هكذا نصنع الطاغية
[ من كتاب: "العبيد والعبودية الاختيارية"، للدكتور: نور الدين الحيالي ]
في إحدى أيام الجُمَع وصل الرئيس البوسني "علي عزت بيجوفيتش" إلى الجامع متأخراً لأداء صلاة الجمعة، وكان قد اعتاد الصلاة في الصفوف الأمامية، ففتح له الناس الطريق باهتمام مبالغ فيه وغير طبيعي ليصل إلى الصف الأول، وهو يرفض ذلك، فاستدار إلى المصلين وقال لهم بغضب:
هكذا تصنعون طواغيتكم!!.
إن السيد علي عزت بيجوفيتش أراد أن يعلّم شعبه أن هذا التصرف والاهتمام المبالغ فيه هو الذي يصنع الطغاة، فخاف أن يكبر عندهم ويتوسّع، فهناك فرق بين الاحترام والتوقير وإنزال الناس منازلهم، وبين المبالغة في الاحترام والاهتمام غير الطبيعي الذي يُخشى أن يتحول إلى نوع من العبودية فينفخ في كبرياء الحاكم ويحوّله إلى طاغية، فكان حساساً جداً من أي مظهر يؤدي إلى تعظيم الحاكم، فأراد أن يعطيهم درساً عملياً، وإن كان بعض الناس يظنُّ أن تصرف المصلين دليلاً على الاحترام والوفاء لهذا الرجل الذي دافع عن قضيتهم.
إن القرآن الكريم وصف فرعون الطاغية في سورة الزخرف قائلاً:
(فاسْتخفَّ قومَهُ فأطاعوه. إنّهم كانوا قوماً فاسقين). {سورة الزخرف: 54}.
لقد طغى فرعون في الأرض وتجبّر، إلا أن قومه كانوا يصفقون له، رغبة ورهبة، فيوافقونه في أعماله، ويُظهرون له الولاء، ويُطيعونه رغم إفساده في الأرض، فكانت مظاهر الخنوع هذه مدعاة له لأن يستخف بعقول هؤلاء القوم الذين أطاعوه في المنكر، فلا يُقيم لهم وزناً، ولا يعبأ بوجودهم، فازداد طغياناً وتجبّراً.
وسوم: العدد 997