ياسمين خدومة: الأدب هو أفضل ما تم اختراعه لمواجهة التعاسة
تشبه خدومة المرأة بالـ كَوكبٌ الدُرِّيٌّ الذي لم يتم اكتشافه كاملاً
كانت ترسم وجوهًا وتكتب أحاديثًا في طفولتها، وأدركت فيما بعد لا نجاح دون جهد كثيف وإرادة صلبة. تسقي أزهار نصوصها من عصارة تجربة حياتية ومعرفية لتقدم للقارئ أحرف في غاية الدهشة مع الشعور التام بالمسؤولية الأدبية، وهي التي تقول: الحرف النابع من الروح وحده من يجعل اللغة فتنة المعنى.
ياسمين خدومة مدربة دولية تحفيزية في التنمية البشرية وتطوير الذات، متحصلة على شهادة في اللغة والأدب الفرنسي والإنجليزي، وأيضًا على جوائز وطنية وأوسمة دولية، أدرج شعرها ضمن ديوان "روضة الشعر" وقصتين اثنين ضمن "روضة القصة" للاتحاد المثقف العام بالعراق لأجمل قصائد وقصص كذلك ضمن كتاب "أنطولوجيا" الخاص بالأدب النسوي لسنة 2017، وهي عضو في اتحاد الكُتاب التونسيين.
في رصيدها مجموعة قصصية بعنوان "موزاييك" ـ ديوان شعري بعنوان "ما بيني وبيني" ـ ديوان شعري باللغة الإنجليزية بعنوان (Sparks and Delights) ـ وفي قيد الطباعة مجموعة قصصية ثانية وديوان شعر.
إلى نص الحوار ....
ولدت حوافز الكتابة لديها، منذ طفولتها: الموهبة والأرضية الملائمة كالعائلة والتعليم هي الحوافز التي جعلتني أكتب، منذ صغري وبحريّة كلّ الأطفال كنت أرسم أحاديثًا أسمعها، وجوه تشدّني، مشاهد طبيعية تسحرني، أحلام وخيال بألوان ريشتي كنتُ أرسم دون تخطيط أو تفكير أو هدف لأنني ككلّ الأطفال لا أدرك أن الوقت الذي يذهب لا يعود.
وفي مرحلة النضوج، تعلمت بأن الطرق الوصول إلى المبتغى غالبًا تكون وعرة، لكنها حددت الهدف وسارت عليه، وتسهب في الشرح: بتقدّم العمر نتعلم أكثر وندرك أن الطريق ليست معبدة بالورود فتتغير الرؤية تجاه ما يحيط بنا بسبب تكاثف التجارب وتوالي الخيبات ويصبح لكل شيء معنى لأننا صرنا ندرك أن الوقت الذي يذهب لا يعود.
تضيف: الموهبة اختارتني وأنا صقلتها وحددت الهدف وهو الخيط الأول في محاولة للاقتراب من الحقيقة والبحث عنها من دون كذب أو تجميل، كما أن هناك بعض الحقائق معلقة في صمت ولا تحتمل الكتمان أو العبودية، فهي تقتحم طريقها فجأة على نحو بعيد مثير للدهشة وكل ما نحتاجه هو حضور الروح وحرف صادق ليتوّج الصدق عملية تعاضد ألوان الحرّية والنقاء فالحرف النابع من الروح وحده من يجعل اللغة فتنة المعنى.
إن أهم ما تلهمها على الكتابة هي: الوحدة تجعلك تفرغ من الآخرين وتمتلأ بنفسك فتستعيد حقيقتها المنسلخة عنها في خضم فوضى الواقع، الموسيقى كلنا عبيد في معبدها، وحدها الأكثر حيوية بين كل الفنون، الأكثر نقاء تعطيك ما يتّسع لكل شيء تجنح أفكارك وتأخذك في رحلة تصاعدية، كل ما تزخر به الطبيعة من مناظر وفصول ومناخ ملهم، بعض الشخصيات والأحداث ٠٠٠ فالحب والكراهية والغضب والجبن والشجاعة كلها متفجّرات تعشقها الكتابة.
عن مجموعتها الشعرية بالإنجليزية تقول: مجموعتي الشعرية بالإنجليزية كانت تحقيقًا لحلم مراهقتي لما كنت مولعة بقراءة أشعار الأمريكيين والت ويتمان وادغار ألان بو والإنجليزي بيرسي شيلي
تبدي رأيها باختصار عن الأعمال المشتركة: المجموعات الشعرية والقصصية المشتركة تجعلك على اطلاع على عينات ونماذج جديدة لا أكثر
تعتقد إن كتابها لاقى إعجاب الناس للأسباب التالية: كتاب "موزاييك" نال استحسان وإعجاب القرّاء والنقاد لما يتميز به من مواضيع مختلفة ولما يحمل في ثناياه عنصر التشويق والمباغتة والدهشة كما لا أنكر أن لسياسة الترويج الناجحة أهمية في ذلك
تأثرت بِهؤلاء الشعراء: عمر الخيام، محمود درويش أبو القاسم الشابي، شارل بود لير، بول إيلوار، شمس الدين محمد حافظ، أبو القاسم الفردوسي، وغيرهم كانت لي معهم وقفات مطولة ومعمقة
تكشف لنا عن اللقاءات والنقاشات التي تدور بينها وبين نصوصها: غالبًا ما يكون النص هو من ينسق موعده معي وعند اللقاء يكون النقاش حول الشخصيات والأحداث الخارجية التي تتذبذب بينها أفكار أشخاصها وأحاسيسها وأقوالها وأعمالها،
القاص يعرض أفكاره أما عن طريق الشخصيات أو عن طريق الأحداث أو عن طريقهما معًا
نبع الشخصيات:
القصة في نظرنا تنبع من الشخصيات، فهي التي تحدّد مجرى القصّة والمسؤولة عن قيام الأحداث، لا أعني بهذا أن الأحداث لا تعني شيئًا بل لأننا لا نستطيع فهم الشخصيات فهمًا كاملًا من غير الأحداث التي تدور بينها.
وتتابع: نتناقش أيضًا في رسم النهاية التي غالبًا ما أتركها مفتوحة وغير واضحة حتى أترك القارئ يكمل تفاصيلها حسب تجربته الشخصية كي لا تتقيد قصتي بفترة زمنية أو مواقع من التاريخ وبالتالي يضمن لها انتشار الأثر، لأنه وحسب رأي الأدب الذي يتعرض لمشاكل طارئة ويحاول أن يضع لها حلولًا أو نهاية سعيدة يتعرض دائمًا للإهمال أو تلقى عليها ستائر النسيان، الأدب لا يعيش ولا يخلد إلا إذا تضمن عناصر فكرية وفنية تتخطى قيود الزمان والمكان.
قصصها واقعية مدعمة بالخيال، وتحرك شخوص قصصها بدهشة وإتقان من مخزون إبداعي اكتسبها في حقول التجربة والمعرفة: قصصي واقعية يسقيها الخيال، الحياة المعيشة هي الينبوع الذي يسقي الخيال حتى في القصص الخيالية، الخيال نابع من تجربة أو مرتبط بجملة من التجارب والأشخاص والظروف التي تركت أثرًا في ذاكرة صائغها، هو صورة نقيض التاريخ أو عكسه ولهذا كان لابد من إبداعها بالمخيلة ثم بالكلمات من أجل إخماد الطموحات التي عجزت الحياة الحقيقية عن تحقيقه، الخيال يتصل اتصالًا وثيقا بواقعنا، الكاتب بإدراكه الداخلي يحاول صهر هذا الواقع وإعادة تشكيله بما يتفق وأهدافه ومدى فهمه للحياة، إن عمليه الخلق تتركز في صراع الكاتب بين الواقع الذي يعيش فيه وبين محاولته العنيفة في خلق صوره صادقه للعالم، إنه يستعمل خياله لإعادة بناء التجارب التي تمرّ به أو يمر بها ولكنه في الوقت نفسه يظل مرتبطا بواقع الحياة.
تفصح القاصة خدومة لنا عن سبب إدخال الومضات الشعرية إلى قصصها: تتسرب إلى قصصي بعض الومضات والأبيات الشعرية القليلة لأكمل بها جوانب الصورة وأبعث فيها الحياة ولا أراه يتعدى على خصوصية القصة
تلفت خدومة عناية القارئ وتشجعه على القراءة من خلال الآتي: تصاغ القصة عن طريق الكلمات وبعض التفاصيل والمعلومات بخط سردي حيث يجعل القارئ يعيش الأحداث، وتبقى قوة الإقناع في القصة تضييقًا للمسافة الفاصلة بين الواقع والوهم وذلك عن طريق الأسلوب وعمق الموضوع وجمال اللغة التي تعطي تحفة فنية تلفت الأنظار وعناية القارئ من جميع المستويات وتشجعه على القراءة وتزرع فيه حب الكتاب، ويبقى الأدب هو أفضل ما تم اختراعه من أجل الوقاية من التعاسة
لها رسالة من الكتابة، ألا وهي: رسالتي هي أن أكتب فالكتابة هي الوعي الكبير الذي يجرّدك من أمراض الحاجة والطمع والحقد، الكتابة ترفعك إلى مصاف الإنسان، فعلى هذه الأرض ما يستحقّ الكتابة على حد قول صديقي
لا تعترف بمصطلح الأدب النسوي: مصطلح الأدب النسوي لا يستهويني ولا أرى فرقًا في التوظيف أو الأسلوب، بينه وبين ما يكتبه الرجال حتى يجعلنا نميز أو نفصل بينهما، هناك الكثير من النساء ممن لهن أسماء كبيرة في عالم الأدب بكل أجناسه أسوة بأقرانهن من الرجال.
تشبه المرأة بالكَوكبٌ الدُرِّيٌّ، والرجل يجهل كل تفاصيلها: من المعروف والمتفق عليه أن المرأة هي الجزء العصبي من المجموع الإنساني والرجل هو الجزء العضلي منه، المرأة مثل كَوكبٌ الدُرِّيٌّ لم يتم اكتشافه كاملاً، هناك أشياء كثيره ما زالت مجهولة فيها ومشكلة الرجال بذاك الكوكب انتقاء ما ينسجم مع مجراتهم المختلفة وترك ما يختلف معهم وذاك الأمر فيه انتقاص من الحقيقة الكاملة لذاك الكوكب حاضن الصغير والكبير
الجوائز بالنسبة لها: لم تكن الجوائز يومًا هدفي، لكنها مفرحة ومشجعة ومحفزة نحو الأفضل
حال الثقافة والأدب في تونس: رغم الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة التي صارت عليها حالة البلد منذ سنوات، تبقى تونس زاخرة بالثقافة والأدب والمبدعين، لكن ما ينقصنا هو الدعم
وتختم الشاعرة والقاصة ياسمين خدومة الحوار بالقول: شكرًا على هذه الدعوة وشكرًا من القلب للمحاور والإعلامي الرائع الأستاذ خالد ديريك على هذا الحوار الجميل. أتمنى لكم النجاح الدائم والتوفيق.
وسوم: العدد 813