بنتان
تزوج فلاح أرمل أرملة ، وكان لكل واحد منهما ابنة من زواج سابق ، فصار الآن لكل واحد ربيبة . كانت الزوجة سيئة الخلق نزاعة إلى الشر ، فداومت على مناكدة ومضايقة زوجها قائلة : خذ بنتك إلى الغابة لتعيش في كوخ وحدها ! ستغزل هناك أكثر .
وحار ماذا يفعل نحو إلحاحها الدائم ، وفي النهاية نفذ ما أرادت ، وأخذ بنته إلى كوخ في الغابة ، وزودها قطعة موقد فولاذ وحجر صوان وجذاذة صوفان سريع الاتقاد وكيسا من دقيق الدخن ، وقال : معك كل أدوات النار . أبقي نارك موقدة وعصيدتك في غليان مستديم ! اقعدي واغزلي ! ولا تدخلي أحدا في كوخك !
وما لبث الظلام أن غشيها ، فأوقدت النار ، وطبخت عصيدة . وفجأة سمعت فأرا صغيرا يقول : يا بنت ! يا بنت ! جودي علي بملعقة من عصيدتك !
فقالت : أيها الفأر الصغير ! لا تبتعد وحدثني ! سأهبك أكثر من ملعقة ، وستأكل حتى تشبع .
فأكل حتى شبع وانصرف . وما عتم أن قدم دب وطفق ينادي : إلي يا بنت ! أطفئي النور وتعالي نلعب الاستغماية !
وصعد الفأر كتف البنت وهمس في أذنها : لا تخشيه ! قولي له : سمعا وطاعة ! ثم أطفئي النور وانسلي تحت الموقد ! سأجري في المكان وأدق الجرس خلال جريي .
وبدأت اللعبة التي خطط لها الفأر في مهارة وذكاء ، وشرع الدب يتعقبه ، لكنه أخفق في إدراكه ، فأخذ يرميه بقطع الخشب ويزمجر خلفه . رمى خشبة وراء خشبة دون أن يصيبه إلى أن أصابه هو الإجهاد . قال : أشهد أنك بارعة يا صبية في لعبة الاستغماية ! سأرسل إليك صباحا قطيع خيل وعربة حافلة بالنفائس والطيبات .
وصباح الغد قالت الزوجة لزوجها : اذهب يا شيبة وانظر ما غزلته بنتك منذ أمس !
فذهب وانتظرت هي رجعته حاملا عظام بنته مثلما كانت تتوقع ، وبعد قليل بدأ الكلب ينبح ، إلا أنهما رجعا ومعهما قطيع خيل وعربة حافلة بالنفائس والطيبات . صاحت الزوجة بالكلب : تكذب يا كيس البراغيث ! ما تسمعه ليس سوى اضطراب عظامها وقلقلتها حين تلتطم بجوانب العربة .
وصرت العربة واندفعت الخيل إلى فناء البيت ، وتجلى الشيبة وابنته قاعدين في العربة الحافلة بالنفائس والطيبات . وبرقت عينا الزوجة طمعا وجشعا وصاحت : هذا قليل زهيد ! خذ بنتي الليلة إلى الغابة ! ستعود إلى البيت بقطيعي خيل وبعربتين من النفائس والطيبات .
وأخذ ناتاشا بنت زوجته إلى الكوخ في الغابة ، وزودها طعاما ونارا ، وحين أمسى المساء طهت لنفسها عصيدة . وقدم الفأر الصغير وطلبها ملعقة من العصيدة ، فزجرته : انصرف يا حيوان !
ورجمته بالملعقة ، ففر فزعا مرتعبا ، والتقمت هي كل العصيدة وحيدة ، وأطفأت النور واستلقت في ركن بالكوخ . وقدم الدب في منتصف الليل ونادى : سلاما ! أينك يا بنت ؟ هيا نلعب الاستغماية !
فما أجابته ، وأخذت أسنانها تضطرب رعبا ، فزمجر : خذي هذا الجرس الصغير واجري به ! وسأحاول اللحاق بك .
فأخذت الجرس مرتجفة اليد مما جعله يوالي رنينه دون أن تستطيع إيقافه ، وانبثق من الظلمة صوت الفأر يقول : ستهلك البنت الشريرة الآن .
وفي صباح الغد بعثت المرأة زوجها إلى الغابة قائلة : اذهب ساعد بنتي في جلب قطيعي الخيل وعربة النفائس والطيبات !
فذهب وخلفها في ارتقابه عند باب البيت ، وطفق الكلب ينبح قائلا : بنت السيدة مقبلة تقعقع عظامها في الكيس ، وزوج السيدة الآن فوق ظهر فرس !
فصرخت فيه المرأة : تكذب يا كيس البراغيث ! بنتي مقبلة تزجي الخيل والعربتين .
ولكنها حين نظرت رأت زوجها قرب الباب ، وناولها كيسا لما فتحته رأت العظام فهاج حزنها وغضبها ، وما لبثت أن ماتت ثاني يوم لشدة حزنها وغضبها ، وعاش الزوج بقية عمره في سلام مع ابنته وزوجها الثري .
*من القصص الشعبي الأوكراني .
وسوم: العدد 644