سوريا: التدخل الروسي و«الفراغ الأميركي» قلبا موازين القوى
الشرق الاوسط
شّكل عام 2016» منعطفا سلبيا» في الأزمة السورية على الصعيدين السياسي والعسكري. وكان للتدخل الروسي الدور الأكبر في قلب موازين القوى على الأرض٬ ومن ثم تعطيل المفاوضات. وفي حين تتو ّجه الأنظار اليوم إلى العهد الأميركي المقبل والسياسة الخارجية للرئيس الجديد الجمهوري دونالد ترامب٬ يرى الخبراء أن بدأت معالمه تتوضح عبر تكريس «التقسيم» انطلاقا من «سوريا المفيدة».
أحداث العام السادس للأزمة رسمت لسوريا مستقبلاً وهو ما عمل من أجله رئيس النظام بشار الأسد بدعم مباشر من روسيا وإيران٬ من خلال سياسة التهجير القسري في عدد من مناطق ريف دمشق وأخيرا في حلب شمالاً.
في المقابل٬ لا تزال المعارضة السورية تعّول على أن تأخذ الأحداث مساًرا مختلفًا لصالح الثورة الشعبية في العام المقبل٬ بعدما عملت على وضع استراتيجية جديدة٬ تبدأ برفع الغطاء السياسي والعسكري٬ عن «جبهة فتح الشام».
ويرى هشام مروة٬ النائب السابق لرئيس «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»٬ أنه في عام ٬2016 تعقّد المشهد السوري كثيرا٬ بحيث ظهرت بشكل واضح نتائج التدخل العسكري الروسي في نهاية عام 2015.
وفي حين يعتبر الباحث الاستراتيجي اللبناني الدكتور سامي نادر أن تقدم روسيا الذي كان على حساب القوى الداعمة للمعارضة وإيران كداعم أول للنظام السوري٬ أدى إلى التبدل الجذري للوضع في سوريا. وهو يعطي بالتالي مؤشرا لما قد يكون عليه مستقبل سوريا لجهة تكريس «سوريا المفيدة» أو «سايكس بيكو مذهبي»٬ يعتبر مروة أن «سوريا المفيدة» هو «تجميد للأزمة في سوريا وليس حلا لها٬ بينما التقسيم الشامل٬ لن يكون في صالح الأسد٬ وطبعا لم ولن تقبل به المعارضة». وأوضح مروة: «التقسيم يفقد الأسد حاضنته الشعبية التي لطالما ش ّكل معارضته لها شعارا يرفعه أمام المؤيدين له». ومعلوم٬ أن الهدف من مخطط «سوريا المفيدة» إقامة منطقة علوية إلى جانب الأقليات تخضع لسيطرة النظام وتمتد من الساحل السوري شمالاً حتى حمص مروًرا بالحدود اللبنانية وجبال القلمون إلى العاصمة دمشق.
وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» قال مروة: «التد ّخل الروسي انعكس على الحل السياسي بعدما أبدى رئيس النظام بشار الأسد تعنتا أكبر وتمسكا بالحل العسكري متسلحا بحليفه القوي٬ بدءا من قرار مجلس الأمن رقم 2268 حول وقف إطلاق النار في فبراير (شباط) ووصولا إلى جولتي المفاوضات التي كان يناور خلالها ويترجم هروبه في لجوئه إلى الحل العسكري تحت عنوان محاربة الإرهاب في مختلف المناطق السورية٬ ما زاد الوضع الإنساني سوءا».
ويرى مروة أن الوضع العسكري «بقي إلى حد كبير متوازنًا حتى الشهر الأخير من العام٬ وتحديدا بعد انتخاب مرّشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب ومن ثم مرحلة الفراغ الرئاسي في أميركا. هذه المرحلة ش ّكلت فرصة استغلها حلفاء النظام٬ موسكو وطهران٬ لقلب موازين القوى عسكريا٬ تمهيدا للإمساك بورقة التفاوض٬ وذلك عبر التصعيد العسكري خاصة في حلب التي تمثّل قيمة معنوية بالنسبة له٬ وتعتبر العاصمة السورية الثانية٬ إلى أن أعادها إلى سيطرته بعد تدميرها وتهجير أهلها».
انقسامات المعارضة وخلافاتها
وبينما لا ينفي مروة أن انقسام وخلافات الفصائل العسكرية ساهمت رّبما في «الانتكاسة»٬ لّكنه يّؤكد أنه من الناحية السياسية٬ أثبتت المعارضة تماسكها٬ خلال عام٬2016 بعدما كانت تّتهم بتشرذمها٬ وذلك عبر تو ّحدها في «الهيئة العليا للمفاوضات» التي شاركت موّحدة في «مفاوضات جنيف» وتم ّسكت بمطلبها الأساسي وهو «رحيل الأسد عن السلطة»٬ كما تقديمها رؤية حّل مشتركة للمرحلة الانتقالية إلى المبعوث الخاص إلى الأمم المتحدة٬ ستيفان دي ميستورا.
ورغم هذا الواقع٬ لا يزال يأمل مروة أن تأخذ الأحداث مسارا لصالح الثورة٬ لا سيما في ضوء الخلافات التي بدأت تظهر بين حلفاء النظام٬ روسيا وإيران٬ وفي وقت بدأت فيه المعارضة٬ تعمل على إعادة ترتيب صفوفها وخّطتها٬ عبر وضع استراتيجية جديدة سياسية وعسكرية.
وتأتي في أولوية هذه الاستراتيجية٬ اعتبار «جبهة فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقًا) «منظمة إرهابية»٬ بعدما كانت الحجة التي يتمسك بها النظام وحلفاؤه لقصف المدنيين. وبينما يؤكد مروة أن الإعلان عن هذا الموضوع ينتظر فقط الظروف السياسية المناسبة٬ وسيتم في الأيام القليلة المقبلة تركيز استراتيجية «الائتلاف» التي كان قد أعلن عنها رئيسه أنس العبدة٬ بحسب ما يوضح مروة٬ على حماية المدنيين بالدرجة الأولى عبر إبقاء وجود الفصائل خارج مناطقهم خاصة في ظل الخوف من تكرار «سيناريو» حلب في إدلب٬ وإجراءات أخرى وصولا إلى إحياء المسار التفاوضي.
من جهته٬ يقول نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه خلال في عام 2016 ظهر تقدم الدور الروسي ودخول تركيا على ساحة الصراع بشكل مباشر٬ ما قلب موازين القوى بشكل جذري وخاصة في الشمال السوري. ويوضح: «تقدم روسيا كان على حساب القوى الداعمة للمعارضة وإيران كداعم أول للنظام السوري٬ أدى إلى التبدل الجذري للوضع في سوريا٬ وأعطي بالتالي مؤشًرا لما قد يكون عليه مستقبل سوريا٬ لا سيما٬ أن أكثر من طرف دولي بدأ يغمز من القناة الروسية٬ ما قد يمّهد لشراكة مقبلة بين روسيا وأميركا وفرنسا لتكريس أمر واقع على الأرض من خلال الفيدرالية التي سبق لروسيا أن طرحتها عند دخولها سوريا».
ويرى نادر أن موسكو لن تتمدد في سوريا أكثر مما حققته٬ قائلا: «الأسطول البحري بات في البحر المتوسط٬ وأسقطت حلب٬ وهي المعركة التي لطالما كانت توصف بالأهم. وهكذا٬ رسمت الخطوط العريضة لأي (حل) في سوريا بينما يبقى توضيح تفاصيل الصورة أكثر والتي ستتركز على الفيدرالية».
أما فيما يتعلق بالمفاوضات السياسية فهو لا يتوقع استئنافها قريبا قائلا: «من المبكر الكلام عن العودة إلى المباحثات٬ إذ إن الخطوة الأولى اليوم لا بد أن تكون وقف إطلاق النار الشامل٬ بحيث لم يعد بالإمكان إعادة عقارب الساعة إلى الوراء٬ إضافة إلى توضيح مستقبل الرقة والباب بعدما حسمت معركة حلب مستبعدا في الوقت عينه فتح معركة إدلب»٬ معتبرا أنها لن تكون سهلة بل مكلفة.
وسوم: العدد 700