تجري في هذه الأيام أنشطة متنوعة بالتعاون مع وزارة الخارجية لإعادة ممتلكات يهود الدول العربية وإيران ، وستؤتي ثمارها بعد شهر أو شهر ونصف " . النقطة الموجبة للنظر فيها أن الكنيست حين سنت قانون التعويض لأولئك اليهود ربطت إمكانيته ب " المفاوضات المستقبلية للسلام في الشرق الأوسط " ، والآن يقول آفي كوهين إن هذه التعويضات أو ما يسميه إعادة الممتلكات قد تبدأ بعد شهر أو شهر ونصف بعد مساعٍ وصفها بالسرية ، فما واقعية ما قاله ؟ وكيف سيبدأ قطف ثمار تلك المساعي بهذه السرعة ؟ ما قاله كوهين يشير إلى إنجاز معين في المسألة ، وربما يقتصر في هذه المرحلة على ترتيبات قانونية تبدي فيها بعض الدول العربية موافقتها على التباحث في التعويضات ، وإسرائيل ما كانت لتبدأ خطواتها " التشريعية " والعملية في مسألة ذات تعقيدات قانونية وسياسية واقتصادية ومالية كبيرة إلا بعد التيقن من قوة أدواتها للنجاح فيها . هي لا تكشف عن خطوة في اتجاه ما إلا بعد التأكد من أنها ستوصلها إلى مبتغاها . وتظل سرعة الوصول إلى الثمار التي بشر بها كوهين يهود الدول العربية مفاجئة ؛ فهل هي نتيجة للهفة وتحرق بعض الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل ؟ وكيف شملت هذه السرعة إيران التي صار العداء لها جامعا بين إسرائيل وبين الدول العربية التي تستعجل التطبيع معها ؟ إجابة السؤال الأول : ربما ! وإجابة السؤال الثاني ، وهي افتراضية أكثر من الأولى ، أن إيران ترغب في العودة إلى النظام المالي العالمي بعد سنوات عزلها ومقاطعتها ، ولديها آلاف اليهود الإيرانيين ، وقد تجنح في حال كهذه إلى الاستجابة للتعويضات المطلوبة منها ، ويهودها على كل حال لم يغادروها للأسباب التي غادر يهود الدول العربية بتأثيرها ؛ لأن نظام الشاه اعترف بإسرائيل وصادقها بعد عامين من قيامها . وتبقى دائما الحقائق المخيفة للهوان العربي أمام إسرائيل ذاتية عربية ، ولا تنسب لقوتها وبراعتها فقط مهما تفوقتا . العرب أمام إسرائيل وفق التصنيف الآتي : صنف متآمر معها على شعبه وأمته ، وصنف قليل الاكتراث بالمشكلة معها ، وصنف محدود القدرات يقاومها ويواجه عداءها وعداء العرب المتآمرين معها . لولا هذه الحال العربية المفجعة لرفضت كل الدول العربية في حزم موحد أي مفاتحة في مسألة تعويض اليهود الذين ينسبون لها اسما وينسبون للمشروع الصهيوني قلبا وعملا ، وأسباب الرفض :
أولا : هم هاجروا بإغراء وضغط من الحركة الصهيونية ومن إسرائيل ، ووجدوا فيها حياة جديدة على حساب أملاك الفلسطينيين ومأساوية مصيرهم .
ثانيا : هجرتهم إلى إسرائيل جعلتهم أعداء للبلاد التي هاجروا منها ، وحاربوها بالسلاح والتجسس وكل وسائل الحرب الأخرى .
ثالثا : استولوا على أراضي الفلسطينيين وبيوتهم وقتلوهم واضطهدوهم ، ومازالوا يفعلون هذا بهم .
رابعا : للفلسطينيين وفق أحكام القانون الدولي أن يطالبوا إسرائيل بالتعويض عن كل أملاكهم التي سطت عليها دون أن يسقط أي تعويض حقهم القانوني والسياسي في العودة إلى وطنهم .
خامسا : من حق دول عربية مثل مصر وسوريا ولبنان والأردن أن تطالب إسرائيل بتعويضات مباشرة عن الدمار الذي ألحقته بمدنها ، وعن المعادن والمياه التي سرقتها من أراضيها ، وعن استغلال هذه الأراضي زراعيا مثلما تفعل الآن في الجولان ، وكل ما فعلته يحظره القانون الدولي . سرقت إسرائيل بترول ومعادن ومياه سيناء 15 عاما ، وما زالت تواصل هذه السرقة بأساليب التفافية ؛ تحفر الآبار في النقب رأسيا ، ثم يتجه الحفر أفقيا إلى سيناء . المشكلة في العرب لا في قوة إسرائيل وبراعتها في نيل مطامعها في أرضهم ومالهم ، ولم يستسلم العرب في تاريخهم لغزوة مثلما استسلموا للغزوة الصهيونية ، والاستسلام الكبير المهين الذي بات مضرب المثل على لسان كل رافض لمثله ؛ ليس لعيب أخلاقي في العنصر العربي ، وإنما لما ابتلي به هذا العنصر من ولاة أمر هم جزء من المشروع الصهيوني محققين ما أراده هرتزل حين قال : " سنولي على العرب سفلة قومهم حتى يأتي اليوم الذي تستقبل فيه الشعوب العربية جيش الدفاع الإسرائيلي بالورود والرياحين " . وهذه مفارقة تغاير الثقافة العربية أعنف مغايرة في كل مكوناتها الدينية والاجتماعية والفردية التي اهتمت أوسع اهتمام بضرورة ، بل بحتمية أن يكون الحاكم أو "سيد القوم " حسب بعض مصطلحات تلك الثقافة من ذوي الإيثار على النفس لا الأثرة لها ، ومن ذوي الحكمة وبعد النظر وسداد الرأي لا الحماقة وخطل الرأي ، ومن ذوي المشورة لا الاستبداد . كل تلك المؤهلات الشخصية للحاكم أو ولي الأمر أقصيت وقتلت عربيا في زمننا هذا، وزيد عليها التبعية ، بل العمالة للعدو . أقصي وقتل نهج عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه _ في الصرامة في اختيار الولاة ومتابعتهم ومحاسبتهم على أدائهم ، فيعزل المقصر المسيء ، ويثبت المنجز المحسن . ومن أعظم آيات حذقه في اختيار الولاة والقادة أنه كان في حالة قلة عدد الجيش في موقف ما يشتد تركيزه في الاهتمام باختيار قائد تجتمع في شخصه مزايا عسكرية قيادية تعوض نقص العدد ، وهذا ما فعله حين اختار القائد الفذ عتبة بن غزوان لفتح الأبلة ، ففتحها . طامة كبرى وعار تاريخي أن تغتصب إسرائيل الأرض العربية ويكافئها العرب بتعويضات فوق اغتصابها بدل أن يتصدوا لها لانتزاع ما اغتصبته وتتطلع لاغتصاب سواه .
وسوم: العدد 677