النظام الإيراني يُحذر …. التعليم المدرسي والديني في خطر

في السنوات التي تبعت نجاح الثورة، جهدت إيران في ابتكار ثورة جديدة غير سياسية أطلق عليها الثورة الثقافية“، حيثُ أعطتها أولوية قصوى من خلال تركيز التربية والتعليم في إيران على التربية المذهبية والقومية .

 لعل الدارس لطبيعة المجتمع الإيراني، يلاحظ تلك الملائمة والتوافق القوي بين أهداف التربية والتعليم الإيرانية من جهة وأهداف الثورة الإيرانية وحاجاتها من جهة أخرى، فلقد كانت التربية والتعليم الإيرانية بخلفيتها القومية والمذهبية، وبفلسفتها المستمدة من تعاليم المذهب الشيعي واللغة الفارسية، هي الوسيلة الأولى والأهمّ التي استخدمت لتحقيق أهداف الإيرانيين في انتصار الثورة الإيرانية وبقائها .

 إذا كان من الطبيعي لأيّ دولة أنْ تحشدَ كل ما تستطيع من جهد حتى يمكنها من الاستفادة من كل ما تملك من موارد وطاقات؛ فإنّ تلك الحاجة تشتد أكثر إلى الدرجة التي تصبح عندها قضية حياة أو موت ، وهو الأمر الذي ينطبق على إيران، كيف لا ، وهي الدولة الثورية الشيعية الوحيدة في العالم، حيث تقف على رأسها قيادة ثورية تريد تدجين القوميات والشعوب التي تعيش ضمن مجالها الجغرافي، إضافة إلى امتلاكها موارد كبيرة تسخرها لخدمة أهدافها الثورية، التي تعمل بهدي مذهبي قومي يرسخ لدى مؤسسات التنشئة التعليمية، والنتيجة المحتومة هي أن تركز إيران على الاهتمام بالتربية والتعليم بجوانبها المختلفة كوسيلة أساسية لحسن استغلال مواردها باتجاه خدمة أهدافها السياسية، والقومية، والمذهبية، والتوسعية .

 إذا كان قيام الأسرة بدورها في عملية التنشئة الاجتماعية والتربوية يعترضه العديد من العقبات التي ترجع أساسا إلى الاختلاف القومي المذهبي، العرقي، الطائفي، وهو ما باتت تعاني منه إيران، فإن من المنطقي أن تحاول الثورة الإيرانية تعويض هذا الخلل والقصور بتركيز أكبر على اهتمامها على الدور الذي تلعبه سائر المؤسسات التعليمية ومن أهمها المدارس في التنشئة التربوية باعتبار أن تلك المؤسسات أقرب حالا من حيث إمكانية توجيهها والإشراف عليها مباشرة من الأسرة ،كما أنها يمكن أن تضم خليطا من الطلاب فتلك الأسرة متنافرة الأصول ،وبحيث يمكن أن تصبح المدرسة بوتقة ينصهر فيها الجميع رغماً عنهم ، ولينشأ فيها ذلك التكوين المعرفي المرجو تنشئته، وذلك التكوين الموحد هو الشرط الأول والقاعدة الرئيسية التي يمكن من خلالها الانطلاق بهدف تحقيق أهداف الثورة، وهو ما فشلت إيران من خلاله فشلاً ذريعاً .

 لا شك بأن إيران تبذل محاولات حثيثة لرأب الصدع بين الأقليات التي تعيش داخل الكيان الإيراني، إلا أنه رغم كل هذه المحاولات التي تبذلها السلطات الإيرانية لصهر الشعوب والقوميات في مجتمع إيراني واحد؛ إلا أنها قد فشلت في رأب هذا الصدع والفجوة .

طلاب المدارس الابتدائية لا يعرفون الفارسية :

 باتت تعاني الثورة اليوم – حسب اعتراف خبراء تربويين إيرانيين – من أزمة ثقافية واجتماعية واقتصادية خطيرة، في الوقت الذي تجهد فيه إيران من خلال مؤسساتها التربوية والتعليمية لمحاولة محو الفوارق بين مختلف الأقليات ، فعملت على تنفيذ سياسة (تغريب) نحو الأقليات “الأذر ، البلوش ، العرب… لإزالة هويتهم وطمس كل ما يتصل بها تاريخهاً وثقافياً ، إلا أنها فشلت حسب ما ذكرته مؤخراً.

 فخلال الشهرين الماضيين اعترف قادة تربيون إيرانيون، أن ما بين 60- 65% في المائة من طلاب المدارس الابتدائية في إيران ليسوا فرساً، ولا يتكلمون فيما بينهم إلا بلغاتهم المحلية، وبات من المستحيل استبدال لغة الأم لهؤلاء إلى اللغة الفارسية، وأنه يجب تعليمهم الفارسية من جديد حتى يستطيعوا الانسجام مع أفكار الدولة الإيرانية والتفاعل معها، لهذا لا بد –حسب وجهة نظرهم – تعليم الأطفال اللغة الفارسية كشرط مسبق اجباري لقبولهم في المدارس الإيرانية بهدف تكريس الهوية والفكر والأدب الفارسي.

 وأضافوا أن هذا مدعاة كي يشكون في إخلاص باقي الأقليات الأخرى، فكان لا بد من دمجهم وفقاً لقيم وعادات وتقاليد الدولة ” الفارسية”، وهم لا يستغربون-على سبيل المثال -أن يأتي يوم تنحاز فيه الأقليات إلى خارج الدولة والثورة الإيرانية .

 وعبر هؤلاء القادة التربويين بأنه ليس هناك أدنى شك في أن مستقبل الأمة يتحدد كثيراً بالظروف التربوية التي يتعرض لها الجيل الجديد من أبنائها، إذ أنهم يحذرون من أن شخصية الطالب تتحدد معالمها في السنوات الأولى من التعليم، والتربية هي المسئولة عن توفير أسباب، لكن ما حدث هو العكس تماماً ، حيث لم تتعاون الأسرة مع الدولة والثورة الإيرانية بدليل عدم تعليمهم اللغة الفارسية، مما سيشكل تحدياً خطيراً لإيران . 

 تدرك إيران أنها كبلد يضمُّ شعوب وثقافات متعددة، لكنها تتغاضى كونها بلد يعاني من تمييز عنصري ومذهبي وعرقي وطائفي، بالمقابل لم تستطع من خلال مؤسساتها التربوية أن تعمل على صهر مختلف الأقليات والطوائفـ، ودمجها في وحدة واحدة ثقافية، سياسية، مذهبية، وهذه أحدى أهم التحديات الخطيرة الذي بدأت إيران تتحدث عنه علناً .

 من هنا لم تعد المؤسسات التربوية الإيرانية تُشارك في عملية دمجهم وتربيتهم وفقاً لفلسفة معينه محددة، كذلك فإن طريقة الحياة في إيران لا شك أنها باتت تلعب دوراً معاكساً لما تريده الثورة الإيرانية تماماً .

 هذه التطورات جعلت الدولة الإيرانية تعترف بأنها قد أخفقت في إزالة الفجوة الاجتماعية بين الشعوب والأقليات القاطنة في إيران التي هي شرط لصهر السكان وعزز من الفجوة الثقافية من خلال التمييز الواضح بين الأقليات والمذاهب ما أدى إلى تعميق الهوة الثقافية بين هذه الأقليات التي جاءت نتيجة حتمية لكل ما سبق ذكره، حيث أنه هناك سوراً كبيراً يفصل بين الشعوب التي تعيش في إيران ، وباتوا يعيشون في مستويات ومفاهيم مختلفة، وغير متجانسة تماماً .

أجهزة المخابرات تخترق التعليم والحوزة :

 صرح مسؤولون أمنيون في النظام الإيراني عن وجود معلومات خطيرة تم ّ رفعها إلى المرشد (خامنئيشخصياً، حول اختراق دول وأجهزة استخبارات لمؤسسات النظام والمدارس والحوزات الشيعية، وأنه تم زرع جواسيس وصلوا إلى مواقع متقدمة بهدف إفساد المنظومة الفكرية والتعليمية، وتشويه صورتها، بهدف الإضرار بالثورة الإسلامية وإيقافها ، واقترحوا خطة وطنية شاملة لمواجهة هذا التحدي .

دق ناقوس خطورة الأغلبية السنية :

 برزت حملة مكثفة من جانب مراجع التقليد الإيرانيين مؤخراً للتبيه من خطورة ارتفاع نسبة أهل السنة في المدارس الإيرانية، حيث باتوا يشكلون أغلبية في محافظات عديدة في إيران-حسب مؤشرات رقمية تمَّ نشرها في بعض وسائل الإعلام الإيرانية المحسوبة على التيار المحافظ من ناحية، ومن ناحية أخرى زيادة وتيرة نمو السكان السني بشكل كبير مقارنة بالشيعة الذين بدؤوا سياسة تعقيم الرجال حتى لا ينجبوا نتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية البائسة في مقابل زيادة المواليد السنة بحكم الرغبة في الإنجاب واللجوء إلى تعدد الزوجات، ما جعل خامنئي يدق ناقوس الخطر، ويدعو الشعب الإيراني” الشيعي ” للإنجاب بكثرة لتقوية الثورة ومدها بالعنصر البشري، لكن دعوته قوبلت بالتهكم والسخرية، ما جعل مراجع التقليد الشيعة يحذروا من أن يصبح الشيعة في إيران أقلية مذهبية، وأن السنة سيتحولون إلى أكثرية بعد أقل من عشرين عاماً .

 من هنا فإن المنظرين التربويين قد أعلنوا بشكل واضح عن فشل احتمال الانصهار والامتزاج، وأن توقعات المنظرين للقومية الفارسية احتمال التطبع بالطابع القومي، وأن المجتمع الإيراني قد فشل في النهاية ليكون مجتمعاً قوميا فارسياً، ويعتمدون في تأكيد الرأي على أمرين:

أن المدارس الإيرانية قد فشلت في زيادة التمسك بالعادات والتقاليد القومية الفارسية . أن نظام التربية والتعليم الإيراني قد فشل بطمس قيم وعادات وتقاليد الطوائف والأقليات الأخرى تماماً ، ولم تستطع تغييرهم في المدارس كخطوة أولى لتبدأ من هنا عملية “تفريس ومذهبة الشعوب ” ..

 ويرى أصحاب هذا الرأي أنه من المستحيل إذابة الخلفيات العرقية والطائفية بين السكان الذي يتألف منهم المجتمع الإيراني، ويضيف هذا الرأي أن مبدأ التحدي بين هذه الأعراق والطوائف والمذاهب سيؤدي إلى تمسك كل هذه الأطياف بالعادات والتقاليد الخاصة بها، وهذا سيشكل أكبر تحدٍّ لإيران في المستقبل القريب .

 لا شك بأن إيران قد كرّست أقصى جهودها معتمدة على القومية الإيرانية واللغة الفارسية، ثم المذهب الشيعي، وهي أكثر ما يركز عليه في المدارس، فوضعت كل أجهزة الدولة لتنفيذ هذا الغرض من حيث الإشراف والدعم المادي ليتم مبدأ الانصهار الذي هو شرط لإقامة مجتمع موحد بعيداً عن التناقضات، وهو ما اعترفت إيران بفشله تماماً .

د.نبيل العتوم

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية

مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية