عمرو الشوبكي .. والعبور المعاكس!
كتب عمرو الشوبكي في المصري اليوم 13/9/2017، يعلق على سفر الصحفيّيْن : سليمان الحكيم وجمال الجمل إلى اسطنبول، بعد أن ضاقت بهما الحال في مصر الانقلاب، وأغلقت في وجهيهما سبل الرزق الصحفي، ولم يجدا منبرا صحفيا يرحب بما يكتبانه؛ كما بدا لهما أن الانقلاب العسكري الدموي الفاشي خذلهما في تحقيق أي من الأهداف التي كانا يحلمان بتحقيقها عقب الانقضاض على الشرعية، والإرادة الشعبية، والإعلان بالفم الملآن: نحن شعب، وأنتم شعب!
عمرو الشوبكي ابن النظام العسكري منذ تخرجه في الجامعة، والتحاقه بالعمل الصحفي والبحثي في جريدة الأهرام، وهو معاد للفكرة الإسلامية بكل قوة مثل رفاقه اليساريين وغيرهم في مراكز الأهرام البحثية. وهو تلميذ مطيع في مدرسة الحكم العسكري، لدرجة أنه أحرز حكما قضائيا بأحقيته في مقعد بمجلس النواب الانقلابي، إلا أن النظام العسكري لم يمكنه من هذا المقعد فقبل الأمر مطيعا شاكرا!
مقالات عمرو الشوبكي اليساري في جريدة التاجر الملياردير صلاح دياب، تصب في خدمة النظام العسكري، ومعظمها يدور في هجاء الإخوان المسلمين والتصور الإسلامي، والتشهير بالإرادة الشعبية الحرة التي جاءت بالرئيس المنتخب المسلم.
وهو إذ يتباكى على سفر زميليه سليمان الحكيم وجمال الجمل إلى تركيا؛ فقد كان يتمنى من الحكم العسكري أن يصغي إليهما ويتفاهم معهما بدلا من عبورهما إلى الضفة الأخرى، وظهورهما على الفضائيات المحسوبة على الإخوان المسلمين الذين يمثلون الطرف المعادي لجماهير 30 يونيو و3 يوليو؛ أي الانقلاب. كما يرى أن الزميلين راجعا نفسيهما بعد أن تدنت شعبية الحكم العسكري، بينما الإخوان لم يراجعوا أنفسهم ولم يعترفوا بأي خطأ من أخطائهم..
دعنا أولا نشير إلى خطأ الإخوان الأكبر من وجهة نظر كثيرين، وهو تراخيهم في تطهير البلاد من السلطة العميقة ومؤسساتها التي تحكمت في مصير البلاد والعباد لعقود طويلة، واستولت على مقدرات الشعب الاقتصادية والاجتماعية، وجاهرت منذ اليوم الأول لإعلان فوز الرئيس المنتخب بالعداء السافر للإرادة الشعبية، ومعطياتها.
كان الزخم الثوري عندما تولى الرئيس الشرعي محمد مرسي مسئوليته يمكنه من أن يجعل في مصر سلطة واحدة لا سلطتين، وكان يمكنه أن يذيع صلاة جمعة واحدة رسمية من مسجد واحد بدلا من صلاتين في مسجدين تنقلهما شاشة مقسومة نصفين، أو شاشتين مختلفتين، الأولي للرئيس الشرعي، والأخرى للرئيس الفعلي– أعني وزير الدفاع آنئذ. وكان يمكنه بعدئذ أن يطهّر ما يسمى بالوزارات السيادية والخدمية ويعيد هيكلتها، ليكون الوزير المختص طوع قيادة الرئيس المنتخب، ولكنه تراخى حتى رأينا وزيرا للداخلية لا يرد على هاتفه في ظروف صعبة، وآخرين لا ينفذون أوامره، ووزارة خدمية مثل الثقافة تعلن العصيان والتمرد وتمنع وزيرها من دخول مكتبه!
كان التراخي مشفوعا بفكرة تأليف القلوب التي لا تتألف، في سياق يجعل مذيعا سافلا يخرج على الشاشة يشتم رئيس الجمهورية، وصاحب جريدة طائفي، وصحفيين تربوا في بيئات منحطة يسبونه بأقذع الألفاظ، ويصدر قرارات بإعفائهم من الجريمة لأنه يتصدّق بعِرْضه، فيزداد إغراء الجبناء والمنافقين والأفاقين بمزيد من السفالة والجرأة على مقام الرئاسة.
الأخطر من ذلك هو التعاطف والاستجابة من الرئيس وحزبه مع بعض من لا يستحقون، في مجال الانتخابات النيابية، والمسئوليات التنفيذية والمجالس الاستشارية، وترك المنتمين إلى الفكرة الإسلامية وتجاهلهم تماما لأنهم يترفعون عن الطلب والإعلان عن أنفسهم، لدرجة أن الرئيس حين اجتمع بمن يسمون المثقفين لم يكن من بينهم متوضئ أو ذاكر لاسم الله، بل جمعوا له الحظيرة بكل روثها وتلوثها، وخرج بعضهم ليعلن في وقاحة اللئام أنه لم يعجبه الاجتماع، ولم يستسغ كلام الرئيس، وبعضهم كان مشغولا ببطنه التي لم تملأها رئاسة الجمهورية بالمشروبات أو الحلويات!
لوكان الشيوعيون أو الناصريون أو الليبراليون وأشباههم؛ هم الذين فازوا في الانتخابات النيابية والرئاسية، لما سمحوا لغيرهم بمشاركتهم السلطة في أبسط مجالاتها، ولما استجابوا لأحد من خارج أفكارهم ومعتقداتهم، ولكن الإسلاميين كانوا طيبين جدا مع الأوغاد، وكرماء جدا مع اللئام، وكانت النتيجة أنهم نالوا من الأوغاد واللئام بعد الانقلاب وقبله أشد الإساءات وأحط البذاءات.. هل أذكر أسماء بعضهم الآن وهم يلعقون البيادة صباح مساء، ويكذبون كما يتنفسون؟
على كل؛ فإن الإشادة بسليمان الحكيم الذي ذهب إلى اسطنبول، وظهر على القنوات المصرية هناك، وتغدى مع أيمن نور ونشر صورة لهما على الملأ في شجاعة يغبطه عليها عمرو الشوبكي، يبدو أنها حالت دون أن يسمع ما تهامس به الناس من أن سليمان كان في مهمة رسمية، أو أنه كان ذاهبا ليكتب بعض التقارير على الطريقة الناصرية في الاتحاد الاشتراكي والتنظيم الطليعي ولجنة السياسات.. بالطبع تجاهل عمرو أن من يسافر إلى تركيا يلزمه الخضوع لحساب الملكين في استخراج تصريح السفر من المجمع، والتردد المتكرر على مكتب التصاريح، والذهاب إلى الجهة الأمنية المختصة لمساءلته والنبش في تاريخه، ثم التوقيف والمساءلة عند العودة، ويبدو أن سليمان الحكيم تجاوز كل ذلك بسلاسة ليتوّجه عمرو بطلا شعبيا في العداء للإخوان والثبات على ناصريته المؤيدة للحكم العسكري الدموي الفاشي مثله!
ويبشرنا عمرو أن جمال الجمل على الطريق نفسه، وسيعود ثابتا على مبادئه وأفكاره اليسارية المعادية للتصور الإسلامي، والموالية للعسكر شرط أن يفتحوا حنفية الحرية قليلا من أجل الفضفضة التي لا تضر!
ويبدو أن عمرا يعيش في متاهة التضليل الانقلابية حين يرى أن الشعب هو الذي أسقط الديمقراطية ورئيسها المختطف قسريا دون أن تتاح له حقوق المختطفين في أبشع الظروف، ويتصور أن هوجة مظاهرات مأجورة يمكن أن تقود إلى تغيير النظام الشرعي الديمقراطي بالقوة، دون الرجوع إلى صندوق الانتخابات الذي جاء بالرئيس ونواب الشعب في اقتراع نزيه غير مسبوق؛ وقف الناس من أجله طوابير استغرقت ساعات طويلة. ثم أية مظاهرات شعبية هذه التي تقسم الشعب إلى قسمين: نحن شعب وأنتم شعب. لنا رب ولكم رب؟
كيف يخاف من صندوق الانتخابات من يزعم أن الشعب أسقط الشرعية؟ أتمنى أن يعلم عمرو الشوبكي أن حواجز الانقسام التي تعمقت بين الشعب ومن سطوا على إرادته، لم تكن بفعل خطاب الشماتة الإخواني كما يزعم، ولكنها تعمقت بفعل خطاب الكراهية الانقلابي الذي يشارك فيه عمرو بجريدة التاجر الملياردير، وعمليات القتل الممنهج، والاختطاف القسري، وحشو السجون بأكثر من ستين ألفا من أشرف الناس وأنبلهم.
الله مولانا. اللهم فرج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!
وسوم: العدد 741