أحمد منصور والبطيخة
قرأت مقالين لأحمد منصور يتهم فيهما الرئيس مرسي بالتقصير والسذاجة
وقد جاء المقالان بعد أن هاجمه الجميع وبعد أن انتبه الكثيرون إلى التوقيت المريب الذي نشر فيه مقاله الأول متهما الرئيس مرسي بالتقصير, والذي جاء (وياللعجب) في وقت كتب فيه آخرون ما قالوا أنها شهادتهم على تحذيرات جاءت للرئيس مرسي من انقلاب وشيك !
والمقالان شديدا الغثاثة, فأحمد منصور تحول فجأة إلى هيكل الذي تأتيه الأحاديث الجانبية في الغرف المغلقة حتى لو كانت بين الرئيس مرسي ومدير المخابرات التركية كما زعم مؤخراً أو بين الرئيس مرسي وسياسي عربي لم يذكر اسمه, ارسله زعيم عربي لم يذكر اسمه !
يبدو أن طول حوارات احمد منصور مع المقبور هيكل قد دفعه إلى تجربة حظه هو الآخر, ولكن لأن الزمن يتطور ولأن التلميذ دائماً ما يسعى للتجويد
كان يحلو دائماً لهيكل أن يطعم ما يكتبه بتفاصيل صغيرة تغذي شعور القاريء بالانبهار بما يكتب, ففي كتابه الطريق إلى رمضان زعم هيكل في محاولة لخلع صفات الزهد على المقبور عبد الناصر, أنه طلب ساندويتشات جبن في الشيراتون.
ولأن التلميذ المقلد عادة ما يسعى للتجويد, فقد استخدم أحمد منصور البطيخة بدلاً من الجبن.
نسي أحمد منصور أن هيكل ظهر في عصر الصوت الواحد, عصر لم تكن مواقع التواصل الاجتماعي قد وُلدت فيه بعد, عصر كانت تحكمه جريدة الأهرام وإذاعة صوت العرب.
كان هيكل أستاذاً في الكذب والتحريف, فكان يثبت جملة من مزاعمه بوثيقة رقم كذا ثم يترك القاريء منبهراً بعد أن احدث الأثر المطلوب ليصدق باقي الأكاذيب في كتابه.
وهو أسلوب نجح نجاحاً كبيراً مع البسطاء الذين لا يفطنون إلى تلك الالاعيب البسيطة.
كما كانت عمالته للمخابرات الأمريكية توفر له بئراً لا يجف من الوثائق (احصى خروشيف لهيكل بحضور المقبور عبد الناصر أرقام الشيكات التي حصل عليها من المخابرات الأمريكية مما دفع هيكل لمغادرة موسكو في اليوم التالي كما ذكر فؤاد أبو ذكري في كتابه “كم عمر الغضب”).
يتطلب تمرير قصة البطيخة إذاً ما هو أكبر من منبر إعلامي تنشر عليه مقالاتك التي تتهم فيها الرئيس مرسي بالسذاجة يا أ. أحمد منصور !
كان بالإمكان تمرير قصة البطيخة, عبر إذاعة صوت العرب أو الأهرام سنة 1967 حين كان الشعب يرى أن انقلاب 52 ثورة وحين كان يصدق أن طائرات المقبور عبد الناصر تدك تل أبيب.
البيئة اختلفت كثيراً
سيكون هناك حتماً من يطلب منك تأكيد معلوماتك, خصوصاً وأنت تتحدث عن رئيس مصر المنتخب المختطف في أعقاب انقلاب عسكري يعلم الجميع الآن أن الموساد والبنتاجون وصبية الخليج يقفون خلفه.
ستجد من يطلب منك توثيقاً لما تزعم
ستجد من يتذكر كيف كان الشيخ حازم يحذر ليل نهار من الانقلاب الوشيك, ثم يتسائل في عدم اكتراث, وما هو الجديد فيما تقول اللهم الا قصة البطيخة التي تزعمها ؟
ستجد من يرد عليك قائلاً أن الرئيس مرسي كان يعلم بالانقلاب حتماً, عم بيومي بائع البطاطا كان يعلم ان هناك انقلاباً وشيكاً.
وهنا يحق لنا أن نتسائل, لماذا الآن ؟
لماذا احتفظت بروايتك المزعومة عن البطيخة ثلاث سنوات ثم قررت لأسباب يعلمها الله, أن تسطرها في مقالة بعد فشل انقلاب تركيا وتمسك الأخوة الأتراك بشرعية رئيسهم المنتخب دون نقاش ؟
لماذا اضاءت عدة نقاط على الخريطة فجأة, ونشط البعض فجأة ليكشفوا عما اسموه شهادتهم للتاريخ عن التحذيرات التي جاءت الرئيس مرسي بقرب حدوث الانقلاب ؟
ستجد من ينتبه للقواسم المشتركة بين كل من تطوعوا فجأة بما اسموه شهاداتهم, ولتوقيت تلك الشهادات المزعومة وسيربطون وقتها بين تلك الشهادات وبين تمسك الأخوة الأتراك بشرعية اردوغان وموقف الأحزاب العلمانية الداعم لشرعيته.
ستجد بعض الأذكياء, يربطون بين تلك شهادات البطيخ المزعومة تلك, وبين ما سبق, وبين ما يسمى بالجمعية العمومية للشعب المصري ورفض الإخوان المسلمين لها
صدقني ليس هناك سذج الآن
وبما انك ادعيت الحكمة بعد سكب اللبن, وطالبت الرئيس بأثر رجعي أن يخرج للشعب ويصارحه بوجود أجهزة تصنت, كشفها هو في قصره,
فدعنا نتسائل, أيها المذيع الجهبذ, كيف كان سيكون رد فعل بسطاء الشعب إن صارحهم الرئيس بخيانة الحرس الجمهوري ؟
كيف تتخيل رد فعل شعب تربى على أساطير تقديس الجيش المصرائيلي ؟
كيف تتصور رد فعل من يرفضون بهيستريا أرقاماً رسمية تكشف حجم وكسة أكتوبر والهزيمة الفاضحة التي لحقت بذلك الجيش, على رئيس مدني يتعرض يومياً لفقرات تخوين لا استراحات بينها, إن اعلن خيانة قادة الجيش ؟
دعني اذكرك يا صاحب البطيخة أنك وأنت مذيع تأتيك أنباء البطيخ من خلف جدران القصور الرئاسية, قد استنجدت بسذاجة بالسفاح صدقي صبحي ليقوم بانقلاب على مجرم الانقلاب !
فكيف كنت تتخيل رد فعل البسطاء على ما تطلبه من الرئيس بأثر رجعي, بينما تفكر أنت يا من تأتيك تفاصيل احاديث مدير المخابرات التركية مع الرئيس مرسي من داخل غرف الاتحادية, بتلك السذاجة ؟؟
ودعنا من أن البعض قد ذكروا وقائع مخالفة لما ادعيته في قصة البطيخة, ولتتخذ مقعد الأستاذ ولتسبغ علينا من حكمتك السياسية وعمق رؤيتك ولتثقفنا
كيف كان من المفترض أن يحفظ الرئيس هيبة الدولة التي تتآمر عليه ؟
هل هذه جملة في مقال ام فزورة ؟
لا أدري, على حد علمي لم تجر أنت أي أحاديث مع القذافي !
هل تدري أنت يا روائي البطيخة, ماذا يعني وجود أجهزة تنصت في القصر الجمهوري ؟
دعني أبين لك أولاً ما الذي يعنيه هذا
يعني هذا أن أجهزة المخابرات تراقب تحركات الرئيس !!
تعلم هذا ؟
جميل خالص
حسنا, هل تعلم إذاً معنى ان تعمل أجهزة المخابرات ضد الرئيس ؟
معناه ببساطة أن الجيش المصرائيلي كان يدير دفة المؤامرة على الرئيس وأنه لم يترك شيئاً للصدف.
ربما تعلم أن وفداً من المخابرات الحربية زار الأرض المحتلة في 18 مارس للتنسيق مع الموساد لإسقاط الرئيس مرسي.
بإمكانك أن تطلع على الخبر بسهولة
أتدرك ما الذي يعنيه هذا والمخابرات الحربية جزء من الجيش المصرائيلي ؟
يعني ببساطة أن الحرس الجمهوري والمخابرات والداخلية في جيب الجيش المصرائيلي !!
أيحتاج هذا لتوضيح ؟
هل الأمر معقد إلى هذه الدرجة ؟
ثم يتمادى صاحب رواية البطيخة في رغبته المحمومة لإدانة الرئيس مرسي واتهامه بالسذاجة حتى لو جاء عليها بحكايات يعلم هو تهافتها وسخافتها, فيقارن موقف الرئيس مرسي حين اكتشف وجود أجهزة تنصت في قصره بموقف الرئيس اردوغان حين اكتشف وجود أجهزة تنصت في منزله.
وهو استشهاد مضلل يهدف منه أحمد منصور إلى محاولة اثبات رواية البطيخة بعد أن فتح عليه الجميع النار وكذبوه.
فهو يعلم يقيناً أنه لم يكن بمقدور الرئيس اردوغان أن يقوم بتلك الاجراءات الا بعد عشر سنوات من انتخابه !!
فهل يتفضل أحمد منصور ويحكي لنا متى تم زرع أجهزة التنصت في منزل اردوغان ؟
هل استيقظ المتآمرون على اردوغان من نومهم وتنبهوا إلى ضرورة زرع أجهزة تنصت في منزله في عام 2013 ؟
أم أنهم يتنصتون عليه منذ توليه رئاسة الوزراء فعلياً في 2003 ؟
ثم ماذا عن مقر رئاسة الوزراء ؟
نحن بانتظار اجابات على هذه الأسئلة من المذيع الجهبذ, وإذا كنت قد علمت تفاصيل حوار البطيخة, فلا ريب أنك تستطيع أن تتصل بمن يستطيع إجابة هذه الأسئلة.
ولا تقل أنك لا تستطيع فقد وصلت إليك قصة البطيخة من خلف جدران غرف قصر الاتحادية, فلن يصعب على جهبذ مثل أن يصل إلى ما خلف جدران غرف قصر الرئاسة في أنقرة.
الرئيس اردوغان, يا سيادة المذيع عميق الرؤية, لم يستطع اتخاذ اجراءات حيال أجهزة تنصت الا بعد 10 سنوات من حكمه.
وإن لم تكن تعلم, ففي الدول التي يحكمها العسكر, تسيطر مؤسسات الجيوش على كل شيء وتستطيع الوصول إلى قصر الرئاسة.
الفارق بين تجربة مصر وتركيا ليس التعليم فقط, بل هناك أمور أخرى كثيرة لا أظنها تخفى على رجل تصله أنباء البطيخ من خلف الجدران.
هو أن تركيا مرت بعدد من الانقلابات العسكرية, عانى فيها اخواننا الاتراك من العسكر, فقبل اردوغان كان هناك عدنان مندريس وكان هناك اربكان إن لم تكن تعلم.
بالاضافة إلى أن اردوغان جهز نفسه جيداً لمحاولة الانقلاب على ما يبدو, واستطاع أن يكون بؤراً موالية له داخل الشرطة التركية والجيش ولا أظنك تجهل أن المقاتلات التركية انطلقت لتحرق مروحيات الانقلابيين بمن فيها, كما لا أظنك تجهل أن مسلحين مدنيين شاركوا عناصر الشرطة وشرفاء الجيش التركي في إحباط محاولة الانقلاب وفتحوا نيرانهم على الضباط والجنود الانقلابيين في مطار اتاتورك وغيره من المواقع.
كيف تقنع بسطاء تربوا على أن اخناتون أول الموحدين وأن الطفل المصري اذكى طفل في العالم وباقي أساطير الإعلام العسكري بأن الجيش خائن ؟
كيف تقنع بسطاء يرددون حتى الآن أن انقلاب يوليو كان ثورة وأن عدو الاسلام عبد الناصر كان زعيماً بأن الجيش يتآمر على رئيسهم المنتخب ؟
كيف تقنع من يرفض اعتبار اكتوبر هزيمة على الرغم من الأرقام الرسمية وأسر 8 آلاف جندي وضابط بأن ذلك الجيش يتآمر عليهم ؟
أنت نفسك طالبت المجرم صدقي صبحي بالقيام بانقلاب على الانقلاب وباجراء ما اسميته انتخابات, على الرغم من اختطاف الرئيس المنتخب.
هلا تعلمت أنت أولاً احترام اختيار الشعب الذي تطنطن به قبل أن تستشهد بما فعله الرئيس اردوغان ؟
أنت نفسك قبلت ضمناً بالانقلاب على الرغم من تسميتك له بالانقلاب ثم طالبت صدقي صبحي (وأنت تعلم أنه متهم في مجازر ضد الانسانية) بالقيام بانقلاب على الانقلاب ثم اجراء انتخابات.
إن كنت انت بهذه السذاجة, وبهذه الدرجة من احتقار اختيار الشعب, فكيف تطالب الرئيس مرسي بأثر رجعي باجراءات تعلم أنت أنها كانت مستحيلة في الظروف القائمة وقتها, ثم تصفه بأنه اختيار الشعب ثم تروي عنه رواية مكذوبة لا أساس لها من الصحة عن البطيخة ؟
رواية البطيخة في الحقيقة لا تختلف كثيراً عن دعايات العسكر التي كانت تصف الملك فاروق بأنه يأكل عشرين دجاجة يومياً ولا تختلف عما حاول العسكر أن يروجوه عن الرئيس مرسي وميزانية البط المزعومة, وهي روايات دعاية تستهدف البسطاء.
إن تزامن تلك التصريحات وخروجها في نفس التوقيت المريب الذي ظهرت فيه ضرورة الاحتماء بشرعية الرئيس مرسي ومن عدة أشخاص قد يقودنا إلى استنتاج شديد التعقيد و خصوصا مع رفض جماعة الإخوان المسلمين لما يسمى بالجمعية الوطنية للشعب.
ولكني اترك هذا للقاريء وأقول لأحمد منصور, لا تنس أن تضع قليلاً من الجبن مع البطيخ في المرات القادمة.
وسوم: العدد 678