أربعة أسباب لبقاء الأسد حتى الآن
أربعة أسباب لبقاء الأسد حتى الآن
فورين بوليسي
ترجمة: راندا سليم
في 18 أغسطس 2011 أصدر الرئيس باراك أوباما بيانا مكتوبا أعلن فيه :" أنه و من أجل الشعب السوري, فإن الوقت قد حان لكي يتنحى الرئيس الأسد". لقد كان ذلك البيان هو الدعوة الصريحة الأولى للرئيس السوري لكي يتنحى, و لكن اليوم و بعد 425 يوما على ذلك, فإن بشار الأسد لا زال في السلطة. و كما صرح للتلفزيون الروسي فإنه "سوري: و قد ولدت في سوريا. و علي أن أعيش في سوريا و أموت في سوريا".
حتى ما كان في البداية انتفاضة سلمية تحولت إلى تمرد مسلح, و قد أثبت النظام السوري وجود مرونة كبيرة لديه. إن النظام لا زال يقاتل في كل مركز حضري في البلاد. و بينما نجح المتمردون في تحرير أراض في محافظات سوريا الشمالية, فإنهم لا يسيطرون على مدينة رئيسة واحدة. و على خلاف باقي الدول العربية, حيث أسقط المستبدون من خلال ثورات شعبية, فإن نظام الأسد لا يظهر أية علامة على السقوط.
و على خلاف ليبيا أيضا, فإن المصالح التنافسية للاعبين الإقليميين و الدوليين قد منعت التدخل العسكري الخارجي. و لكن قوة النظام و انقسام القوات المعادية للأسد لعبت دورا مهما في تثبيط التدخل الأجنبي المباشر. و إليكم هنا أربعة أسباب تبرر بقاء الأسد في السلطة.
1- الحلقة الداخلية للنظام لم تتصدع لحد الآن. في يوليو, شهدت الحلقة الداخلية للأسد ضربة حقيقية و ذلك عندما قتل انفجار أربعة من أعضائها – من ضمنهم صهر الأسد آصف شوكت و وزير الدفاع داوود راجحة. و لكن الأسد و كبار مستشاريه تعافوا بسرعة من هذه الضربة, وقام بتعيين بدلاء للمسئولين الذين قتلوا في الانفجار.
بحسب أشخاص مقربين من حلقة النظام, فإن انفجار يوليو كان أول حادثة منذ انطلاق الانتفاضة يشعر فيها النظام بالتهديد. ضربات أخرى, مثل انشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب و صديق الأسد العسكري مناف طلاس, لم تشكل تهديدا حقيقيا للنظام. مع مرور الوقت فقد انشقوا, و لكن كلاهما كانا شخصيات هامشية في جوهر النظام الداخلي.
وكما أعلن الأسد في مقابلة أجريت معه في أغسطس, فإن هذه الانشقاقات هي شكل من أشكال "التطهير الداخلي" للنظام, خلصته من العناصر غير الموالية. إن نواة النظام قد تقلصت الآن إلى أعضاء عائلة الأسد و المسئولين العلويين الموثوق بهم, بعض منهم خدموا في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد. هذه النواة يبدو أنها تتكون من عناصر صقورية يرون أن الصراع يأخذ منحى الصراع الوجودي. مع تقلص الحلقة الداخلية, فإن تصرفات النظام أصبحت أكثر عزيمة و دموية.
كما بين الأسد في مقابلته مع التلفزيون الروسي, فإن التدخل العسكري الخارجي أمر غير محتمل لأنه سوف يكون مكلفا جدا للمجتمع الدولي. إذا كان هذا الأمر صحيحا, فإن النظام يرى أن بإمكانه يتمسك بالسلطة و أن ينكر قدرة المعارضة المسلحة على تحقيق نتائج ملموسة على الأرض, مما يعني أن المتمردين سوف يفقدوا الزخم. إن دعم إيران و روسيا الكبير يعزز من هذه القناعة.
2. الجيش السوري ليس قريبا من نقطة الانهيار. إن عدد العناصر النشطة في الجيش السوري يقدر ب 295000 جنديا, إضافة إلى وجود 314000 جندي احتياطي. و على الرغم من أن الأرقام الحقيقية يصعب التحقق منها, فإن بعض الحسابات التقريبية تجعل من الواضح أن العدد الأكبر من هذه القوات لم ينشق لحد الآن لصالح المتمردين.
قاسم سعد الدين, قائد الجيش السوري الحر في مدينة حمص, أخبرني مؤخرا أن منشقي الجيش يشكلون ما نسبته 30% من صفوف الجيش الحر أما عدد المتمردين المسلحين فيصل إلى ما بين 50000 إلى 100000 عنصر. و هذا يعني بأن معدل الاستنزاف في الجيش السوري يقدر بما بين 5 إلى 10%, و هو ليس بالرقم الكافي ليشكل تهديدا للجيش. علاوة على ذلك, و عندما يملكون الخيار فإن المنشقين يفضلون العودة إلى بيوتهم بدلا من الانضمام إلى الجيش السوري الحر.
أضف إلى ذلك, فإن خسائر الأسد في عدد الأفراد العسكريين تتشكل في معظمها من الشبيحة شبه العسكريين. و هؤلاء المقاتلين العلويين بشكل أساسي يكتسبون مهارات قتالية و الفضل في ذلك يعود إلى التدريب الذي يتلقونه من قبل مدربي حزب الله. كما أن الولاء للنظام لا زال قويا ما بين الجنود العلويين. أضف إلى ذلك أن المتمردين تصرفوا بطريقة لا تشجع على الانشقاق حيث أظهر مقطع فيديو على اليوتيوب المتمردين يعدمون مجموعة غير معروفة من الجنود السوريين و هو الأمر الذي يقنع الجنود الآخرين بالبقاء مع النظام.
3. المجتمع العلوي لا زال معاديا للانتفاضة. إن الانشقاق السياسي ما بين العلويين, وهي الأقلية الدينية التي ينتمي إليها الأسد, محدود جدا لحد الآن, على الرغم من وجود بعض الانشقاقات العسكرية و المدنية القليلة.
لقد كان هناك بعض علامات الاستياء داخل المجتمع العلوي, و يعود ذلك أساسا إلى الإصابات الكبيرة في صفوف قوات النظام التي تشكل الطائفة العلوية الأغلبية فيها. في 29 سبتمبر, حصل هناك إطلاق نار في مدينة القرداحة , مسقط رأس الأسد, ما بين عائلتين علويتين. و بينما كان الاعتقاد أن سبب القتال هو عمل التهريب في السجائر و السلاح و الممنوعات الأخرى التي تسيطر عليها عائلة الأسد الممتدة, فإنه قد يكون له أبعاد سياسية أيضا.
لقد كانت عائلة الأسد حاسمة وسريعة في التعامل مع أي إشارة على المعارضة العلوية, كما قامت بتقويض الانتفاضة الإسلامية السنية المحدودة التي كانت تستهدف المجتمع العلوي. بعد عمليات إطلاق النار في القرداحة, على سبيل المثال, قام النظام وبسرعة بعملية مصالحة ما بين العائلات المتناحرة. كما أن الناشطين المعارضين من العلويين يتعرضون للاعتقال و الضرب. و عندما تفشل جميع هذه الأمور, فإنه يتم منعهم من قبل عائلاتهم و جيرانهم.
إن أي أمل بسقوط النظام يعتمد على فصل العلويين لبقائهم عن بقاء الأسد السياسي. ليس هناك أي إشارة على أن هذه العملية قد بدأت حتى. إن المعارضة وخصوصا القيادة في المنفى فشلت في الوصول إلى المجتمع العلوي. لحد الآن ليس هناك أي شخصية معارضة نجحت في إقناع العلويين بأن مستقبلهم في سوريا ما بعد الأسد سوف يكون آمنا من عمليات القتل الانتقامية و أنهم سوف يتمتعون بحقوق متساوية كإخوانهم السنة, و أن مصالحهم الاقتصادية سوف تكون في أمان إضافة إلى أنهم لن يعاملوا بأسلوب من الشك في السنوات القادمة. الأسوأ من هذا, أنه ليس هناك . أي تفكير جدي داخل المعارضة حول كيفية تطوير مثل هذه النظرة.
4. المعارضة السورية لا زالت متفرقة. المجموعات السورية المعارضة وقعت على اتفاقية أولية في 11 نوفمبر يهدف إلى توحيد جميع الفصائل تحت مظلة واحدة. على كل حال, فإن الكثير من العمل ينتظر التنفيذ: إن التحدي الأساسي الذي يواجه كل مكون من مكونات المعارضة – ابتداء من الأعلى إلى أصغر تنسيقية محلية – هو غياب برنامج سياسي يوحد المجموعات المعارضة للأسد. على الرغم من أن المجموعات المعارضة تعمل على أجندة اليوم التالي, فإن ليس هناك رؤية سياسية مشتركة حول كيفية الوصول إلى اليوم التالي لسقوط الأسد.
باختصار, فإن هنالك فراغا سياسيا و فراغا تنظيميا في كل مستوى من مستويات المعارضة. إن وجود تيارات مختلفة تقدم التمويل للمعارضة أدى إلى ظهور هذه المشكلة, و ذلك مع ظهور تشكيلات سياسية و عسكرية بغرض استلام النقود فقط. التنافس و ليس التعاون هو السائد اليوم حتى داخل المجالس العسكرية. و كما قال لي أحد المعارضين :" إن الأمور فيما بين المعارضة السورية تشهد مزيدا التفرقة".
لقد تم اتخاذ بعض الخطوات من أجل التخلص من هذه المشاكل. مؤتمر المعارضة السورية في الدوحة, قطر, يعتبر مهما جدا لوضع الأرضية المناسبة لسوريا ما بعد الأسد. و لكن المبادرات أيضا لا زالت ماضية على الأرض: لقد تم إنشاء مجالس حكم محلية في الأراضي المحررة, كما تم جمع الناشطين المدنيين المحليين و المجالس العسكرية من أجل تشغيل المؤسسات الحكومية. إن هدف المجالس هو المساعدة في تزويد السوريين بالخدمات الأساسية لتلبية حاجاتهم اليومية. لازال من المبكر جدا على أي حال, الحكم ما إذا كانوا سوف يحققون النجاح في التخلص من التناحر الداخلي و التنظيم الضعيف الذي أفسد مؤسسات المعارضة لحد الآن.
في ظل غياب أي تغيير على قواعد اللعبة , فإن جمود العنف في سوريا هو السائد حاليا. كل طرف من أطراف الصراع يعتقد أن الزخم يميل لصالح قضيته, و لهذا فإن كل طرف لا يرغب في إبرام أي صفقة مع الآخر.
بغض النظر عمن سوف يكون على رأس النظام في المستقبل, فإنه سوف يكون مجبرا على التعامل مع مواطَنة ممكّنة لن تقبل أن تحكم بقبضة حديدية بعد الآن. إن نظام الأسد قد لا يسقط غدا, و لكن لم يعد باستطاعته حكم سوريا , إن رافعاته القديمة في السيطرة لم تعد تعمل, كما أنه أثبت عدم قدرته على تحقيق إصلاح حقيقي.
من ناحية أخرى, فإن عسكرة الصراع أدى إلى تهميش الناشطين و المجموعات المدنية التي أطلقت الانتفاضة. إن فشل و عدم قدرة المعارضة السياسية على وضع خطة طريق ذات مصداقية للحل تضمن بأن الصراع العسكري سوف يكون أسلوب عمل على المدى القريب و المتوسط مما سوف يمنع البلاد في الانغماس أكثر في الفوضى و العنف.
في هذه الأثناء, فإن هناك لاعبين جدد يظهرون في سوريا. المجموعات الجهادية بالخصوص تفرض أجندتها الخاصة في الصراع. على الرغم من أنها لا زالت غير ظاهرة كما كانت في الحرب الأهلية العراقية, إلا أنه لا زال هناك احتمال أن تكون لاعبا أساسيا في سوريا المستقبل. في الحروب, كما في الثورة, فإن البقاء للأفضل , و للأسف فإن هذه المجموعات هي الأفضل على الساحة.