الأخوّة قوّة فاحرص عليها
[باختصار، من كتاب الجهاد، للدكتور محمد نعيم ياسين، ص 108-111]
الإيمان الصادق يثمر شعوراً بالأخوّة لجميع المؤمنين، فيربط بينهم برباط قوي لا يُفْصَم، كما قال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة). {سورة الحجرات: 10}.
فكل عبد شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يصبح أخاً لجميع من قالها قبله، وكل من يقولها بعده، ويكون له بها جميع حقوق الأخوّة وواجباتها تجاه إخوته.
وهذه العلاقة التي يبنيها الإيمان بين المؤمنين تزيد من قوتهم أفراداً وجماعة أضعافاً مضاعفة. وقد أشار إلى هذا المعنى قول الله تعالى: (هو الذي أيّدكَ بنصرِهِ وبالمؤمنين). {سورة الأنفال: 62}. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً". رواه البخاري ومسلم والترمذي.
وجماعة المؤمنين تصبح بهذه العلاقة الربانية قوة متماسكة في وجه الشر والباطل، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". متفق عليه.
ذلك أن الأخوّة التي يثمرها الإيمان ليست مجرد شعار أو عنوان، وإنما هي علاقة يعقدها الله سبحانه بين عباده المؤمنين، ويكلفهم بحقوقها تجاه بعضهم بعضاً، وبذلك تمد هذه العلاقة المؤمنين بأسلحة مؤثرة في مواجهة الكفر والطغيان.
وهذه الحقوق التي تولدها الأخوّة الإيمانية هي في حقيقتها وسائل تقوية للجماعة المؤمنة، وهي كثيرة، فصّلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث، منها ما هو وقائي حافظٌ للجماعة من عوامل الضعف والوهن، ومنها ما هو إيجابي يزيد في قوة الجماعة وتأثيرها.
ومن الأول ما ورد في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبعْ بعضكم على بيعِ أخيه، وكونوا عباد الله إخواناً. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقِره ولا يخذُله، التقوى ههنا [ويشير إلى صدره ثلاث مرات]، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعِرضه". رواه مسلم.
ومن الثاني قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه". متفق عليه.
ومما جمع النوعين في كلمات بليغة موجزة قوله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاكَ ظالماً أو مظلوماً. فقال رجل: يا رسول الله، أنصره، إذا كان مظلوماً، أرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره". رواه البخاري.
وفي هذا المقام أذكّر الأخ المسلم بأن مضمون الأخوّة الإيمانية لا يتحقق بين المؤمنين إلا بولاية بعضهم بعضاً، وقطع كل ولاية لعدوّهم. ولذلك فإن الله عز وجل قرر في كتابه الكريم أن من أهم صفات الجماعة المؤمنة أن بعضهم أولياء بعض، قال عز وجل: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله. إن الله عزيز حكيم). {سورة التوبة: 71}. فانظر كيف قدّم الله تعالى هذه الصفة على الوظائف الأخرى التي كلّف الفئة المؤمنة أن تقوم بها، فالنص يطلب من المؤمنين أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر... من منطلق تولّي بعضهم بعضاً.
كما يجب على المؤمنين في بقاع الأرض أن يبحثوا عن بعضهم بعضاً ويتجمعوا. لأن حقيقة الولاية لا تتحقق إلا بهذ ا، وخاصة أن أعداءهم لا يواجهونهم متفرقين، وإنما من خلال جماعات منظمة لها أمراء وخطط جماعية، مصداقاً لقوله تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض). {سورة الأنفال: 73}.
فيا أيها الأخ الداعية، عليك بإخوانك المسلمين، ابحث عنهم، وانضم إلى ركبهم، حتى يكون جهدك في الدعوة مثمراً ومباركاً.
وسوم: العدد 1001