الناصريون ومديح الاستبداد!
لا أحب في الأغلب الأعم أن أتناول أشخاصا بأعينهم في إطار الجدل الفكري الذي يجري على الساحة الثقافية والسياسية. وقد عاب علىّ بعض من أحب هذا التوجه حيث لا أذكر الأسماء، ورأوا أن ذلك يضعف الموضوع ويفقده أكثر من 70% من قيمته، وهذا صحيح إلى حد كبير، ولكن تقديري، أن الفكرة أهم من الأشخاص وأبقى. ومع ذلك فإني قد أضطر إلى ذكر الشخص حين تستوجب الضرورة ذلك.
وفي هذا السياق يأتي بعض ما يكتبه اليساري الناصري منير عامر– والد المذيع شريف عامر الذي يقدم بعض البرامج في فضائيات النفط أو فضائيات التجار الواصلين– حيث يرسم صورة مشوهة للواقع العام، ويكفّر المسلمين، ويبني عالما من الأوهام يقوم على مديح الاستبداد والحكم العسكري والفاشية التي تؤمن باستئصال الإسلام والقوى الفاعلة في المجتمع.
احتفظت له بمقالين نشرهما في الأهرام الأول بعنوان "السيسي رسالة مصرية" والآخر سماه: "رصاصة مصرية قديمة في قلب التأسلم" ويقصد بها انقلاب العسكر. والمقالان يلخصان بصورة عامة الخطوط الرئيسة لما يدعيه اليسار المصري في مجال خدمة النظام العسكري الدموي الفاشي وتبرير جرائمه ضد الشعب من قتل واعتقالات ومحاكمات سياسية ملفقة وتكميم الأفواه باستثناء الأبواق التي تخدمه، وإعلاء قدر المادية المتوحشة وإهدار موارد البلاد، وازدراء الإسلام مالم يكن إسلاما على الطريقة الأميركية!
يدندن منير عامر على جملة يرى أنها بَنتْ تاريخ مصر وتقول: «أول من يضحى وآخر من يستفيد» ، وهى جملة لا يكتشف ما فيها من عطاء إلا أولو العزم من أهل الإيمان العميق، ولست أدري أي إيمان يقصد؟ ولكنه يشير إلى أنه لمسها في أثناء حياته من خلال قصص المقاتلين الذين عبروا القناة بعد هزيمة 1967، وفي نموذج آخر هو الفلاح «رسلان» الذى مضى يكافح نيرانا اشتعلت في حطب القطن الذى غطى أسطح قرية والده، وظل العديد من أهل القرية يشاهدونه وهو يكافح النيران وحده، لكن ما ان لمسته النار حتى اندفع أهل القرية ليكافحوا النيران وينقذوا رسلان في آن واحد. وهو كلام طيب، ولكن علاقته بما يتحدث عنه بعد ذلك مقطوعة تماما، ولا أثر للإيمان – أي إيمان – به، مالم يكن قهر الشعوب بمعرفة المستبدين.
يضرب منير عامر مثلين على إيمانه. الأول- حين رأى الشعب المصري يقف بجوار الطاغية المهزوم جمال عبد النصر في التاسع من يونيو 1967، والآخر- يوم تجمهر أعداء الديمقراطية حول قصر الاتحادية رفضا للإعلان الدستوري الذى " أراد مكتب الإرشاد به إعلان حكمه لمصر خمسمائة عام، فقاومه خيرت الشاطر وتابعه محمد مرسى بكثرة من بلطجية ماجورين فجاءهم الثلاثون من يونيو شاهد تحضر نادر الحدوث على مجمل تاريخ البشرية. ولم يكن السادس والعشرين من يوليو سوى تأكيد للتفويض الذى منحه المصريون للجنرال كي يحارب كهنة استعباد الشعوب". والمثلان يوضحان ضحالة الفكر اليساري، وولاءه الرخيص للعسكر والاستبداد والفاشية، وعداءه لحرية الشعب وكرامته وإرادته. فالبكباشي الذي تسبب في إزهاق عشرات الآلاف من الأرواح المصرية على أرض سيناء، وسلمها مع غزة والدبابات التي لم تستعمل لليهود الغزاة بسهولة شديدة، عقب أن فاخر بأنه "مش خرع زي مستر إيدن"؛ كان ينبغي أن ينتحر مثل أي شخص حر ألحق بأهله عارا تاريخيا لا يمحى!
وفي المثال الثاني فإني كنت أربأ بمنير عامر وهو صحفي يعرف كثيرا من الأخبار، أن يكذب ويدّعي أن مكتب الإرشاد هو الذي أصدر الإعلان الدستوري. وكنت أتمنى أن يستمع لما قاله الأخوان المستشاران أحمد ومحمود مكي حول هذا الإعلان، وقد كانا قريبين من الرئيس الشرعي الأسير، ويعلمان جيدا أن الرئيس هو الذي أصدر القرار بعد أن أدرك حجم التآمر على الشرعية وعلى وجوده. لكن السيد منير ومثله أهل اليسار يرددون أسطوانات مشروخة تشيع الكذب والافتراء وتبرر انقلاب العسكر المشين الذي سرق إرادة الشعب المظلوم وحكم بالدبابة والمدفع والقنبلة!
إن السيد منير يستشهد بعبد الرحمن الأبنودي رفيقه في العمل لحساب السلطة وخدمتها حين وصف قائد الانقلاب بأنه يعي قيمة الوطن ومرارة الخرائب التي تحيط مصر من جهاتها الأربع. وهو أشد حصار مر على هذا البلد ، بسبب هلع أقوياء هذا الكون من صيحة كرامة جديدة لفقراء الكون من شعوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية وجزء لا يستهان به من عالمنا العربي. ويتجاهل أن هذا الخراب صنعه البكباشي الأرحل الذي أسس لحكم عسكري فاشل لا يعبأ بالإنسان ولا كرامته، ولا يهتم إلا بخدامه ومخبريه ممن وضعوا على صدورهم لافتة كتّاب ومثقفين. ثم انظر إلى حال المصريين بعد جريمة الانقلاب الدموي وكيف صار المصريون يتسولون القروض والمعونات وارتفعت أسعار كل شيء وعزّت الأقوات وفرغت الجيوب باستثناء خدم السلطان العسكري وأبواقه الذين يتقاضون الملايين والألوف!
قضى منير عامر معظم عمره في العمل بروز اليوسف في مرحلتها الشيوعية الحكومية ومن الطبيعي أن يمدح الضابط الشيوعي أحمد حمروش ابن شيخ الأزهر الأسبق عبد الحميد حمروش رحمه الله، ويهجو أسامة بن لادن وأنور السادات ويستشهد بمحمد حسنين هيكل صوت البكباشي الطاغية المهزوم ولسانه، ليصل إلى إدانة الإسلام والخلافة، ويصم المسلمين بالتأسلم، أي يخرجهم من الملة لأنهم يرفضون الاستبداد والحكم الفاشي الفاشل، ويقلب الحقائق فيرى أن الأمة حين تحارب الاحتلال السوفياتي في أفغانستان كانت تحارب الإلحاد، ولم تكن تتصدى لغزو عسكري مجرم نصب عملاءه القتلة حكاما على بلد مسلم يكره الشيوعية والشيوعيين وأشباههم. ويتابع منير عامر هجومه على أردوغان لأنه لا يحارب الإسلام مثل الجنرالات في مصر، ويأسى على فشل الانقلاب التركي العسكري في 15 يوليو2016، ويسيء إلى الشيخ القرضاوي الذي ترك البلاد عندما مارس البكباشي الطاغية المهزوم جرائمه الدموية ضد كل صوت حر. ثم يشيد صاحبنا بجريمة الانقلاب في مصر لأن الشعب المصري كما يزعم طرد التأسلم وأعلى من قيمة المواطنة وحفظ جيشه فحفظه جيشه، ويرتب على ذلك الفرية الشهيرة بحصار مصر ليبرر الخيبة الكبيرة والفشل العظيم والقمع الرهيب الذي تعيشه البلاد منذ ألقيت إرادة الشعب في صندوق الزبالة، وتصدرت الدبابة الحكم والسياسة. منير مع رفاقه الناصريين إلا من رحم الله، يقفون موقفا خيانيا للشعب المصري من أجل مصالحهم الصغيرة، ومنافعهم التافهة، وهم مع بقية اليسار في مصر أثبتوا بما لا يدع مجالا للشك أن ولاءهم ليس للإسلام ولا للأخلاق ولا للحرية، وإنما ولاؤهم لأعداء الأمة والشعب مذ أسس البكباشي حكمه العسكري الإرهابي الذي دفع البلاد إلى أسفل سافلين.
الله مولانا. اللهم فرج كرب الظالمين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!
وسوم: العدد 724