دلالات استخدام روسيا قواعد عسكرية في إيران
اعتبر البعض أن هذه الخطوة الروسية تحمل طابعا سياسيا وليس إستراتيجيا على اعتبار أن موسكو ليست بحاجة إلى قواعد عسكرية في إيران لتنفذ ضرباتها الجوية وأن باستطاعتها استخدام صواريخ موجهة بعيدة المدى من البحر أو من داخل روسيا، لكن مثل هذا التقييم يحتاج إلى مراجعة دقيقة. فما حصل لا يعد تحولا بسيطا، صحيح أنه قد لا يحسم المعركة في سوريا أو يغير من المعادلة فيها، لكنه بالتأكيد يحمل الكثير من الرسائل والدلالات المهمة وربما الاستثنائية على أكثر من صعيد.
الدلالات المتعلقة بإيران
كان لافتا أن يبادر الجانب الروسي وليس الإيراني إلى الإعلان عن تنفيذ هذه الهجمات الجوية انطلاقا من الأراضي الإيرانية، وهذا يعني أن الجانب الإيراني كان متوجسا أو مدركا لحساسية هذا الموقف داخليا، فضلا عن إدراكه بطبيعة الحال أن اليد العليا في الموضوع تعود إلى الجانب الروسي، وأن الجانب الإيراني هو مجرد مزود لتسهيلات لوجستية لا أكثر.
بمعنى آخر، أظهر الهجوم إيران بحجم أصغر بكثير مما كانت تقدم نفسها فيه، وأن العلاقة بين روسيا وبينها لا تختلف كثيرا عن العلاقة بين أي قوة كبرى وبلد آخر صغير على الرغم من محاولات علي شامخاني، أمين (سكرتير) المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، والمنسق الأعلى للشؤون السياسية والعسكرية والأمنية بين إيران وسوريا وروسيا، التخفيف من وطأة الموقف وتغليفه إياه بحديث عن مسوغات محاربة الإرهاب وأنه يأتي في سياق تعاون إستراتيجي ومشاركة القدرات والمنشآت اللوجستية لهذا الغرض.
ومن المفارقات أن المادة 146 من الدستور الإيراني تمنع إقامة أي نوع من أنواع القواعد العسكرية الأجنبية في البلاد حتى ولو كانت للأغراض الإنسانية، ما يعني أن خرق مثل هذا الأمر تم من أعلى مستوى في إيران أي من قبل المرشد الأعلى نفسه.
في هذا السياق بالتحديد، فإن موافقة السلطات الإيرانية الممثلة بأعضاء مجلس الأمن القومي مرورا برئيس الجمهورية وصولا إلى المرشد الأعلى، على السماح لقوة أجنبية بالتواجد على أراضيها، وباستخدام الأراضي الإيرانية منطلقا لهجمات عسكرية على دولة ثالثة -لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية- لا تشير فقط إلى انغماس روسيا أكثر فأكثر في الأزمة السورية، ولكنها تشير أيضا -وهذا هو الأهم في المدلول الإيراني- إلى مأزق نظام الملالي في سوريا وإفلاسه العسكري لدرجة اضطر معها أن يكسر قاعدة من أهم قواعد سياساته الداخلية والخارجية خلال حوالي أربعة عقود من حكمه.
لعقود طويلة، ظل نظام الملالي يعاير شاه إيران السابق والأنظمة العربية بأنها سبب من أسباب استقرار النفوذ الأجنبي في المنطقة. استخدم نظام الملالي هذه الورقة كما غيرها من الأوراق في مهاجمة الأنظمة العربية وفي كسب الشارع العربي طيلة تلك المدة، لكن 16 أغسطس/آب 2016 بالتحديد يؤرخ بشكل رسمي لتحول إيران إلى أداة لتعظيم النفوذ الأجنبي العسكري (الروسي) في المنطقة بوصفه قوة احتلال.
لم يعد لإيران الحق في أن تنتقد الآخرين أو أن تلعب هذه الورقة، وكما عرت الثورة السورية إيران وكشفتها كلاعب طائفي يسعى إلى التمدد القومي بعباءة إسلامية وتحت شعارات المقاومة، فإن استخدام روسيا لإيران لضرب سوريا أظهرها بمظهر الأداة لقوة أجنبية تسعى إلى تعزيز نفوذها في المنطقة.
وما ينطبق على إيران هنا ينطبق أيضا على حلفائها وأدواتها (الحكومة العراقية والنظام السوري والميليشيات الطائفية) وهذا من أهم دلالات استخدام روسيا للأراضي الإيرانية في هجومها على سوريا.
أضف الى ذلك أن الهجمات الروسية على سوريا انطلاقا من الأراضي الإيرانية تعد مؤشرا على فشل ذريع للقوات المسلحة الإيرانية والميليشيات الرسمية وغير الرسمية التابعة لها في تحقيق تقدم ملموس على الأرض لاسيما في حلب. فالاتفاق الروسي الإيراني كان يقتضي أن تقوم موسكو بتقديم غطاء جوي لقوات الأسد والقوات الإيرانية للسيطرة على الأرض وإنهاء الأمر، لكن هذه المعادلة لم تنجح إلى الآن رغم الدعم الروسي الهائل والتسهيل الأميركي المتعمد.
لجوء روسيا إلى القاذفات الإستراتيجية يؤكد ضعف الإيرانيين وحلفائهم على الأرض في سوريا، ويعني المزيد من الانغماس العسكري لروسيا في الأزمة. وسواء أكان استخدام روسيا للأراضي الإيرانية قد جاء بطلب من موسكو أو بعرض من طهران فهو في الحالتين مؤشر على أن نظام الملالي فشل في حسم الموقف لصالحه واضطر في النهاية أن يقبل بوجود قوات أجنبية على أراضيه......
وسوم: العدد 682