النقد المتبادل بين المدرسين وآباء وأولياء التلاميذ
النقد المتبادل بين المدرسين وآباء وأولياء التلاميذ بخصوص حجم أو كم الإعداد القبلي أو الواجبات المنزلية التي يكلفون بها يوميا
من القضايا التي يقع فيها خلاف بين آباء وأولياء المتعلمين وبين المدرسين قضية الإعداد القبلي أو الواجبات المنزلية التي يكلف بها المتعلمون يوميا وطيلة أيام الأسبوع الدراسي . وأود في البداية الوقوف عند الدلالة اللغوية للعبارتين : إعداد قبلي " و " واجبات منزلية " فالعبارة الأولى تتبناها الوزارة الوصية على قطاع التربية والتعليم في وثائقها ،وهي متداولة بين المدرسين والمشرفين التربويين ، وتكون أحيانا موضوع ندوات ولقاءات تربوية ونقاشات بينهم . وهذه العبارة توحي بأن الدرس الذي يقدم في الفصل الدراسي له بداية في منازل المتعلمين الذين يعدونه إعدادا قبليا ، الشيء يوحي بأن المؤسسات التربوية تحمل الآباء والأولياء مسؤولية هذا الإعداد القبلي للدروس . وكثيرا ما تستدعي هذه المؤسسات الآباء والأولياء بطلب أو بإلحاح من المدرسين لتخبرهم بإخلال أبنائهم بواجب الإعداد القبلي للدروس ، وبعبارة أخرى لتلومهم على تقصيرهم في واجب مراقبتهم . وأما عبارة " الواجبات المنزلية " فليست واردة في وثائق الوزارة الوصية بل هي عبارة متداولة بين المدرسين والآباء والأولياء والمتعلمين . ولفظة " واجبات توحي بإلزاميتها ، كما أن لفظة " منزلية " توحي بالجهة المسؤولة عنها . وتقتصر مهمة الإعداد القبلي أو الواجبات المنزلية بالنسبة للمدرسين عند حد تكليف المتعلمين بإنجاز تمارين أو الإجابة عن أسئلة قد تكون في ثنايا الكتب المدرسية، فيكتفون بتعيينها بالأرقام التي تحملها ، وقد تكون مراقبتها بعد إنجازها مراقبة جادة ، وقد تكون مجرد مراقبة عابرة لا تتجاوز تصفح الكراسات أو إلقاء نظرة خاطفة عليها . ومقابل هذا تكون مهمة الآباء والأولياء أكبر من مهمة المدرسين، والتي تبدأ بسؤال أبنائهم عن الواجبات المنزلية أو بإبلاغ الأبناء عنها ، ثم المشاركة في إنجازها بشكل أو بآخر حسب مستوياتهم المعرفية ووفق ما تقتضيه مستويات أبنائهم التعلمية . وإذا كانت بعض مؤسسات التعليم الخصوصي تزود المتعلمين بما يسمى الورقة الأسبوعية، وهي ورقة الإعداد القبلي أو الواجبات المنزلية لأنها تعتبر نفسها مسؤولة أمام الآباء والأولياء الذين يدفعون لها واجبات شهرية ، فإن مؤسسات التعليم العمومي تستغني عن تلك الورقة ، وتكتفي بمطالبة المتعلمين بتلك الواجبات عبر دفاترهم أو كراساتهم .
والمشكل الذي يطرحه الإعداد القبلي أو الواجبات المنزلية هو غياب التنسيق بين المدرسين في مختلف المواد بحيث يكلف كل مدرس تلاميذه بقدر من الواجبات اليومية دون التفكير في ما يكلفهم به غيره من الواجبات ، فتكون النتيجة تراكم كم معتبر من الواجبات اليومية تستغرق وقتا معتبرا قد يمتد إلى منتصف الليل أحيانا حسب وتيرة اشتغال المتعلمين ومستوياتهم ، وحسب دور الآباء والأولياء في الإنجاز ، وهو ما لا يبالي به المدرسون، وقد لا يخطر ذلك على بال بعضهم باستثناء الذين لهم أبناء يعودون إليهم كل مساء بكم من تلك الواجبات التي تقلقهم كآباء . ومما يزيد من قلق الآباء والأولياء أيضا أن فترة الدراسة اليومية لا تقل عن ست ساعات في المؤسسات التربوية ثم تستمر بعد ذلك في المنازل لفترة لا تقل عن ثلاث ساعات في أحسن الأحوال ، وقد تمتد إلى نفس حصة الدراسة في المؤسسات التربوية حسب حجم أو كم الواجبات المنزلية فتصير في بعض الأحيان فترة الدراسة بين المؤسسات التربوية والمنازل هي نصف يوم ست ساعات منه نهارا ، وست ساعات ليلا ، وهو ما يرهق الأبناء والآباء والأولياء على حد سواء . وبسبب الإعداد القبلي أو الواجبات المنزلية يندلع خلاف حاد بين المدرسين والآباء والأولياء ويحاول كل طرف أن ينحي باللائمة على الطرف الآخر ، ويحمل كل طرف للآخر فشل الأبناء في تعلمهم ، ومن ثم فشل العملية التعليمية التعلمية . وغالبا ما تنحاز الإدارة التربوية إلى المدرسين ، وتلوم الآباء والأولياء على إهمالهم أبناءهم وعدم إلزامهم بإنجاز واجباتهم المنزلية وعدم حرصهم على ذلك . ويفضل كثير من الآباء والأولياء أن يصرف أبناؤهم الوقت الذي تستغرقه الواجبات المنزلية اليومية في الاستفادة من دروس ليلية خصوصية أو دروس دعم وتقوية لأنهم لا يثقون كامل الثقة فيما تقدمه المؤسسات التربوية لأبنائهم أو يعتبرونه دون ما يرغبون فيه . وعندما تجتمع الدروس الخصوصية أو دروس الدعم والتقوية مع الواجبات المنزلية على المتعلمين ترهقهم ، وتجعلهم ينفرون من الدراسة نفورا شديدا ، وقد يعبرون عن تذمرهم من ذلك عن طريق التماس الراحة خلال فترات الدراسة الرسمية بالمؤسسات التربوية ، وهو ما يشكو منه المدرسون في الغالب دون معرفة الأسباب الكامنة وراءه ، وغالبا ما يعبر المدرسون عنه بانعدام الرغبة لدى المتعلمين في الدراسة دون وعي منهم بدور الواجبات المنزلية والدروس الخصوصية باعتبار ما تستهلكه من وقت في التأثير السلبي على المتعلمين وصرفهم عن الدراسة والرغبة الجادة فيها .
ويشكو كثير من الآباء والأولياء خصوصا الذين يتابع أبناؤهم دراستهم في مؤسسات التعليم الخصوصي من الإرهاق الذي يعانون منه بسبب انخراطهم في مساعدة أبنائهم على إنجاز الواجبات المنزلية اليومية ، وما تستغرقه من وقتهم . ومما يزيد من تذمرهم أنهم يصرفون مبالغ مالية على دراسة أبنائهم ، وفيهم من يرى أن صرف تلك المبالغ يجب أن تعفيهم من تحمل مسؤولية الواجبات المنزلية لأنهم في اعتقادهم يقايضون تعلم أبنائهم بالمال ، بل منهم من يحاسب مؤسسات التعليم الخصوصي على ضعف نتائج الأبناء التي لا ترقى إلى مستوى ما ينفقونه من مال . ولا يختلف حال الآباء والأولياء الذين يتابع أبناؤهم دراستهم في مؤسسات التعليم العمومي في الإنحاء باللائمة على المدرسين الذين يتقاضون أجرا وفي نفس الوقت يحملونهم مسؤولية الواجبات المنزلية المرهقة لأبنائهم ، والمقلقة لهم .
وقد يحتج بعض الآباء والأولياء بنماذج الدراسة في دول متقدمة لا وجود فيها لما يسمى واجبات منزلية ، ومع ذلك يحقق المتعلمون نتائج باهرة ، ودولهم توجد في مقدمة الركب الحضاري . ويرد المدرسون بالقول على ذلك بأن تلك الدول توفر من الظروف والإمكانيات لتعليم أبنائها ما يجعلهم في غنى عن الواجبات المنزلية لأنها تبني مناهجه الدراسية بناء علميا متقنا ، ولا تغامر كما تفعل وزارتنا بالمناهج المرتجلة وغير المضبوطة علميا .
و هكذا يستمر عندنا تبادل النقد بين الآباء والأولياء والمدرسين دون أن يقر أي طرف بدوره ومسؤوليته بخصوص الواجبات المنزلية . ولا تعقد لقاءات بينهم لتدارس مشكل هذه الواجبات من أجل الاتفاق على حد أدنى منها لا يرهق الأبناء ولا يشغل الآباء والأولياء ، ويحقق ما يروم منه المدرسون . ومن العبث وهدر الوقت أن يثقل كاهل المتعلمين بواجبات منزلية لا طائل من ورائها ، ولا تستثمر في الدراسة داخل الفصول ، ولا تراقب بجدية ، ولا تحتسب وتقوّم كأنشطة مندمجة ، ولا تخصص لها نسب معينة ضمن نقط المراقبة المستمرة والاختبارات . ومن العبث ألا يبنى الإعداد القبلي بناء هادفا ، فيحال المتعلمون بطريقة آلية على أسئلة الكتب المدرسية ، وهو ما لا يكلف المدرسين سوى الإشارة الشفوية إليها ، وقد يحال المتعلمون في بعض الأحياء على بعض الأسئلة التي لا يتعرض لها الدرس أصلا ، فتذهب جهود المتعلمين سدى ودون جدوى.
وأخيرا نتساءل هل ستلتفت الوزارة الوصية إلى مشكل موضوع الواجبات المنزلية ، وتحيل القضية إلى ذوي الاختصاص والخبرة للبث فيها أم أن هذا المشكل سيظل قائما يعاني منه المتعلمون وأولياء أمورهم إلى ما لا نهاية ، ويظل الخلاف قائما في شأنه بينهم وبين المدرسين ؟؟؟ ونأمل أن تهتم بهذا الأمر جهات أخرى لها قد يكون لها تأثير للبحث عن حل لهذا المشكل .
وسوم: العدد 753