الوقت سيف
الوقت سيف
د.محمد إقبال
ترجمة: د.عبد الوهاب عزام
نـضـر الله تـراب فـكـره قـد صـار نـجماً لامعاً فـات خـوفـاً ورجـاءً صـاحبه تـغـدق الـصـخـرة من ضربته كـان هـذا الـسيف في كف الكليم شـق صـدر الـبـحر لمع القبس وبـهـذا الـسـيـف يوم الخطر * * * مـمـكـن إبـصـار دور الـفلك يـا أسير اليوم والأمس انظرا (2) أنـت فـي الـنفس بذرت الباطلا وذرعـت الـوقـت طولاً ، للشقاء وجـعـلـت الـخـيـط زناراً لكا صـرت يـا إكـسـير تُرباً سافلاً اقـطـع الـزنـار حـراً لا تَهُن إيـه يـا غـافل عن أصل الزمان يـا أسـيـر الصبح والمسى اعقلن كـل مـا يـظـهـر، من تسياره مـا مـن الـشـمـس أراه يوجد وبـه الـشـمـس أضاءت والقمر قـد بـسطت الوقت بسطاً كالمكان يـا شـذى قـد فـر مـن بستانه وقـتـنـا بـيـن الـحـنايا سافرُ الـحـيـاة الـدهـر يـا من عرفا * * * نـكـتـة كـالـدر خـذها رائقة حـيـرة الـعـبـد مسيرة الزمن يـنـسـج الـعـبـد عـليه كفنا وتـرى الـحـر مـن الطين نجا قـفـص الـعـبـد صباح ومساء وبـصـدر الـحـر ثـار الـنفس فـطـرة الـعـبد حصول الحاصل فـي مـقـام مـن هـمـودٍ راكدُ ومـن الـحـر جـديـد الـخلقة قـيـد الـعـبـد صـباح ومساء وأرى الـحـر مـشـيـراً لـلقدر عـنـده الـمـاضي التقى والقابل * * * ضـاق عـن معناي حرف وصدى قـلـت ، واللفظ من المعنى خجل مـات مـعـنـى الحروف يحبس سـرّ غـيـب وحضور في القلوب إن لـلـوقـت لـلـحـنـا صامتاً أيـن أيـام بـهـا سـيـف الدهر قـد غرسنا الدين في أرض القلوب ومـن الـدنـيـا حـلـلـنا العقدا مـن دنـان الـحق صرّفنا الرحيق يـا مـديـر الـراح في أضوائها مـن غـرور واخـتـيـال تسكر كـأسـنـا كـانـت سراج المحفل إن هـذا الـعـصـر مـن آثارنا روضـة الـحـق ارتوت من دمنا كـبّـر الـعـالـم مـن تـكبيرنا " اقـرأ " الـحـق لـنـا قد علّما لا تـهـون قـدر حـر أعـدمـا إن نـكـن عندك أصحاب الخسار فـلـديـنـا عـزة من " لا إلاه " قـد تـركـنـا غـم أمـس وغد نـحـن وراث هـداة لـلـبـشر لا تـزال الـشـمـس تبدي نورنا ذاتـنـا الـمـرآة لـلـحق ، اعلمِ | الـشـافـعيسـحـر الألـبـاب هـذا حـيـن سـمى الوقت سيفاً قاطعا كـفـه كـف كـلـيـم ، ضاربه ويـغـيـض الـبـحر من صولته فـشـأى الـتـدبير بالعزم الصميم صـيّـر الـقـلـزم مـثل اليبس زلـزلـت خـيبر كف الحيدر (1) * * * وتــوالـى نـوره والـحـلـك انـظـرن فـي الـقلب كوناً سُتِرا وحـسـبـت الوقت خطاً طائلاً بـذراع مـن صـبـاح ومـسـاء صـرت لـلأصـنـام نـداً ويلكا يـا ولـيـد الـحق صرت الباطلا شـمـعـةً فـي محفل الأحرار كن كـيف تدري ما خلود الحيوان (3) " لي مع الله " بها الوقت اعرفن (4) والـحـيـاة السر من أسراره (5) إنـهـا تـفـنـى وهـذا يـخـلد وبـه فـي الـعـيش ما ساء وسر وفـرقـت الـيوم من أمس الزمان وحـبـيـس السجن من بنيانه (6) لــيــس فـيـه أول أو آخـر " لا تـسبوا الدهر" قول المصطفى * * * بـيـن حـر ورقـيـق فـارقه : حـيـرة الأزمـان قـلـب المؤمن مـن صـبـاح ومـسـاء مـذعنا نـفـسـه حـول الـلـيالي نسجا يـحـرم الـتحليق في جو السماء طـائـر الأيـام فـيـه يـحـبس لـيـس فـي تـفـكيره من طائل نـوحُـه لـيـلاً وصـبـحاً واحدُ كـل حـيـن ، وحـديـث النغمة وثـوى فـي فمه لفظ القضاء (7) صـورت كـفاه أحداث الدهر (8) عـاجـل بـيـن يديه الآجل (9) * * * عـجـز الإدراك فـي هـذا المدى وشـكـا الـمعنى من اللفظ المحل نـاره يـخـمـد مـنـك الـنفس رمز وقت ومرور في القلوب (10) ولـه فـي القلب سراً خافتاً (11) صـرّفـته في أيادينا القدر ! (12) وجـلـونـا مـن سـتـر الغيوب واسـتـنـار الـتـرب منا سجدا وهـدمـنـا حـانة العصر العتيق ومـذيـب الكأس من لألأئها (13) ومـن الـفـقـر لـديـنا تسخر ! صـدرنـا كـان لـقـلـبٍ مشعل مـن عـجـاج ثـار فـي تسيارنا عـزّ أهـل الـحـق في الدنيا بنا كـعـبـات شـاد مـن تـعميرنا بـيـديـنـا رزقـه قد قسّما (14) أن تـرى الـتـاج مضى والخاتما قـدمـاء الـفـكر أحلاف الصّغار نـحـن لـلـكـونين حرّاس أباه ووفـيـنـا لـحـبـيـب أوحـد نـحـن عـنـد الـحق سر مدخر غـيـمـنـا فـيـه بـروقٌ وسنا آيـة الـحـق وجـود الـمـسلم | الألمعي
الهوامش :
(1) حيدر : علي ابن أبي طالب .
(2) انظرا : فعل الأمر مع نون التوكيد الخفيفة .
(3) الحيوان : الحياة .
(4) إشارة على الأثر : لي مع الله وقت لا يسعني فيه نبي مرسل ولا ملك مقرب ويريد الشاعر أن يقول إن الوقت حال الإنسان لا ساعات الفلك .
(5) الضمير يرجع إلى الوقت .
(6) يقول الشاعر إنك أحياناً كالرائحة لا تثبت في بستانها ، وأحياناً سجين في سجن بنته يد تسير مع ساعات الزمان وتحبس نفسك فيها والوقت هو أنت .
(7) لفظ القضاء والقدر، يعتل به ويحيل الأمور عليه .
(8) عزم الحر من القضاء ، ويقول الشاعر في هذا إن القضاء يستشير الحر فيما يفعل .
(9) لا يعتل بأن شيئاً فات وقته وأن شيئاً لم يحن وقته . بل عزمه يطوع كل وقت لما يريد .
(10)القافية مردوفة الروي في حضور ومرور .
(11)أبيات إقبال هذه في الوقت وفي التفريق بين العبيد والأحرار من أروع ما عرفته الفلسفة والشعر .
(12)في هذا البيت ولأبيات بعده يذكر إقبال ماضي المسلمين .
(13)في هذا البيت وأبيات تليه يخاطب الشاعر أهل الغرب المسيطرين على العالم .
(14)يشير إلى أول سورة في القرآن : " اقرأ باسم ربك " .