الكلبشات.. من الاعتقال الإداري إلى جامعة بيرزيت!

هز فلسطين ليلة الخميس الماضي فيديو تم بثه مباشرة للأخوين محمد ومحمود البلبول، أبناء الشهيد أحمد وأخوة الأسيرة اليافعة المحررة، ١٦عاماً، نوران.

"اليوم بدّي أنام من غير كلبشات" خرجت هذه الكلمات بابتسامة ملائكية، وعيون ذات بصيرة، وهمة عالية وأمل كبير من محمد البلبول (٢٥) عاماً معبراً عن فرحته لتجميد اعتقاله الإداري برغم فقدانه البصر بسبب الإضراب عن الطعام. ويضيف طبيب الأسنان الشاب المعتقل منذ حزيران: "قديش كنت أحب الأكل ولكن في فترة الإضراب ما جعت".

الإعتقال الإداري هو إجراء تعسفي تلجأ له دولة الاحتلال لإعتقال المواطنين الفلسطينيين دون تهمة محددة ودون محاكمة مما يحرم المعتقل من حقه بمعرفة سبب اعتقاله ويحول ذلك دون وجود دفاع فعال. يعود أصل الإعتقال الإداري إلى قانون الطوارىء لسنة ١٩٧٩ المستمد من قانون الإنتداب البريطاني، حيث ينطبق فقط عند إعلان حالة الطوارىء في الدولة من قبل الكنيست الإسرائيلي ولكن لسوء حظنا كفلسطينيين فحالة الطوارىء معلنة في اسرائيل منذ تأسيس دولة الاحتلال ١٩٤٨. حسب القانون، يتم الإعتقال الإداري بموجب أمر عسكري رقم ١٦٥١ بمادة ٢٧٣ ويمنح لقائد المنطقة العسكرية الحق باعتقال أي شخص يشكل تهديداً على أمن الدولة لمدة شهر إلى ٦ شهور كحد أقصى مع إمكانية التمديد بدون سقف زمني! وتستطيع دولة الاحتلال بموجب هذا الأمر أن تحجز المعتقل لمدة ٦٠ يوما دون لقاء محاميه!

أما خلف الإرادة والقوة والصبر لكل من محمد ومحمود ونوران، فتقف "سناء" الأم والزوجة المناضلة، معلمة الأجيال التي تتساءل هنا: ما الخطر الذي يشكله أبنائي على دولة اسرائيل، هل الدراسة والعلم الذي يتحلى به أولادي يشكلان تهديداً على دولة الاحتلال؟ والجدير بالذكر أن سناء هي التي وجهت نداء لفلسطينيي الداخل لزيارة أبنائها في المشفى وطمأنتها على حقيقة وضعهم الصحي وإيصال رسالة بأنها تحبهم.

عادة ما يلجأ المعتقلون إدارياً للإضراب عن الطعام كوسيلة للإعتراض على هذا التعسف وعادة ما ينتهي الإضراب بالاتفاق على إطلاق سراحهم وقد سمعنا جميعاً عن خضر عدنان وسامر العيساوي ومحمد القيق وبلال كايد ومحمد علان وحديثاً الأخوين البلبول و مالك القاضي وغيرهم كثر. أصدرت دولة الاحتلال بين ٢٠٠٣-٢٠١٤ أكثر من ١٩٨٣٦ أمر اعتقال اداري موزعين بين سجن عوفر والنقب ومجدو وتضع اسرائيل القيود لتعرقل وصول الأهل لزيارة أبنائهم، إضافة إلى أن العائلة لا تستطيع رؤية ابنها/ابنتها خلال المحاكمة لأن الجلسات تكون سرية بحضور المعتقل والمحامي فقط!

"ضايل سنة وبخلص ماجستير في الدراسات الإسرائيلية من جامعة القدس" بهذه الكلمات يود محمود البلبول (٢٣) عاماً، أن يعرفه العالم، يتباهى بالعلم ويطلعنا على قدراته الرائعة بالتعلم حيث تمكن من تعلم اللغة العبرية في السجن خلال شهرين ما أثار قلق وفضول السجانين الذين لم يستوعبوا قدرته الفائقة بالتعلم، ويضيف مؤكداً على عزيمته ورغبته وحبه للعلم ويناشدنا جميعاً بمساعدته لإكمال درجة الدكتوراه. لا يدري محمود أنه مدرسة لنا جميعاً، نعترف بعجزنا عن القيام بفعل يغير الحقائق على الأرض إلا أننا ننظر لك ولعائلتك المناضلة كأساتذة، فأنتم مثال للتحدي والأمل .

يتبادر لذهني الآن طلبة جامعة بيرزيت الذين اختاروا "الجنازير و الكلبشات" كأداة لإغلاق الجامعة وصولاً لتحقيق هدفهم النبيل المتمثل بمطلب عدم رفع الأقساط الجامعية المتكرر. أتمنى من الطلبة أصحاب الحق أن يعيدوا النظر بالوسيلة وأن يعبروا عن مطالبهم وحقوقهم بوسائل بعيدة عن أداة السجان الإسرائيلي. وأتوقع من إدارة الجامعة صاحبة الرؤية والإتزان أن تبادر بإيجاد حلول وسط دون اللهو بلعبة اللوم التي لن تخدم لا الجامعة ولا طلابها. أناشد الحكومة بالتدخل فالتعليم حسب القانون الأساسي الفلسطيني حق للمواطن على الدولة أن تساهم بتوفيره وتسهيل الوصول إليه فالمادة (٢٤) تؤكد على أن 1- التعليم حق لكل مواطن، وإلزامي حتى نهاية المرحلة الأساسية على الأقل ومجاني في المدار س والمعاهد والمؤسسات العامة. 2- تشرف السلطة الوطنية على التعليم كله وفي جميع مراحله ومؤسساته وتعمل على رفع مستواه. 3- يكفل القانون استقلالية الجامعات والمعاهد العليا ومراكز البحث العلمي، ويضمن حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والثقافي والفني، وتعمل السلطة الوطنية على تشجيعها وإعانتها. 4-تلتزم المدارس والمؤسسات التعليمية الخاصة بالمناهج التي تعتمدها السلطة الوطنية وتخضع لإشرافها.

أخيراً، نتمنى معك يا محمد أن تقضي عيد الأضحى مع الوالدة كما تمنيت من على سرير المشفى، وكل عام وعائلة أم مُحَمَّد وعائلات كل الأسرى مكللة بالحرية.

وسوم: العدد 685