حكاية للأطفال / لآلىء الدمع
عاش في خالي الزمان إنسان ، ربما كان امراة ، ربما كان فتى ، لا ندري على وجه اليقين ، ويقال إنه سار في الصحراء ، نعم في الصحراء ، على قدميه ، وبكى ، وبكى دون انقطاع ، أحيانا برقة ، وأحيانا بقوة ، لكنما دون انقطاع ، على وقع خطاه فوق الرمال . وفي يوم جاز طائر في جو الصحراء المترامية ، فسأله : ماذا تفعل وحيدا في الصحراء ؟!
فرد : أمشي وأبكي .
وسقطت من عينه دمعة كبيرة التقطها فورا ، فسأله العصفور : لم أنت حزين جدا ؟!
_ لست حزينا .
إذن لم تبكي ؟!
فقال ملتقطا الدمعة الرقيقة المتألقة : انظر ! دموعي تصير لآلىء . في جيبي منها آلاف .
تريد رؤيتها ؟!
وأدخل يده في جيبه المنتفخ ، وأخرج منها حفنة متألقة .
فقال العصفور : ما أجملها!
_ اختر منها واحدة إن شئت !
_ لهذا لا تتوقف عن البكاء ؛ لتحصل على المزيد والمزيد من اللآلىء .
_ تماما . هيا اختر منها ما تشاء !
_ أريد هذه بقوة . هي ليست الأكبر ، لكنها الأكثر تألقا .
_ أحسنت الاختيار . وداعا !
_ وداعا !
وأخذ العصفور اللؤلؤة التي صارت كنزا في منقاره ، وطار مبتعدا ، مرة يبطىء ، ومرة يسرع ، واستأنف الباكي أناته وخطواته البطيئة . وبعد أن ابتعد العصفور كثيرا نزل على الأرض ، وأخذ يتفحص اللؤلؤة النفيسة ، وحدث نفسه بأنه يريد احتياز لآلىء أخرى ، وهو لا يريدها أكبر ، يريد بعضها فقط ليهديها إلى طيور أخرى . وكان أن ارتد على آثاره قصصا نحو الباكي الذي غادره ، فبصربه من بعد مثقلا بجيبيه الكبيرين المنتفخين باللآلىء ، ورآه يعجز عن نقل قدم قبل الأخرى حتى جثا على ركبتيه ، ثم إنه سحب رجليه ، وتابع بكاءه ، والتقاط لآلىء الدمع ووضعها في جيبيه .
فقال له العصفور : كف عن البكاء ! دموعك تمنع تقدمك .
فرد : لا أستطيع وقفها . لا أستطيع .
وسقطت دمعتان كبيرتان ، فالتقطهما ، وأردف : مع كوني منهكا جدا إلا أن العادة تحكمني .
لا أستطيع الكف عن البكاء .كلا .
وفجأة شق العصفور شقا في أحد جيبي الباكي بضربة قوية حادة من جناحه ، ثم شق الجيب الثاني ، فأعانه على النهوض والمشي ثانية ، وشجعه بغنائه ورفرفة جناحيه . وأخذت اللآلىء تنثال من الجيبين المثقوبين واحدة ، واحدة ، فارتسم منها على الرمل درب لامع ، ومضى الباكي وانيا خطوة فخطوة حتى فرغ جيباه ، وهدأ نبع عينيه وغار ، فشعر بالسعادة ، وخفت رجلاه ، فطار مع العصفور . وصار الناس في الصحراء المترامية يرون دربا من اللؤلؤ لا يفضي إلى أي مكان ، وإذا رفعوا أبصارهم رأوا إنسانا طائرا مع عصفور ، ربما يكون امرأة أو فتى ، من يدري ؟!
*للفرنسية سابين دالين .
وسوم: العدد 796