مؤشرات اندماج الصراعين السوري والعراقي
مايكل نايتس*
انتقل الصراع في سوريا خلال الأسبوع الماضي إلى العراق بطرق غير مسبوقة. ففي 2 آذار/مارس، أصبح "معبر اليعربية" الحدودي مسرحاً للقتال بالأسلحة الثقيلة، مما أجبر قوات النظام المدافعة عن الموقع على الانسحاب إلى داخل العراق ودفع قوات الأمن العراقية إلى فتح النيران على ثوار "الجيش السوري الحر". وبعدها بيومين، تعرض موكب أفراد عسكريين سوريين لكمين في شرق العراق أثناء عودتهم إلى وطنهم، مما أدى إلى وفاة واحد وخمسين سوري وعراقي. وسواء شن هذا الهجوم مقاتلون سوريون دخلوا العراق أو مقاتلون قائمون داخل العراق من المتعاطفين مع الثوار، فإن التداعيات واضحة وجلية: وهي أن الحدود لم تعد تمثل عقبة أمام انتشار الحرب. وفي الوقت الذي تشتد فيه التوترات الطائفية داخل العراق، فإن آخر ما تريده البلاد هو أن تصبح مشاركاً نشطاً في الصراع السوري الذي يكتسي بصبغة طائفية متزايدة.
الخلفية
لقد سعت الحكومة العراقية بقيادتها الشيعية منذ فترة طويلة إلى تسوية الأزمة في سوريا عن طريق التفاوض على نحو يحول دون تحقيق الثوار السنة لانتصار كامل، وهو ما يتوافق عن قرب مع مواقف الدول الأخرى المؤيدة للأسد مثل إيران وروسيا. لقد عملت العراق على تزويد النظام بدعم هائل غير مباشر لتعزيز قدرته العسكرية المتضائلة، وقد تم استغلال الطرق والمجال الجوي العراقي لنقل الأسلحة من إيران إلى سوريا. كما أن بغداد غضّت الطرف عن حركة المسلحين الشيعة العراقيين عبر الحدود الذين يقاتلون إلى جانب النظام فضلاً عن متطوعي «حزب الله» اللبنانيين (على سبيل المثال، وجود "كتيبة أبو الفضل العباس" بالقرب من منطقة "السيدة زينب" في سوريا).
وفي الوقت ذاته أدان المسؤولون العراقيون الدعم الخارجي للثوار السوريين. ففي 22 شباط/فبراير، وجه وزير النقل هادي العامري (قائد منظمة بدر الشيعية) اتهامات إلى تركيا وقطر بتسليح "جبهة النصرة"، وهي لواء من الثوار تابع لـ تنظيم «القاعدة في العراق». وهو يرى أن توفير "المال والسلاح للقاعدة [في سوريا] يعد بمثابة إعلان عمل عسكري ضد العراق". وفي 27 شباط/فبراير، حذر رئيس الوزراء نوري المالكي قائلاً "إذا انتصرت المعارضة، فسوف تندلع حرب أهلية في لبنان، وستحدث انقسامات في الأردن، فضلاً عن اندلاع حرب طائفية في العراق".
وبالإضافة إلى انتشار التخوف من رد الفعل المعاكس من الدول السنية ضد العراق الخاضع لحكم الشيعة، فإن المشهد القاتم بشأن المعارضة السورية أصبح يكتسي بتوترات سياسية متصاعدة مع العرب السنة في الداخل. فقد ارتفعت بكثرة اللافتات والشعارات المؤيدة لـ "الجيش السوري الحر" في العديد من الاحتجاجات المناهضة للمالكي في محافظة الأنبار، كما اعترفت الحكومة العراقية منذ فترة طويلة بالروابط العاطفية وشبكات التهريب القائمة بين السوريين والعراقيين على طول "وادي نهر الفرات" و"صحراء الجزيرة".
العنف على الحدود
في بداية تموز/يوليو 2012، نشر الجيش العراقي موارد إضافية لدعم مواقعه على الحدود السورية. وفي الأنبار، تم إرسال وحدات من اللواءين الثامن والعشرين والتاسع والعشرين والعديد من سرايا الصاعقة إلى قواعد دوريات بالقرب من الحدود، بينما تم نقل عناصر من اللواء الثامن والثلاثين من محافظة ذي قار الجنوبية إلى "معبر ربيعة" الحدودي (الجانب العراقي من "معبر اليعربية" الحدودي) في شمال غرب محافظة نينوى. وبالإضافة إلى الدفاع عن المدن الحدودية من انتشار عدوى العنف، كان الهدف من عمليات الانتشار هذه تضييق الخناق على التعاون الحدودي بين القبائل العراقية والثوار السوريين وكذلك تيسير مرور المعونات العسكرية إلى النظام في دمشق.
تُظهر الأحداث الأخيرة في منطقة الربيعة كيف أن الوضع الحدودي أصبح أكثر هشاشة، مع دخول قوات الجيش العراقي في مصادمات مسلحة أكثر تكراراً مع الثوار السوريين. إن القوات التي يهيمن عليها الشيعة في منطقة الربيعة تعد جديدة نسبياً على المنطقة وتعرضت بشكل متكرر للاستهداف من قبل تنظيم «القاعدة في العراق»، بما في ذلك عن طريق تفجير سيارة انتحاري في تشرين الثاني/نوفمبر أدى إلى إصابة ستة أفراد. وبالإضافة إلى ذلك، قُتل سبعة جنود عراقيين وأُصيب اثنان وعشرون خلال السنة الماضية في تبادل لإطلاق النيران عبر الحدود أو في مواجهات مع المهربين. كما قُتل جنديان مؤخراً في تبادل لإطلاق النيران على الحدود في 2 آذار/مارس. وفي ذلك اليوم أصابت قذائف هاون أُطلقت من سوريا مواقع عراقية، كما أطلق القناصة العراقيون وأطقم الهاون النار على ثوار "الجيش السوري الحر" الذين اقتربوا من "معبر ربيعة" الحدودي بعد أن لاذت قوات الحكومة السورية إلى هناك. وفي اليوم السابق، تسبب صاروخ مدفعية أرض- أرض كبير أُطلق من سوريا -- وصفه المتحدثون الرسميون العراقيون بأنه صاروخ "سكود" يحمل "رأساً حربياً وزنه نصف طن" -- في حدوث فتحة بعمق ثلاثة أمتار شرق ربيعة، على بعد أقل من أربعين ميلاً من مدينة الموصل ثالث أكثر المدن اكتظاظاً بالسكان.
وقد كان حادث يوم الاثنين صادماً بصفة خاصة -- حيث تم إرسال القوات السورية التي دخلت إلى العراق في 2 آذار/مارس إلى "معبر الوليد" في شرق الأنبار من أجل إعادتهم إلى وطنهم، لكن موكبهم تعرض لكمين بقنابل مزروعة على جانب الطريق وقذائف هاون ونيران أسلحة صغيرة بعد فترة وجيزة من وصوله إلى الموقع العراقي. وذكرت التقارير أن اثنين وأربعين جندياً سورياً وتسعة من المرافقين العراقيين لقوا حتفهم.
ويمثل الهجوم عدداً من السوابق في المنطقة. إذ أن منطقة الرطبة في محافظة الأنبار هي مركز للشاحنات على الطرق المؤدية إلى سوريا والأردن، وقد عاود تنظيم «القاعدة في العراق» الظهور هناك مجدداً منذ عام 2010. كما كانت منطقة الصحراء الغربية غير الخاضعة للسيطرة مسرحاً للعديد من الأحداث المروعة، أبرزها اكتشاف قطع رؤوس ثلاثة مشايخ بارزين في تموز/يوليو 2011 وتفجيرهم لمنع دفنهم، ومجزرة أيلول/سبتمبر 2011 لواحد وعشرين حاجاً شيعياً كانوا يستقلون حافلة في النخيب. وربما يشير الترتيب المسبق لكمين 4 آذار/مارس أن المواكب السورية أمر منتظم الحدوث في المنطقة، وأن المهاجمين تلقوا معلومات مسبقة من مصادر محلية في صفوف السكان المحليين أو قوات الأمن.
التداعيات على سياسة الولايات المتحدة
من الواضح أن اندماج حركات التمرد السورية والعراقية سيضر بمصالح العراق وسوريا والولايات المتحدة على حد سواء. لذا يجب على واشنطن أن تُشرك بغداد لمنع انتقال الحرب من سوريا إلى أكثر من ذلك داخل العراق، وهو ما قد يبث الحيوية مجدداً في تمرد العرب السنة المحتضر. وعلى وجه الخصوص، يجب على واشنطن أن تذكِّر بغداد بقوة بالتبعات المزعزعة للاستقرار في حالة المبالغة في ردود فعل القوات الحكومية أو الجماعات الشيعية، لا سيما لو أخذوا إجراءً ضد مجتمعات السنة الداخلية في محاولة لاستئصال الجهاديين العراقيين والسوريين.
كما ينبغي على واشنطن أن تُحجِّم من رواية بغداد المتصاعدة بشأن احتجاجات السنة في العراق ووصفها بأنها مجرد "انتشار للعنف من سوريا"، وهي رواية أعلن عنها مستشار الأمن القومي فالح الفياض في 25 شباط/فبراير. فتصريحه بأن "الانقسامات في سوريا قد تؤثر على وحدة العراق" تخفي وراءها حقيقة أن فشل بغداد في دعم المصالحة الطائفية منذ عام 2009 كان محفزاً رئيسياً لغضب السنة وأن ذلك الوضع يجب تصحيحه. إن الموجة الحالية من الاعتقالات "الوقائية" في أجزاء يقطنها السنة في العاصمة وحولها لا تعمل سوى على زيادة مخاطر انتشار العنف التي حذر منها الفياض. وسوف يطمئن مجتمع السنة لو تعاملت بغداد بحزم مع الجماعات الأمنية الشيعية الجديدة، مثل "جيش المختار"، التي تسعى إلى استغلال الخوف الطائفي المتزايد داخل المجتمع الشيعي من خلال التهديد بتطهير المناطق المختلطة من السنة.
كما قد تأتي لحظة انفجار حقيقية بعد الإطاحة بنظام الأسد، حيث قد تتصادم حينها فرحة السنة العراقيين مع القمع الحكومي في بغداد والمناطق المحيطة. ولو جاءت تلك اللحظة، يجب أن يكون القادة والدبلوماسيون الأمريكيون على استعداد لتكريس جهودهم لدى الحكومة العراقية في وقت سيتجه فيه جُل الاهتمام إلى الأحداث الجارية في سوريا. وستحتاج واشنطن أيضاً في ذلك السيناريو إلى الضغط على الفصائل في سوريا ما بعد الأسد لعدم التدخل في العراق.
* مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن ومقره في بوسطن.
المصدر : معهد واشنطن