الأسد صغير الحجم.. بلا طاقة.. يأكل لحم الأطفال على فطوره
بعد عودة الصحافية سوفيكو شيفرنادزه حفيدة رئيس جورجيا المخلوع إدوارد شيفرنادزه من إقامة في دمشق استمرت أربعة أيام قابلت خلالها الأسد، استضافها برنامج (بأم عيني) الذي تقدمه الصحافية أولغا بيتشكوفا في راديو (صدى موسكو). وكانت مقابلة شيفرنادزه مع الأسد بثتها قناة (روسيا اليوم)، يوم 8 تشرين الثاني/نوفبمر. وفي خلال اللقاء الإذاعي الطويل مع سوفيكو تحدثت عن ربع الساعة التي أمضتها على انفراد مع الأسد والأسئلة الخاصة التي وجهتها إليه والانطباعات التي تركها لديها، إضافة إلى انطباعاتها عن الشعب السوري. ما يخص ربع الساعة تلك وانطباعات عن شوارع دمشق، على لسان شيفرنادزه: بلا شخصية أو طاقة «حين توجهت إلى هناك، منذ البداية لم أتصور أنني ذاهبة للقاء دكتاتور دموي. ذهبت للقاء إنسان اسمه بشار الأسد. وأنا وإياكِ، يا أولغا، تحدثنا قبل سفري عن الأمر وقلتِ لي شيئاً صحيحاً، قلتِ: «يخيل إلي إنها مأساة كبيرة جداً لرجل ضعيف». وكان ذلك صحيحاً مئة بالمئة». «كان لدي ربع ساعة لحديث ثنائي معه في مكتب مستقل قبل اللقاء. وتبين حين رأيته بأم عيني أنه أصغر حجماً بكثير مما تصورت ونحيل جداً.. وهو يسير متهدل الكتفين. قالوا لي إنه نحل كثيراً في الأشهر الستة الأخيرة. وذلك غير مستغرب”. و«هو شخص ودي جداً، ومستوى اهتمام محيطه بتأمين راحته مذهل، فهم يفعلون كل شيء من أجل أن لا يقلق ويكون شعوره طيباً. قالوا لي: رئيسنا بسيط جداً ولا يريد أي شيء استثنائي». «طبعاً هو شخص لا يعطي انطباعاً بأنه يتناول على فطوره لحم الأطفال، وحتى على مستوى الطاقة، فحين تلتقين، مثلاً، مع بوتين، فهو يبتلعك تماماً بطاقته، ويصعب عليكِِ أن تمزحي أو تتذاكي أو تقولي شيئاً ما أو تثيري مسألة خاصة.. كثيرون يفشلون في ذلك. أما عند الأسد فليس هناك أية طاقة من تلك التي يملكها دكتاتور أو زعيم. فأنا لم أشعر بها.. بل كان لدي شعور كأنني أتواصل مع صديق قديم من أيام الدراسة». تسألها أولغا في سياق حديثها عن سؤال بشار لها عن جدها شيفرنادزه الرئيس المخلوع: وهل حكيتِ له تلك القصة المعبّرة، قصة تركه السلطة حقناً للدماء؟، فتجيب: «أظن أن الأمر بات متأخراً بالنسبة لحالته، ولذلك لم أشأ أن أضغط على مواجعه… ولكنني سألته: هل حقاً أنك لم تكن تريد أن تصبح رئيساً؟ قال نعم، ولكنه لم يقلها بصيغة الندم أو الشكوى إنما بصيغة هكذا شاء القدر. قال ببساطة: لم أرد أن أصير رئيساً. فأن أكون رئيساً وأبقى في السلطة لا يعنيني في شيء.. بهذا المعنى كان كلامه. وقال: أنا أعشق الحياة وأحب الرياضة جداً ولدي زوجة رائعة أحبها كثيراً وأولاد صغار. وكان بإمكاني إما أن أسافر أو أن أبقى وأعمل بأوامر الزعماء الأوروبيين لو كان هدفي البقاء في السلطة. ولكنه سرعان ما بدأ يعرض ديماغوجيته: أنا هنا لأنها مسألة مبدأ، ولأنني لست دمية.. لم أستطع سؤاله: هل أجبروك على أن تصير رئيساً؟ ولكنه قال العبارة التالية: لم أرد أن أصبح رئيساً.. وبعد توقف: لدي اهتمامات كثيرة في الحياة». وهنا سألتها أولغا: ولكن لا مفر له الآن إلى أي مكان؟ فأجابت سوفيكو: «في جميع الأحوال لا. ولدي إحساس خاص بأنه لم يكن لديه خيار منذ البداية في أن يصير رئيساً أو أن يبقى طبيباً، كما لا خيار لديه الآن في أن يبقى أو يرحل… بل أظن أنه حتى لو أراد الرحيل فلا يستطيع.. هناك من يقول بأنه حاول عدة مرات أن يترك لكن محيطه لم يسمح له». فتستدرك أولغا: ولكنه في الوقت نفسه لا يملك القدرة على توجيه الأمور إلى منحى آخر وإخضاعها لقراره. فتكمل سوفيكو: «من الواضح أنه ليس حافظ الأسد، ولو أنه كان من البداية إنساناً قوياً لما وافق على أن يصير رئيساً على الأرجح». تقاطعها أولغا: لو كان رئيساً آخر، كان حل الأزمة بطريقة أخرى. فتجيبها سوفيكو: «هناك من يقول إنه بالفعل حاول القيام بإصلاحات. ولكن كان واضحاً للعيان أنها لم تكن كافية إطلاقاً بالنسبة للسوريين. فهم خرجوا إلى الشارع منذ البداية لأنهم أرادوا حريات أكبر ولأن عائلة الأسد بقيت في السلطة أكثر مما يُحتمل. وأما ما جرى بعد البداية فشيء آخر، وهو أمر لا يرضي أحداً». عرس تحت القصف «ما أدهشني أكثر من أي شيء آخر هو أن السوريين ناس رائعون.. متعلمون جداً، رقيقون، لطيفون، ومسالمون للغاية، وهم بالمطلق ليسوا أصوليين ولا متعصبين للإسلام. وهم بشر اعتادوا على العيش على اختلافاتهم الدينية جنباً إلى جنب… سورية عموماً ليست بلداً للأصولية.. والسوريون شعب محب جداً للحياة.. وهم يعيشون هذا الكابوس الذي لم يختاروه من حيث المبدأ ويتابعون حياتهم كأن شيئاً لا يحدث.. تنظرين إلى هذه الحال فتحدث لديك هزة معرفية.. يصعب فهم ذلك… حين عجزت عن أن أغفو تحت القصف، نزلت لأجترع مائة غرام ويسكي على أمل أن تساعدني على النوم، وإذا بي مع أصوات الانفجارات أرى في الممر عروساً بهية في فستان أبيض جميل مع عريس جميل مذهل وهما يعيشان عرسهما بفرح كبير. وهذه مشاهد ترينها في كل خطوة… فمثلاً في اليوم الثاني لوجودي هناك خرجت إلى المدينة وسرت في الحي حيث الجامع الشهير وعرجت على الدكاكين وإذا بأطفال جميلين جداً تلاميذ في المرحلة الابتدائية يخرجو
وسوم: العدد 652