قمة نواكشوط العربية

د. إسماعيل خلف الله

لا شك أن قمة الدول العربية السابعة والعشرين العادية قد جاءت في وقت حرج وفي أسوء فترة تعيشها المنطقة العربية  و هي تمر بالكثير من الأزمات الأمنية والاقتصادية.

فالأزمات الأمنية وما أكثرها وقد يكون الأهم تشهده منها هي ما تعيشه اليوم كل من سورية والعراق واليمن وليبيا من قتل ودمار وخراب، طال الأخضر و اليابس فيها.

وكذلك الحالة الاقتصادية ومن  أهمها انخفاض أسعار النفط في السوق البترولية الدولية وما له من انعكاسات سلبية على اقتصاديات معظم الدول العربية.

كما أن الحالة الأمنية الصعبة التي تمر بها المنطقة العربية وحالة عدم الاستقرار السياسي والأمني كان لهما الأثر البارز في تدني المستوى الاقتصادي، إن لم نقل الانهيار الكلي لاقتصاد بعض الدول العربية التي تعيش الحرب منذ أكثر من خمس سنوات كما هو حاصل في سورية اليوم.

و تأتي هذه القمة والوطن العربي يعيش هذا الواقع المؤلم، وقد أطلق عليها المنظمون اسم "قمة الأمل"، علّها تعيد بعض الأمل الذي يكاد يكون مفقودا عند العرب جمعيا.

لقد انطلقت القمة العربية اليوم الاثنين الموافق 25 جويلية/يوليو 2016م في العاصمة الموريتانية نواكشوط بحضور بعض رؤساء وقادة العرب و  من بينهم أمير قطر وأمير الكويت والرئيس السوداني و الرئيس اليمني ورئيس جمهورية جزر القمر فضلا عن  الرئيس التشادي كضيف شرف بحكم رئاسته الدورية للإتحاد الإفريقي، بينما باقي المشاركين فهم  من رؤساء الحكومات العربية وممثلين لباقي رؤساء القادة العرب.

و تأتي هذه القمة وهي تحمل جدول أعمال مكثف يبدأ بالبحث في النزاعات والحروب القائمة في سورية واليمن والعراق وليبيا، وآخر التطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية التي تُعد قضية العرب المركزية، وبلورة تصور مشترك بشأنها.

كما ستناقش هذه القمة ملفات اقتصادية تهدف إلى تشجيع التكامل الاقتصادي العربي، فضلا عن  تشكيل قوة عربية مشتركة، وإلى إيجاد خطة لتطوير الجامعة العربية، والبحث في دفع آليات عملها.

و لعل هذه أبرز النقاط التي سيتم طرحها داخل هذه القمة، واللافت للنظر أن وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم التحضيري أكدوا دعمهم للمبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي للسلام قبل نهاية 2016، و ذلك المؤتمر لإعادة إطلاق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بمتابعة دولية.

كما أن اللّجنة العربية التي تضم كل من السعودية ومصر والإمارات العربية والبحرين فضلا عن  الأمين العام لجامعة الدول العربية، كانت قد أصدرت بيانا صحفيا تضمن تصعيد نظام طهران الخطير  ضد العرب و قضاياهم المصيريةوتدخلاته السافرة في الشؤون الداخلية للكثير من الدول العربية، والتصريحات العدائية والتحريضية للمسئولين الإيرانيين تجاه هذه الدول.

كما أنّ هذه اللجنة رصدت التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية وهذا لرفعها أمام قمة نواكشوط العربية.

ما ننتظره من هذه القمة العربية أن تكون هناك مواقف واضحة من كل الدول العربية المشاركة من قضية التدخل الإيراني السافر في المنطقة العربية وتشجيعه وتدعيمه للميليشيات والمنظمات الإرهابية المنتشرة داخل الجسم العربي وعلى رأسها التنظيم المسمى (بحزب الله) و(ميليشيات الحوثي) و الميليشيات الطائفية في سوريا و العراق وكيفية إيجاد السبل العملية لمواجهة هذا الإرهاب الإيراني داخل المنطقة العربية وخاصة ما يتعلق يالجرائم التي ترتكب في كل لحظة وحين في كل من سورية والعراق.

كما ننتظر من هذه القمة أن تجد الحلول العملية والعاجلة لإعادة ترتيب البيت العربي وإعادة تأسيس جسم الجامعة العربية الذي هرم وتوقف عن الحركة منذ أمد.

ذلك لأن الجامعة العربية اليوم عاجزة عن توحيد الصف والموقف العربي، كما ليس لها القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة في ظل هذا الانقسام العربي خاصة فيما يتعلق بقضايا سورية والعراق واليمن ولبنان وليبيا.

فلو نأخذ عينة بسيطة على هذا الانقسام، وهو ما حصل قبيل انعقاد هذه القمة عندما دعت أطراف الى جعل مقعد سورية الشاغر داخل الجامعة العربية ومنحه لممثل عن ائتلاف المعارضة السورية، هذه الأطراف تمثّلت في المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر واليمن والسودان، غير أن أطراف أخرى عارضت بشدة هذا الاقتراح، وهي دول مصر والجزائر وعُمان ولبنان وفلسطين وليبيا وتونس وجيبوتي، بينما امتنع باقي الأطراف وهي دول الإمارات العربية وموريتانيا والأردن وجزر القمر والمغرب وأريتيريا والصومال.

والاختلاف هذا ناتج عن المواقف المختلفة تجاة نظام بشار الأسد رغم أنه لا يزال يمارس مختلف جرائمه في حق شعبه من قتل وحرق وتجويع وتدمير.  

وبالنظر إلى كل هذه المعطيات فإن هذه القمة العربية  ما جاءت إلا لحفظ ماء وجه الجامعة العربية التي غابت كليا عن المشهد العربي وظلت في سبات عميق منذ أمد بعيد.

كما أن الجامعة العربية خذلت المجتمع العربي وكل الشعوب العربية في الكثير من المحطات الحاسمة، وعدم اتخاذها مواقف شجاعة وإيجاد حلول سريعة وناجحة للأزمات المختلفة والتي تعاني منها الشعوب العربية وعلى رأسها الشعب السوري الذي تم قتله وتدمير ممتلكاته وطمس معالم تاريخه وحضارته وتهجيره خارج دياره وبلده، ونفس الصورة يعيشها الشعب العراقي بكل مكوناته وطوائفه.

كما أنّ هناك قرارات سياسية وعسكرية مهمة تمّ اتخاذها خارج هذه المؤسسة الميتة،

كقرار عاصفة الحزم ثم بعدها قرار إنشاء التحالف الاسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية، وقد كان لهذين القرارين الأثر البالغ في اعادة المعادلة الأمنية داخل المنطقة العربية.

والمغرب لماّ رفض احتضان هذه القمة، كان قرار الرفض هذا مبني على عدم تحمل فشل قمة لا تتمتع بأدنى شروط نجاحها نظرا لحالة الانقسام الملحوظ على المشهد العربي.

وبالتالي فإننا نرى بأن القرار الموحد الذي يمكن أن تخرج به هذه القمة هو دعم المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي للسلام قبل نهاية 2016، وهذا لإعادة إطلاق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بمتابعة دولية.

المحامي الدكتور اسماعيل خلف الله                     

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 678