الختان انتهاك آدمية البشر
وافقت الحكومة المصرية يوم الأحد 28 أغسطس على تغليظ عقوبة ختان الإناث بالسجن مدة تتراوح ما بين خمسة إلي سبعة أعوام، وتوصيف هذه الجريمة بالجناية بدلا من الجنحة، ثم السجن 15 سنة إذا أفضى الختان إلي عاهة أو وفاة. وهي المرة السابعة التي تحاول بها الحكومة تشريع واستكمال قانون حظر ختان الإناث، بعد ست مرات عانت فيها القوانين من ثغرات أو عقوبات غير رادعة بدءا من حظر الختان في مستشفيات الحكومة سنة 1959، ثم صدور قانون بالحظر عامة في 1979، ثم مرسوم وزارة الصحة عام 1996، ومرسوم آخر من الوزارة عام 2007 لسد الثغرات فيما سبق اتخاذه، وصولا إلي يونيو 2008 حين وافق مجلس الشعب على تجريم الختان داخل قانون العقوبات. وفي 3 فبراير 2013رفضت المحكمة الدستورية العليا طعنا في حظر الختان بدعوى أن تجريمه يتناقض مع الشريعة الإسلامية، وأيدت المحكمة قرارات وزارة الصحة السابقة بمنع الختان في كافة المستشفيات عامة أو خاصة. مع ذلك ظل الختان منتشرا حتى أن مصر تشغل وفق تقرير منظمة "يونيسيف" لعام 2015، المركز الثالث عالميا على خريطة انتشار الختان بعد الصومال وجيبوتي، إذ يتم ختان نحو 90 % من الإناث فيها، على الرغم من التاريخ الطويل لمكافحة تلك الظاهرة بدءا من عشرينات القرن الماضي حين طالبت جمعية الأطباء المصريين بِوقف تلك الجريمة في أنحاء مصر. وعلميا وطبيا يؤدي الختان إلي استطالة و صعوبة الولادة والتبلد العاطفي في الحياة الزوجية، وفي أحيان غير قليلة يفضي إلي الوفاة بسبب النزيف أو الصدمة أو تسمم الدم. وإجمالا فإن هذه الجريمة نوع من الإيذاء البدني والنفسي الذي يمارس عادة ضد الأطفال وهم عاجزون عن رده أو الدفاع عن أنفسهم. وختان الإناث هو التعبير المتعارف عليه عندنا، أما المصطلح المعتمد في منظمة الصحة العالمية فهو " تشويه الأعضاء التناسلية من دون وجود سبب طبي لذلك". وقد بين معظم رجال الدين الإسلامي والمسيحي أن تلك الجريمة لاعلاقة لها بالأديان. وبهذا الصدد كان د. محمد طنطاوي شيخ الأزهر الراحل قد أكد عدم إباحة "ختان الإناث" وقال إنه لا توجد نصوص قرآنية تؤكد إباحتها. وصرح الشيخ خالد الجندي للعربية نيوز بأن ختان الإناث ليس من السنة ولا علاقة له بالشرع الإسلامي". وعلى الجانب القبطي أكد شريف دوس رئيس هيئة الأقباط العامة أن ختان الإناث عادة ليس لها مرجع فى الديانات السماوية. ويجمع الكثيرون على تلك العادة دخلت إلي مصر الفرعونية من أثيوبيا وظلت باقية في وعي الكثيرين رمزا لطهارة المرأة، من دون أن يفكر أحد أن في تلك الجريمة عدوانا على الهيئة التي خلق بها الله سبحانه وتعالى المخلوقات. ومع أن القانون الجديد بتشديده العقوبة على الختان سوف يساعد ، إلا أنه لن يحل المشكلة بصورة جذرية، لأن أساسها في وعي اجتماعي تم استئصال جزء منه، يفضي لاستئصال أعضاء إنسان آخر، وفي جذر هذا الوعي المشوه أن المتعة حرام، فإن جازت فإنها تجوز للرجل وحده وليس للمرأة. وحين توفيت بسبب عملية ختان الفتاة " ميار محمد" 17 سنة في مدينة السويس كتبت صديقتها " روان" في فيس بوك توجز جوهر القضية قائلة : " إيه ذنبها يعنى إن ربنا خلقها "أنثى" كل حته فيها كاملة بشكلها الطبيعى، ربنا الأحسن منى ومنك خلقها كده.. " ميار" ماتت أو بمعنى أصح قتلوها عشان بتحس، وهم شايفين إن الاحساس عيب، وأنهم لازم يقضوا عليه"! . يظل الختان انتهاكا لكرامة وسعادة المرأة والرجل، ويظل بحاجة لحملات توعية مكثفة ومتلاحقة، لكي يدرك الجميع أن ما يحق للرجل يحق للمرأة، وأنك حينما تفسد حياة المرأة إنما تفسد حياتك.
وسوم: العدد 684