المفارقات المؤلمة في مؤتمر الشيشان «الإسلامي»
بين 25 و27 آب/أغسطس الماضي وتحت عنوان «من هم أهل السنة والجماعة؟» انعقد في جمهورية الشيشان مؤتمر إسلاميّ شارك فيه الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وشوقي علام، مفتي مصر، وأسامة الأزهري، مستشار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إضافة إلى شخصيات دينية أخرى بينها عبد الفتاح البزم، مفتي دمشق.
يحمل موقع انعقاد المؤتمر وكونه جرى تحت رعاية رئيس الشيشان رمضان قاديروف، وضمن أراضي روسيا الاتحادية، إضافة إلى الوزن الثقيل للشخصيات الدينيّة المصرية المشاركة، والعنوان الذي افتتح تحته، والتوصيات والنتائج التي أقرّها رسائل سياسية عديدة موجهة نحو العالمين الإسلامي والعربي لا تخطئها العين ولا تخفى على المتأمل.
مدينة غروزني التي جرى فيها الحدث كانت خلال تسعينيات القرن الماضي موقع حرب كبيرة بين سكانها الشيشان والجيش الروسي انتهت، كما هو معلوم، بانتصار موسكو وتهدّم العاصمة التي اعتبرت مثالاً على منهجية التدمير الروسية لمدينة عاصية.
ومعلوم أيضاً أن قاديروف كان قائد ميليشيا انشقت عن الثوار وانضمت إلى موسكو وتحوّل أعضاؤها إلى منتسبين للأمن الفدرالي الروسي كما أصبح رئيساً لبلاده بعمر الثلاثين وهو معروف بعلاقته الوثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقد صرح أكثر من مرة أنه «وجنود الشيشان جميعهم مستعدون للتضحية من أجل الرئيس بوتين»، وهناك اتهامات كثيرة لقاديروف بينها اتهامه بقتل قائد المعارضة الروسية بوريس نيمتسوف وتنفيذ جرائم منظمة واغتيال صحافيين وناشطين وخصوم سياسيين.
تجيء مشاركة علماء دين مصريّين وسوريين في هذا المؤتمر لتضع رابطة مباشرة بين أنظمة روسيا بوتين وشيشان قاديروف ومصر عبد الفتاح السيسي وسوريا بشار الأسد، وهي بذلك تفضح طريقة فهمها الاستخداميّة لرجال الدين الإسلامي وأسلوب توظيفها لهم في إيصال رسائل سياسية مباشرة وفجّة.
تقوم حكومات الدول المذكورة بشنّ حروب فظيعة ضد شعوبها، وخصوصاً منها ما يسمى بتيّار «الإسلام السياسي»، ولكنّ أسلوبها في تحشيد رجال الدين الإسلامي للتخديم على أهدافها تفضح نسخة أخرى من «الإسلام السياسي» أجندته الأولى هي الدفاع عن أنظمة متوحشة قادرة على انتهاك كل القيم والأعراف والقوانين المدنية والشرائع الدينية للحفاظ على سلطات طغم حاكمة.
أصدر المؤتمر فتوى حدّد فيها من هم أهل السنّة والجماعة واستثنى منها السلفية والوهابية وجماعة الإخوان المسلمين التي اعتبرها فرقا طائفية دخيلة على السنّة وغير مرغوب بها.
أثار المؤتمر المذكور جدلاً كبيراً على مستوى النخب الدينية والجمهور العام فظهر على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي أكثر من 110 آلاف تغريدة في يوم واحد تلى صدور بيانه ونتائجه.
مؤتمر الشيشان الذي حدّد من هم «أهل السنة والجماعة» تجاهل ما تفعله روسيا وإيران في سوريا وما يفعله الحوثيون في اليمن كما لم يتعرّض بكلمة لمن قتلوا في اعتصام رابعة، وهو أمر شديد الدلالة والوضوح وانكشاف الأجندة السياسية.
رغم اختباء المؤتمر خلف التوصيفات العقيدية (كقوله إن أهل السنة والجماعة هم أتباع الفرق التالية: المحدثين والصوفية والأشاعرة والماتريدية) فإن الأمر الشديد الوضوح هو أنّه استخدم رجال الدين الرسميين المشاركين فيه لإعطاء الاستقطابات السياسية العنيفة والثورات والأزمات الحاصلة في العالمين العربي والإسلامي طابعاً دينيّا، وهو الأمر نفسه الذي تدّعي هذه الأنظمة المستبدة أنها تحاربه!
وسوم: العدد 684