سورية ستكون مختلفة
سورية ستكون مختلفة
عوفر شيلح
المصدر: معاريف
· من امتنع عن الرد على تدمير المفاعل في دير الزور مشكوك فيه أن يقرر بأن الحل للمظاهرات في درعا هو حرب نارية قاسية مع إسرائيل.
· إذا نجا الأسد ولم يسقط فإن سورية ستسقط من خريطة المفاوضات المحتملة وكذا من خريطة التهديد الفوري لزمن غير معروف.
· إيران استخدمت سورية الأسد كأنبوب تزويد لحزب الله وكصمام عبره تدفق جزء من تأثيرها على ما يجري في العراق كطعم لإسرائيل وأميركا.
· الاراضي الإقليمية السورية السائبة تماما ستصبح مشابهة أكثر للبنان منها للدولة السيادية في عهد حافظ الأسد.
التاريخ: 8/5/2011
الجميع يعرف لمن تعطى النبوءة، وفي الوضع الحالي في الشرق الاوسط يقل عدد من يتطوعون لان يكونوا شاذين. في جهاز الامن، الذي توقع قادته في نهاية السنة السابقة استمرار استقرار الانظمة العربية لم يعد احد مستعدا لان يضع مكانته على كفة الميزان، ويتنبأ اذا كان بشار الاسد سينجو من العاصفة الحالية. عندما تقع مثل هذه الموجة، فان الاشخاص الفهيمين ينظرون اليها بتحفز وينتظرون رؤية نتائجها.
هذه لحظة اختبار لرجال الاستخبارات ولزبائن معلوماتهم وتحليلاتهم. وهي تذكر بما مر على اجهزة الاستخبارات الغربية قبل عشرين سنة: عالم كامل، مرتب ومعروف، كل الاجهزة ووعيها اتجه لفهمه، انهار دفعة واحدة وحلت محله الفوضى. فليس فقط من الصعب معرفة ما سيحصل، بمعنى من سيسيطر في دمشق وكم ستكون مستقرة السلطة، بل ينبغي، في ظل الحراك، تغيير اقراص التفكير التي تجمعت على مدى عشرات السنين وبسرعة. هذا صحيح على نحو خاص بالنسبة لسورية، التي على مدى عقدين كانت الهدف المركزي لاجهزة الاستخبارات الاسرائيلية. وعندما أجمل رئيس شعبة الاستخبارات السابق عاموس يدلين مهام منصبه، قال في المحافل المغلقة انه وجد منظومة استخبارية كانت مشبعة بالمعرفة بالنسبة لسورية، مقابل انعدام المعلومات الاستخبارية عن اهداف حيوية اخرى.
صحيح، ذات المنظومة فوتت على مدى السنين فرصة معرفة بناء المفاعل في دير الزور، ولكنها اكتشفته لاحقا وجلبت المعلومات التي سمحت بادانته وهيأت مشروعية الهجوم الذي دمره، وليس اقل من ذلك ساعدت في الخطوات التي منعت الاشتعال بعد القصف. في كل الاحداث الامنية العليا في العقد الاخير، وعلى رأسها حرب لبنان الثانية، وجدت تعبيرها الفرضية في أن سورية جيشها، زعماءها، منظومة قراراتها نحن نعرفها جيدا.
اما الان، فسورية كفيلة بان تكون مختلفة تماما، وربما بشكل متطرف: سيناريو محتمل يقول ان الاسد لن يستبدل بحكم مركزي آخر بل ان سورية ستدخل في فترة طويلة من انعدام الاستقرار، النزاعات الطائفية والتفكك لمؤسسات الحكم. بقايا النظام العلوي ستتصدى للاغلبية السنة، وستواصل قوى انعزالية ومحلية اخرى نحو اتجاهاتها. ايران، التي في عهد الاسد الابن اصبحت السند الاساسي لسورية، لن يكون بوسعها التنازل عن النفوذ وعن الاتصال المباشر مع لبنان، والذي منحها اياه النظام القائم. بالتوازي، سيتعين على المنظومة الاسرائيلية ان تتكيف مع الحديث عن سورية بتعابير اخرى تماما. التاريخ يبين ان هذا هو احد الامور الاصعب بالنسبة لمنظومة الاستخبارات واتخاذ القرارات.
الجيش الاسرائيلي، والامور معروفة، ايد المفاوضات مع سورية على نحو متواصل في العشرين سنة الاخيرة، منذ حدد رئيس شعبة الاستخبارات اوري سعي الاسد الاب كمن 'اختار استراتيجيا' طريق المفاوضات.
ولهذا التأييد كانت نقاط ذروة، مارست فيها القيادة العسكرية الحد الاقصى من الوسائل المشروعة في نظرها من أجل ان تدفع القيادة السياسية التي جرت أرجلها نحو المفاوضات.
رئيس شعبة الاستخبارات أهرون زئيفي فركش تعرض للتوبيخ من رئيس الوزراء شارون عندما تجرأ على ان يعرض على الحكومة تحليلا من هذه الزاوية. رئيس الاركان السابق غابي اشكنازي حث اولمرت، باراك ونتنياهو، على استغلال ما يبدو في نظره كفرصة لتحطيم هلال النفوذ الايراني، وتغيير الوضع في المنطقة من اساسه.
هذا التأييد يعتمد على فهم بان نظام أبناء الاسد هو نظام مستقر، وكلمته كلمة، والاتفاق معه ينجح في الاختبار. ويجدر بالذكر ان من خرق وضع عدم الهجوم بيننا وبين السوريين كانت اسرائيل: في الاجتياح للبنان في العام 1982، في ظل الوصول الى مواجهة مباشرة ومحتمة مع القوات السورية واستخدام كامل لخطة القتال الجوي التي وضعت منذ يوم الغفران. بالهجوم على أهداف سورية، ردا على نار حزب الله على الجليل (بشكل بارز في حملة 'طب بديل' في العام 1999، بعد أن رد حزب الله على انتصار باراك في الانتخابات بوابل كثيف من صواريخ الكاتيوشا).
في اصابة غير مقصودة لمواطنين سوريين في حرب لبنان الثانية (نحو ثلاثين منهم قتلوا في قصف لسلاح الجو في البقاع)، وحسب المصادر الاجنبية المعروفة ايضا في قصف المفاعل في دير الزور. في كل هذه الحالات سورية لم تبادر، وباستثناء حرب لبنان الاولى، لم ترد ايضا.
يجدر بنا أن نتذكر ذلك ايضا حين نفكر مثلما يفعل البعض الان، بسيناريو بموجبه يحاول الاسد الخروج من ضائقته من خلال تسخين الحدود مع اسرائيل، وذلك لتوجيه الغضب منه الى العدو الصهيوني. هذا سيناريو يطرح في كل مرة يكون فيها زعيم عربي في ضائقة، ولكنه لا يوجد له اساس حقيقي من الصحة.
الاسد يعرف جيدا ماذا ينتظر سورية في مثل هذه المواجهة. من امتنع عن الرد على تدمير المفاعل، مشكوك فيه ان يقرر بان الحل للمظاهرات في درعا هو حرب نارية قاسية مع اسرائيل.
هذا لا يعني أن هذا السيناريو مستحيل، ولكن ليس فيه لا منطق ولا سابقة تاريخية. في كل تحليل استخباري لسورية يظهر بقاء النظام بانه الدافع الاول في سموه بالنسبة للاسد. مشكوك فيه ان يفكر بان هجوما على اسرائيل سيساعده في هذا البقاء.
الاكثر معقولية هو انه اذا ما نجا ولم يسقط، فان سورية ستسقط من خريطة المفاوضات المحتملة وكذا من خريطة التهديد الفوري، لزمن غير معروف. كما أن التأييد في اسرائيل لمثل هذه المفاوضات كفيل بان يهبط، حين يكون في الجهة الاخرى نظام جديد او مترنح.
الثمن المعروف ـ التنازل عن هضبة الجولان بأسرها، حسب 'وديعة رابين' ـ ليس محببا على معظم الاسرائيليين، والكثيرون من اولئك الذين كانوا مستعدين له مقابل دفعة استراتيجية موازية، ولا سيما خرق التحالف مع ايران، لن يؤيدوه في مثل هذا الوضع.
ايران. هذه هي الكلمة الاساسية شبه الوحيدة لجهاز الامن الاسرائيلي في هذه الايام، والمنشور الذي من خلاله ستفحص كل التطورات، بما في ذلك في سورية. ايران كقوة عظمى اقليمية مضادة، لديها استراتيجية عالمية ومعادية لاسرائيل بشكل مطلق ـ وايران بصفتها الموزعة الاكبر لوسائل النار من بعيد، والتي أحدثت تغييرا استراتيجيا في المنطقة لا تزال معانيه غير واضحة تماما حتى لقادة الامن الاسرائيليين.
ايران استخدمت سورية بشار الاسد كأنبوب تزويد لحزب الله، كصمام عبره تدفق جزء من تأثيرها على ما يجري في العراق، كطعم تلوح به امام ناظر اسرائيل والولايات المتحدة بينما يرتبط جيدا، كما يظهر في كل ظرف اختباري، بالحبل السري لطهران.
هل سيكون لايران تأثير مشابه على نظام سني، كفيل بان ينشأ على حطام نظام الاسد؟ ومشوق بقدر لا يقدر ان نعرف كيف ستتمكن طهران من التأثير اذا ما علقت سورية حقا في وضع غير مستقر، تتنافس فيه جماعات قوة مختلفة على مدى الزمن، ولا تتمكن من الوصول الى حسم؟
يوجد في الساحة الاسرائيلية من يرون بالذات ميزة في مثل هذا الوضع. الانتباه السوري سيتجه الى الداخل، التخوف من المواجهة مع اسرائيل سيزداد فقط. الاراضي الاقليمية السورية السائبة تماما ـ في السنوات الاخيرة تعرضت لعدد غير قليل من الهجمات العسكرية بل وايضا التصفيات لاهداف مثل عماد مغنية، والجنرال سليمان، دون رد سوري ـ ستصبح مشابهة اكثر للبنان منها للدولة السيادية في عهد حافظ الاسد.
لعله لن يكون ممكنا الوصول الى اتفاق، ولكن السلام مع سورية لم يكن ابدا امنية اسرائيلية. وحتى من أيده، رأى فيه اساسا وسيلة لتحقيق أهداف أمنية. سورية من شأنها أن تتفكك ومعقول أنه في كل الاحوال ستعاني من عدم الاستقرار على مدى زمن طويل. ليس مؤكدا أن يوجد في اسرائيل كثيرون ممن سيذرفون أية دمعة.
دار الجليـــــل – عمــــان