مع محمد العشري
روائي مصري مهنته التنقيب عن البترول
محمد العشري: الكتابة في المحرمات صارت ظاهرة مؤرّقة
محمد العشري
حوار: غادة النحلاوي
محمد العشري كاتب وروائي مصري، يعمل جيولوجياً في مجال البحث والتنقيب عن البترول، صدر له خمس روايات: "غادة الأساطير الحالمة"، "نبع الذهب"، "تفاحة الصحراء"، "هالة النور"، و"خيال ساخن"، وحاز على العديد من الجوائز في الرواية، مثل: "جائزة نادي القصة"، "جائزة إحسان عبد القدوس"، "جائزة قصور الثقافة"، و"جائزة أدب العشق" في دورتها الأولى عن "وكالة سنفكس" للترجمة والنشر. إضافة إلى كتاباته النقدية في بعض الصحف والدوريات العربية.
"الصدى" التقته فكان هذا الحوار:
لماذا تعتمد في معظم رواياتك على الأسطورة؟
-في روايتي الأولى "غادة الأساطير الحالمة" اتجهت إلى كتابة الأسطورة بالإتكاء على مخزون الذات الحياتي، الحب ودوره في تخليص الروح من أثر الواقع الجامد، وفي الروايات الثلاث اللاحقة: "نبع الذهب"، "تفاحة الصحراء"، و"هالة النور"، شردت وغبّت في الصحراء، لأعود ببعض الإكتشافات، اصطدت الصقور الجارحة، واكتشفت الماء في الصحراء، ورصدت العلاقة بين العربي في صحرائه والأجنبي الوافد عليها في رواية "نبع الذهب"، رسمت مسالك الطرق الملغّمة بتفاحات الصحراء القاتلة، في منطقة العلمين بالصحراء الغربية، وحقول الألغام الرهيبة التي تعوق عمليات البحث والتنقيب عن البترول والثروة فيها في الوقت الراهن، وبحثت في تاريخ المنطقة فالتقطت بعض المهن الجديدة، التي خلفتها الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، وأثرت في حياة البدو مثل مهنة "جامعي الجثث" من الصحراء لدفنها في مقابر "الكومنولث" الشهيرة في رواية "تفاحة الصحراء"، اكتشفت كوكباً جديداً، يسعى سكانه إلى نقل رمال الصحراء إليه، لأنه المصدر الجديد للطاقة بعد إنتهاء زمن البترول، من خلال تفاعلها البسيط مع نيتروجين الهواء الجوي. وهي نظرية جديدة في العلم، لا ننتبه إليها مع الأسف وذلك في رواية "هالة النور". وفي روايتي الأخيرة "خيال ساخن"، عدت إلى كتابة الأسطورة، بالسباحة في نهر النيل، رحلة في مركب صغير، تدخل بأبطال الرواية إلى الحياة الفرعونية البعيدة، والصحراء المتاخمة لضفتي النيل وأثره في تشكيل حياة المصريين، ومنطقة الفيوم، وتنتهي بهم الرحلة في الزمن الحاضر، بحثاً عما يفتقده الإنسان الآن من دفء وحب وأمان.
ولماذا التوجه العلمي في بعض رواياتك؟
- قناعة ما أسعى لتحقيقها، أو على الأقل لمسها، وتقديم كل السبل المتاحة للإمساك بها على أرض الواقع. يتبادر إلى ذهني الآن كتاب قرأته في مرحلة مبكرة، عن تأثير إلقاء القنبلتين الذريتين على مدينتيّ "هيروشيما" و"ناجزاكي" في اليابان، وترك ذلك الكتاب أثراً واضحاً في أشياء كثيرة شكلت الوعي، ولازمتني لفترة، ولا زالت. أذكر أنني وقعت تحت سيطرة تامة لهول ما حدث للإنسان، حين تتحول الحياة فجأة إلى جحيم، وغدوت أتخيل نفسي في ذلك المكان مما سبب لي كوابيساً ليلية حفرت أخيلتها في الذاكرة وتركت كرات نار ملتهبة، بمرور الوقت رحت أفكر في الأمر بشكل علمي للبحث عن حل أو مُخترَع مضاد للإنشطار المستمر الذي يحدثه الإندماج النووي، ربما كان ذلك أحد الأسباب التي دفعتني إلى الاتجاه إلى الدراسة العلمية، والتخصص في العلوم "بوعي أو دون وعي واضح"، مع الوقت اكتشفت أن الرواية، ذات التوجه العلمي، يمكنها أن توفر مخترعات يمكن للعلماء الاستناد إليها في عملهم.
ما الذي يثير استياءك في الأدب العربي المعاصر؟
- الكتابة في الجنس أصبح ظاهرة مؤرقة في الرواية العربية الآن، خاصة لدى الكثير من الكاتبات، ويبدو أن هذا هو التوجه العام في الرواية الآن، خاصة أنه يحقق للكاتب ويجذ إليه الكثير من القراء، وذلك لأن نقد القيمة أصبح غائباً الآن، أزمة الرواية العربية في الوقت الحالي أنها تحولت إلى سلعة لدى بعض الكتّاب، مما حمّلها مسئولية أن تخضع لآلية السوق، وهو ما عرّاها من الفن والعمق، وجعلها مبتذلة تستعرض جسدها على الملأ، لتثير حواس القارىء بقشورها الخارجية، كما تفعل مغنيات القنوات الفضائية. الغريب أنها تجد من يصفق لها بحماس بإعتبارها النموذج الأمثل للرواية، وهو ما دفع الكثير من الكتاب الجدد إلى الإستسهال، وملأ كتاباتهم الروائية والقصصية بالفضفضة في الجنس، والسياسة، والتعدي على الدين، على حساب القيمة والمضمون.
تانيس.. رائحة منسية عنوان روايتك الجديدة متى سيتم نشرها، وماذا تتناول؟
رواية "تانيس.. رائحة منسية" سأنشرها خلال هذا العام، من خلال الدار العربية للعلوم في بيروت، وهي جزء أول من مشروع روائي أخطط له منذ فترة، لرصد التغييرات التي طرأت علي الريف المصري من خلال قرية تقع علي ساحل بحيرة "المنزلة" في شمال مصر، هجر معظم أهلها حرفة صيد الأسماك، وانتشروا في البلدان العربية، مخلفين وراءهم بيوتاً، ونساءً، وأطفالاً في حاجة إلي من يرعاهم، تاركين الأسماك لتتوحش في مياه البحيرة وتأكل بعضها البعض.
كتبت الشعر في بداياتك، فأين أنت منه الآن؟
- البدايات تنوعت بين الفن التشكيلي، والشعر، الذي لا زلت أحرص على قراءته ومتابعته والكتابة عنه حتى الآن، كما كتبت القصة القصيرة، واتجهت في النهاية إلى الرواية، كنت أبحث من خلال تلك التجارب عن باب أدلف منه لأجد نفسي، ما أطمح إليه.
ما موقع المرأة في رواياتك الخمس؟
- المرأة كيان كامل في الوجود، ولا يمكن حصرها في نص روائي، أو عدة نصوص. فالمرأة هي الربة التي تصنع الأحلام وتحققها في رواية "غادة الأساطير الحالمة". المرأة هي التي تقود الأرواح الضالة في الحياة إلى نبعها وكيانها في "نبع الذهب". المرأة هي الديناميت، الذي ينفجر في القلب، ويشعلها بنار الحب، تلك "دونا ماكسويل" الانجليزية في "تفاحة الصحراء". المرأة هي الضوء الهارب من سجن الروتين، وتقييد الخيال والابتكار لتنير العقل في "هالة النور". المرأة هي البنت الصغيرة، التي تتوق إلى تجربة الحب، وتجابه بالوجوه المتعددة، التي نرتديها، ولا نحفل بالمشاعر الإنسانية المرهفة، وتصر على أن تنتصر للحب بخيالها الساخن، وتلك هي جمانة في رواية "خيال ساخن". المرأة هي الحضن والآمان للصغار والكبار في الرواية الجديدة "تانيس".
شاركت في معرض الكتاب الأخير في باسبانيا، في رأيك كيف تختلف الثقافة الاسبانية أو الغربية عن ثقافتنا العربية وما أوجه الشبه؟
-تلك تجربة ثرية أفادتني كثيراً، مشاركتي في فاعليات معرض الكتاب في مدينة أشبيلية في إسبانيا، في الفترة من (6-16) مايو الماضي، بدعوة من مؤسسة "الثقافات الثلاث" والتي أعدت لي ندوة الحديث عن أجواء رواياتي والمكان فيها، كذلك الحديث عن المشهد الإبداعي العربي. راق لي كثيراً التنظيم وحضور القاريء الإسباني وتفاعله، ورغبته في التعرف عن قرب على الكتابة والإبداع العربي. لفت انتباهي أن القراءة طقس يومي يمارسه الإسبانيون في أماكن كثيرة، والثقافة سلوك وممارسة قبل أن تكون معلومة نائمة ومهملة في الرأس، وهذا ما نفقتده في عالمنا العربي، وهناك وجدت عناية واهتمام بالكتاب وإخراجه وطرحه للقاريء بشكل جيد، كذلك تربية الأطفال على حب القراءة، ودفعهم للحضور في التجمعات الثقافية المختلفة.
حصدت بعض الجوائز، فكيف كان تأثيرها في عملك؟
-الجوائز بالتأكيد تضع علامة على العمل، وتدفع إلى مزيد من الزخم، والرغبة في التجويد، ومزيد من النور مما يوسع دائرة القراءة، أو المفروض أن يكون كذلك. الجائزة حين تأتي في وقت مبكر مع البدايات، تكون مشجعة، ومحفزة لمزيد من الكتابة، لكنها تستلزم الكثير من الوعي للنجاة من تأثيرها، لأنه أخطر ما فيها أن توجه الكتابة إلى اتجاه يُرضي ذائقة المحكّمين، وهو فخّ يقضي على الكثير من المواهب، ويبعدها عن الصدق الفني، ويجعلها تدور في نفس الحلقة، وربما يدفعها بعيداً عن معايشة ذاتها الحقيقية. ما أنجاني منها تجربتي الذاتية، والخروج إلى فضاء الصحراء الشاسع، فمهما كتبت عنه يمكنني أن ألتقط أشياء جديدة في كل مرة.