الخيار الوسطيّ في فهم الإسلام وفي الدّعوة إليه
[من ورقة الأستاذ فتح الله أرسلان للقاء التشاوري بماليزيا في 14 و15 /3/2015. والأستاذ فتح الله مفكّر مغربي، ونائب الأمين العام لجماعة العدل والإحسان]
إنّ الوسطية هي الخيرية في فهم الدعوة وفي حملها وفي تبليغها وفي تنزيلها في أرض الواقع رفقاً وحِلماً ومحبة. أما التطرف فهو يعطي صورة مشوهة عن الدين الصحيح.
ويمكن أن يكون التطرف قد نبت في أرض الدعوة بطريقة عفوية كما تنبت النباتات الطفيلية الضارة أينما وكيفما اتفق، ولكننا لا يمكن أن نسلم بأن تطور التطرف وانتشاره تم بطريقة عفوية، بل تمت تغذيته على مدى عشرات السنين بالدعم المالي وبالخبراء للتشويش على الصحوة التي عرفها الإسلام الوسطي على امتداد العالم الإسلامي مع إطلالة القرن الخامس عشر الهجري.
غير أن الأنظمة التي شجعت التطرف وتشجعه وتغذيه تنسى أنه سلاح ذو حدين، وسحر ينقلب في نهاية المطاف على الساحر نفسه، وأنها تستطيع التحكم في مقدماته ولكنها لا تستطيع التحكم في نتائجه. ولهذا تضخم هذا التطرف حتى أصبح في بعض الأحيان أقوى من الدول، بل هو يسعى الآن أن ينتقل من مجرد ظاهرة إلى كيان قائم بذاته.
إن الجهود المبذولة لمواجهة التطرف لا يمكن أن تنجح إلا إذا تمت تقوية المؤسسات والحركات الوسطية، أو على الأقل عدم عرقلتها.
كما أن هذه المؤسسات والحركات لا تستطيع المضي قدماً إلا إذا جمعت ووازنت بين الاهتمام بالشأن العام تواصلاً مع الناس في منتدياتهم وواقعهم وحملاً لهمومهم، وبين الاهتمام بالإنسان دعوة وتربية وتعليماً وتزكية.
على أنه من ناحية أخرى يمكن أن نؤكد أن اتساع مساحة القضايا التي تمثل مظلومية الأمة (احتلال فلسطين وتحيز المنتظم الدولي للكيان الصهيوني، والتهجم على مقدسات المسلمين في دول الغرب، والإسلاموفومبيا، وازدواجية المعايير في عمل المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ودعم القوى العالمية للديكتاتورية في بلاد المسلمين)... كل هذه القضايا تشكل بيئة مناسبة ومسوغات لتطور التطرف ونموه.
وسوم: العدد 996