قاسم سليماني قائداً للجيش العراقي؟
أعلن أحمد الأسدي، الناطق باسم فصائل «الحشد الشعبي» الشيعية، أن قائد «فيلق القدس» الإيراني الجنرال قاسم سليماني موجود الآن في العراق لقيادة هجوم فصائل «الحشد الشعبي» على الموصل، المدينة ذات الغالبية السنّية التي يسيطر تنظيم «الدولة الإسلامية» عليها، وهو أمر لا يحسم فقط أن الميليشيات الشيعية ستعيد ما فعلته في المناطق السنّية التي دخلتها من قتل واعتقالات وانتهاكات بل كذلك أن الأمر يتعلّق بمعركة تخصّ إيران أيضاً ومطلوب أن تضاف إلى رصيدها السياسي والعسكري.
ليست هذه السابقة الأولى التي يظهر فيها سليماني في العراق أو سوريا، كما أنها ليست أول مرة يُعلن فيها عن كونه يقود المعارك ويوجّه قادتها المحلّيين سواء كانوا من الميليشيات والتنظيمات الشيعية التي تأتمر بأمر إيران المباشر في العراق، كما في سوريا ولبنان واليمن (وربما السعودية والبحرين)، أو حتى من قادة الجيش والشرطة والأمن، في إعلان فظّ عن الولاية الإيرانية على تلك البلدان العربية وعلى قادتها ومسؤوليها وضباطها الذين تُعاملهم الجمهورية الإسلامية كوكلاء لها على شعوبهم (طبعاً مع الحفاظ على البروتوكولات الدبلوماسية اللازمة في الحفاظ على الألقابّ والمسميات).
يثير الحدث المتكرر طبعاً بعض الجدل بين المسؤولين العراقيين الذين يحسّ بعضهم بالصغار والإهانة التي يسدّدها سليماني لوظائفهم الافتراضية، من رئيس الجمهورية العراقية إلى رئيس وزرائها وصولاً إلى قادة جيوشها وأحزابها ونوابها والمسؤولين عن القانون والأمن و«السيادة» فيها، وانتهاء بمواطني العراق المفقرين والمعدمين والمقادين إلى المذابح والمعارك التي تخدم أجندة طهران في المنطقة العربية بقدر ما تدمّر البلدان التي تستولي على مقدّراتها وشؤونها وقراراتها.
لا يجب، مع ذلك، إنكار أن لإيران شريكاً كبيراً في إنجازها العراقيّ هذا وهو الولايات المتحدة الأمريكية التي قاد تيّار المحافظين الجدد اليميني خلال إدارة الرئيس جورج بوش وتيّار اليسار الملتزم بالبرنامج السياسي الامبريالي نفسه خلال إدارة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الحرب على أفغانستان والعراق عام 2003 وفتحا، عمليّاً، الطريق لتدمير الدولة العراقية وخلق واقع تاريخي جديد لم يحصل في العالم العربيّ والإسلامي من قبل وهو امتداد النفوذ الإيراني من أفغانستان حتى لبنان واليمن عبوراً بالعراق وسوريا.
لا يمكن القفز، مع ذلك، عن الطبيعة الاستبدادية للنظام العراقي السابق أيام الرئيس الراحل صدام حسين، والذي مهّد بنموذج جبروته وتسلطه على شعبه وقرار احتلاله للكويت، لكل ما حصل لاحقاً، ولكنّنا أيضاً لا يمكن أن ننكر أن ذلك النظام المركزي المستبد قام بإنجازات علمية وهندسية وعسكرية كبيرة، وأنه كان العقبة الأكبر أمام الاستيلاء الإيراني على مقدرات المنطقة العربية، وأن خطّة تدميره كانت حلماً كبيراً لإسرائيل، التي كان بعض أتباعها منظرين أساسيين لتيار المحافظين الجدد الأمريكي، وكان خراب العراق، وليس إسقاط نظامه فحسب، هو هدفهم الحقيقي.
يبدو هذا الحدث أيضاً مناسبة كاشفة لمناقشة دور بعض الأنظمة العربية التي استخدمت النظام العراقي السابق وجيشه العظيم لدرء مخاطر الهيمنة الإيرانية عنها لكنّها تكالبت عليه بعد أن دفع شعبه أثماناً هائلة من لحمه الحيّ خلال الحرب مع إيران، ولاحقاً خلال سنوات الحصار والتجويع، وانتهت بتحشيد الجيوش ضده والمشاركة في المشروع الأمريكي الإسرائيلي لتدميره، وها هي الآن تدفع ثمن تواطئها وقراءتها الاستراتيجية الركيكة للتاريخ.
من المؤكد أن تنظيم «الدولة الإسلامية» زاد في آلام العراقيين وخراب بلادهم وحرف بوصلة نضالهم ضد الاستبداد والفساد والاحتلالين الإيراني والأمريكي، لكن المؤكد أيضاً أن هذا التنظيم هو أحد نتائج مظالم وفساد السياسات الأمريكية والإيرانية وانفلات العنف الطائفيّ وانسداد الآفاق السلميّة والديمقراطية للتطوّر في العراق.
لعلّه صار من الأفضل لقادة العراق أن يعيّنوا قاسم سليماني قائداً للجيش العراقي بدل تكليلهم بالإهانات كلّما أراد الجنرال الإيراني القيام باستعراضاته الحربية أمام حكام وشعوب هذه المنطقة الذليلة والمقهورة على أمرها.
وسوم: العدد 680