سود أمريكيون ناضلوا ضد إخوانهم السود مؤيدين العبودية والتمييز
مهداة إلى طبقة العبيد السوريين
قديما شرع القرآن الكريم للعبيد التحرر ولم يفرض التحرير (( وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا )) .
تستمع بعض النفوس بالعبودية ، وترتاح إليها ، وتتمسك بها ، وتدعو إليها، وما تزال تجمل العيش في فيئها وضوئها ومخملها ، كما تسمعونهم أو تقرؤونهم يتحدثون أو يكتبون ..
يحكون عن طيور يفتح لها باب القفص فلا تخرج منه ، وإن خرجت منه عادت مسرورة إليه لا تفرق بين الوكن والقفص ولا بين العود والغصن . هل هذا بعض ما نشاهد ونعايش ونسمع ونرى من قوم همل أو مغرورين.
ومهما أكدنا عن شعبنا السوري الحر الأبي بوضاءة إيمانه ، وسمو معدنه ، وعظمة أمسه ؛ فإنه لا يجوز أن يريبنا ما نرى في بعض ترسبات تاريخه من تقلبات من العبيد ، والعبودية ليست لونا ، ولا سوادا أو بياضا، بل هي خلق وهمة لأفراد ما زالوا يحلمون بالنير يكدن على رقابهم ، وبالسوط يلهب وجوههم وأدبارهم . ما زالوا يجدون لطقوس العبودية التي يعشقون مدخلات ومخرجات وفذلكات وفلسفات مرة تحت عناوين خوف الفتنة ، وأخرى تحت عناوين ( حب الوطن ) وثالثة تحت عناوين هجاء الخشن في ثياب التحرر والمحررين والتغزل بالمخمل في أهداب ثوب المحتلين والمستعبدين.
ما نجده في تاريخ ثورتنا وقد تطاول بها الزمان ، وما نعايشه من بعض من يحسب على شعبنا ، وهو شعب الخيار عن الخيار عن الخيار ، لا يجوز أن يحبطنا ، ولا أن يدخل الوهن والشك إلى قلوبنا ؛ بل يجب أن نواجه كل ما نعاينه ونعايشه بقول الله تعالى (( هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ )) وما يزيدنا إلا إيمانا وتثبيتا ..
ليس عجبا أن نجد مثقفين سوريين، ويزعمون أنهم متحضرون ، يدافعون عن العبودية وهم قد كانوا بعض أدوات النخاس . وحلبوا ضرع العبودية فدر عليهم الكثير. ولا عجب أن نجد من يزعم أنه ينتمي إلى القرن الحادي والعشرين ، يمجد جلاديه ويتهم محرريه ، ويلعن من يحاول أن يرفع النير عن كاهله ، وهو قد أدمن الكدنة ، وتعود الخافضتين على عينيه فلا يرى إلا طريق المستعبد والمعلف والعليق ...
قد ينقضي عجبنا مما نعايشه ونراه ونسمعه ونقرؤه من جيل هؤلاء المستعبدين حين نستعيد تجربة التحرر من العبودية أولا ومن التمييز العنصري ثانيا في الولايات المتحدة الأمريكية ، التي ما انتصرت على العبودية والتمييز إلا منذ زمن قريب .
ربما نختصر فنقول : لقد تزامن تحرر الولايات الأمريكية من نظام التمييز العنصري في عصر الرئيس جونسون سنة 1964 مع فرض هذا النظام البشع على السوريين سنة 1963 ، ثم ليكرس بشكل أكثر صرامة وبشاعة وعتوا في تشرين الثاني عام 1970 .
نعم لقد فرض على سورية والسوريين منذ ذلك التاريخ نظام تمييز عنصري بشع ومقيت ، ولا يتسع مقال لندخل في توضيح معالمه بالتفاصيل ، وإنما نتحدى كل الذين يماروننا فيه ، أن يقبلوا بشهادة الرقم الشفاف في سجلات الإحصاء الحر النزيه ، ليتبينوا عن السلطة و الثروة والفرصة كيف توزعت بين السادة وخدمهم ثم العبيد .
فتحوا منذ أيام على صفحات التواصل خبر الخطيئة الكبيرة التي ارتكبت في مدرسة المدفعية في حلب سنة 1979 . وكلهم ذابوا إنسانية ووطنية في الدفاع عن المجرمين . المجرمون الحقيقيون ليسوا هم القاتلين ولا المقتولين ، وإنما المجرمون الحقيقيون هم الذين حشروا في دورة عسكرية يفترض أنها في كلية وطنية تخدم جيشا وطنيا 90 % من طلاب الضباط من طائفة صغيرة سيطر عليها وأدارها المجرمون الطائفيون العنصريون . لقد عميت أبصار أدعياء الوطنية والإنسانية هؤلاء وهم يدّعون العلم والثقافة والعصرنة والتنوير أن يروا الحقيقة كاملة ، وأن يحيطوا بالواقعة من كل أطرافها ، وأن يشيروا إلى الجريمة الحقيقية والمجرم الفاعل لا الضحايا المنفعلين ...
ونعود إلى معركة تحرر الزنوج الأمريكيين ، من قانون العبودية أولا ، ومن قوانين الفصل ( الأبارتيد ) العنصرية ثانيا . لنقول إن العجيب الغريب الذي نتابع مثله اليوم في الساحة السورية أنه كما كان بين المناضلين السود أمثال مالكولم اكس ، ومارتن كينغ فقد كان منهم لفيف غير قليل يدافعون عن حق ( الأنكلو ساكسون ) في الاستعباد وفي السخرة وفي الاستعلاء وفي الانفراد والتميز . أمر واحد لم يدعه الأنكلو ساكسون حقا ، ولم يروجه لهم أنصارهم السود في ذلك التاريخ : الأنكلو ساكسون على كل قسوتهم لم يدّعوا لا ربوبية ولا ألوهية كما يدّعي الطائفيون العنصريون في سورية وكما يروج لهم عبيدهم الذين ارتكسوا عن مرتبة العبيد .
وكان في السود الموالين للعنصرية والعنصريين في الولايات المتحدة أدوات قتل وإرهاب ، وكان فيهم مخبرون وجلاوزة ، وكان فيهم فوق ذلك والأغرب من كل ذلك ( فلاسفة ) يفلسفون للعنصرية ويسوغون حق الرجل الأبيض في السيطرة والتسلط والاستعلاء ، ويظلون يرددون مشيرين إلى إخوانهم الذين خرجوا لتحريرهم : انظروا إلى هؤلاء الهمج الرعاع المتخلفين وانظروا إلى هذا الأبيض الناعم الرقيق الأنيق ...
منطق حين نسمعه ونقرؤه اليوم من رواد العنصرية ودعاتها والمروجين لها ، وحين نتابعه على صفحات المبشرين بالعبودية فيجب أن نعلم أن وراءه سرا لا يخفى على بصير ...
فقد كانت أمنية ( الزنجي الحقير ) الذي يتصدى بصلف وعنجهية لأخيه ( الزنجي الإنسان ) أن ينقله سيده من الخدمة في الحقل إلى الخدمة في البيت ، فهؤلاء العبيد سودا كانوا أو بيضا قد رسموا لعبوديتهم سماء وقنعوا أن يكونوا فيها نجوما وليس للعبودية سماء أيها العبيد...
وسوم: العدد 680