مع أحمد القدومي

مقابلة مع الشاعر الفلسطيني أحمد القدومي*

أجرى الحوار: خليل الصمادي

[email protected]

عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين/ الرياض

الشاعر أحمد القدومي ، فلسطينيّ الهوى والانتماء ، عربيّ الهويّة والملامح ، إسلاميّ المُعتَقَد والمسيرة ، إنسانيّ النظرة والتوجُّه  لذلك تجِدهُ حالةً إنسانيةً مُتداخلةً ، وكأنّه عوالم شتّى تستقرُّ في عالمٍ خُرافيّ يحسده الواقع على بديع تجلّياته ، ألا وهو عالَمُ الشَّعر

فالقدومي شاعرٌ يحمل همَّ قضيّةٍ مُقدّسةٍ ، ومأساة شعبٍ كطائر الفينيق  ينهض بعد كلّ انكسارٍ أكثر قوّةً وشُموخاً

إنّهُ " الوتر الحزين " الذي يعزف على شغاف القلب منذ عشرين عاماً أجملَ وأعذب وأرقَّ القصائد التي تناثرت في الصحف والمجلاّت والدواوين الشعرية لتشهد أنّ فلسطين تُسافر في دمه ، وهي المدى بين حلٍّ وارتحال في ترانيم روحه التي تمتاح سحر معالم الجمال من أرض الجمال والحضارة والتاريخ والنبوَّة ، من أرض فلسطين

س : الأستاذ الشاعر أحمد القدومي ، متى كانت البداية لمسيرتك الشعرية ؟

ج : لقد كانت البداية في المرحلة الإعدادية ، حيث كانت بعض القصائد التي تحمل ملامح البدايات البريئة ، حيث السذاجة والمباشرة ، وتلمُّس معالم الطريق  أمّا المجموعة الشعرية الأولى فكانت "بلا زورق" عام 1984م

س : مسيرتك الشعرية حافلة بالدواوين والعطاء الشعري  فما تعليقك ؟

ج : أشكر الله على كلّ حال ، وإن كنتُ أُصنِّف نفسي مُقِلاًّ ، حيث إنّي أكتبُ خمسَ قصائد كلّ عام ، ولكن الحالة الشعرية لا تخضع لأيّ اعتبار  لذلك نجِدُ المدَّ والجزر يُشكِّلُ مَعلَماً من معالم مسيرتي الشعرية وقد صدرَ لي حتى الآن ثمانية دواوين شعرية

س : ما أهمّ دواوينك من وجهة نظرك ؟

ج : كل دواويني الشعرية مُهمّة ، وتُشكِّل مرحلة نفسية ، وتجربة شعرية ، ومساحة من احتراقي وانتمائي ، وبحثي عن نفسي وعن الحقيقة ، ولكني مع ذلك سأكون مريحاً لك وللقارىء فأقول إنّ الرُّباعيّات تشكِّلُ مُنعطفاً لافتاً في مسيرتي الشعرية ، وكذلك فإن ملحمة " ويحملني الثرى قمراً " تُعتبَر إنجازاً في مسيرتي الشعرية ، وكذلك فإنّ القصائد الوطنية العمودية نخلات باسقات في حدائق الشعر الغنَّاء

س : يُقال أنّ الشاعر أحمد القدومي ينحاز إلى الجزالة والقوّة في اللفظ والمعنى فهل لدراستك للغة العربية أثرٌُ في ذلك ؟

ج : لا شكّ أنّ الدراسة والثقافة والاطِّلاع والمتابعة والموازنة ، والاستفادة من تجارب الآخرين تؤثِّر على مُعجم الشاعر ، ولكني أزعم هنا أنني مقتنع بضرورة السّمو والقوّة في الكلمة والمعنى ، وكذلك مؤمن برسالة المُبدِع ، التي تعمل على احترام القارىء ، بحيث ترتقي به إلى مستوى إبداع الشاعر لا أن تهبط بالموهبة والشاعرية في مستوى القارىء المتواضع ، تحت شعـارٍ لا يخلو من السذاجة ، وهو القرب من الناس ، وعدم إرهاقهم ، فلستُ أومن بهذه النظرية البائسة  القارىء في اعتقادي عنصرٌ هام في عملية الإبداع ، فهو يقرأ ويبحث ويحاول التطوير ليلتقي مع المُبدع في موقع لا بأس به على درب الإبداع

س : يغلب على شعر أحمد القدومي الشعر العربي العمودي ، مع أنه يكتب شعر التفعيلة

ج : ما تتفضّل به ليس دقيقاً ، فأنا شاعرٌ عربيٌّ تربّى على إحلال تراثه الأصيل الجاهلي والإسلامي والأموي والعباسي والأندلسي والحديث ، وتعلَّمَ أنّ ديوان العرب هو عمودي أصيل  لذلك فإنّ الشعر العمودي يُمثِّل ثلثي شعري ، ولكن شعر التفعيلة اتّخذ موطىء قدمٍ في قلبي ، وأبدعتُ فيه أجمل القصائد ، ولا أرى في الأمر تناقضاً ، بل مواكبة لمُتطلّبات العصر ، مع إيماني المُطلَق بأنّ الشاعر الذي لم يكتب القصيدة العربية الأصيلة فيه نظر

س : ما موقع القضية الفلسطينية في مساحة مسيرتك الشعرية ؟   

ج : إن كنتُ لا أسكنُ الوطن ‘ فإنَّ سعادتي بأن يسكُنني الوطن غامرة ولا أعتقد أنّ حُبَّ الوطن قضيّة اختيارية ، فهي فطريّة في الإنسان والطَّير والحيوان  لذلك فلا غرابة أن تُشكِّلَ قضيّة وطني وشعبي مساحة مهمّة في شِعري ، حيث إنّ كلّ مجموعة شعرية تشتمل على العديد من القصائد الوطنية  أمّا ديوان " ويحملني الثرى قمراً " فقد كان قصيدةً واحدةً وقعت في مئة صفحة ، والعودة إلى تلك القصيدة الوطنية تُنبيك على موقع الوطن والقضية في شِعري

س : أنتَ شاعر صورة ، ولكنك تُتعِب القارىء بصُوَرِكَ الشعرية المُكثَّفة  فما تعليقك ؟

ج : صحيحٌ ما تقول  فأنا أرى الشِّعر صورة وخيالاً وابتكاراً ولغةً ، وإلاّ فالموت أولى به  لذلك فليعذرني القارىء العادي إذا تعثَّرَ في بعض الأحايين في الولوج إلى عوالم شعري ، ولكن الصورة الشعرية لا مفرَّ منها ، وهنا نعودُ مرَّةً أُخرى إلى ضرورة الارتقاء بمستوى المُتلقّي

س : جيُّوس ، قريتك المُطلَّة على البحر المتوسط  هل لها نصيبٌ من شِعرك ؟

ج : نعم  جيّوس مهبط الرّوح ومهوى الفؤاد ، وهي خريطة قلبي ، ومالكة أسرار البداية والنهاية  لقد تجلَّت في شِعري موحيةً وعاشقةً وساحرةً ومعشوقةً ومُعذِّبةً وقاهرة . . . ولقد سرّني أن تكون قصيدتي عن " جيّوس" هي أولى قصائدي التي تُترجَم إلى اللغتين الفرنسية والانجليزية ، وأن يُستشهَدَ بها في أحد المؤتمرات في لندن ، كشاهدٍ على حُبّ الإنسان الفلسطيني وتشبُّثه بوطنه

س : هل أثّرَت الغُربة في شِعر القدومي ؟

ج : نعم ، وألف نعم  لقد كانت الغربة الجمر المُتوقِّد الذي نضجت على ضِرامِهِ قصائد حُبّي وعشقي وشَوقي إلى الوطن والأهل والأحبَّة ، فهي منهل الألم والحسرة ، والأنات والتأوُّل ، والبحث عن المجهول ، والحمد لله على كلّ حال

س : إلى أيّ المدارس الأدبية ينتمي الشاعر أحمد القدومي ؟

ج : من الصعب أن تُجيب في عُجالةٍ على مثل هذا السؤال الكبير ، ولكني أقول مُختصِراً  إنني أنتمي إلى جميع المدارس والمشاهد الشعرية القديمة والحديثة فالقصيدة لديَّ لا تستأذن ولا تؤمِن بالأسوار والنظريات ، وإنّما هي فكرة حالمة وعصافير حُرَّة تُحلِّقُ حيث تُريد ، وزهورٌ تتفتّحُ كلّ صباح مُعلنةً ميلاد يومٍ جديد  فالإبداع يولَدُ من رَحِمِ الحريّة ، وكذلك شِعري فإنّه يُعبِّرُ عمّا يُريد بكُلِّ حريّةٍ وانفتاح ، وأتركُ التّصنيف لمن يهمّه الأمر

س : مَن الشاعر الذي ملكَ عليكَ نفسك ؟

ج : تراثنا العربيّ الخالد حافلٌ بآلاف الشعراء المُبدعين ، فالشاعر الذي يأسرني هو كلّ شاعرٍ وُفِّقَ في كتابة قصيدةٍ جميلةٍ ساحرةٍ ، لذلك لا يُمكن أن أُلخِّصَ الشعراء في شاعرٍ واحد ، أو القصائد في قصيدة واحدة ، وإنّما عالَمُ الشَّعر كعالَم الزهور ، جماله لا يُحصى ولا يُعد ، ولذلك يبقى الحُلُم مفتوحاً ، وتبقى الشاعريةُ مسألةً نسبيّة

س : لوحظ أنّك مُتميِّز في الرّثاء ، فماذا تقول ؟

ج : الرّثاء في شِعري قليل ، ولكنه صادق ومُوفَّق ، وأحمدُ الله أن شرّفني بتخليد ذكرى أُناسٍ أجمعَ النّاس على حُبِّهم والدّعاء لهم  ولعلّ قصيدتي في رثاء الطفل الشهيد " محمد الدرّة " خير شاهدٍ على ذلك

س : ما رأيك بشِعر المُناسبات ؟

ج : شِعر المناسبات يُمثِّل جزءاً كبيراً من تراثنا الشعري ، وهو شِعر إذا التزم فيه الشاعر بالمواصفات الشعرية الراقية فهو من أرقى الأغراض الشعرية فالغرض لا يعنيني كثيراً ، وإنّما الحُكم على المستوى الفنّي للقصيدة  ولي تجربة في ذلك ، ولستُ أراها إلاّ إضافةً في مسيرتي الشعرية المتواضعة

س : جَنَحَ الشاعر الأستاذ أحمد القدومي مؤخّراً إلى القصَّة القصيرة ، فهل هي استراحة شاعر ؟ أم ماذا ؟

ج : لقد أصدرتُ مجموعتي القصصيّة الأولى " وقالت الشمس " مؤخّراً ، ولا أرى تناقضاً بين القصّة والشِّعر ، فهُما وتران في عودٍ واحد ، وعينان ترقُبان الحقيقة الإنسانية ، والإبداع ليس له زمان ولا مكان ، وكذلك فليس له شكل واحد ، بل الإبداع عالمٌ فسيح ، وبحرٌ عميق تتكسَّر أمواجه على شواطىء التجارب المتعدّدة التي لا حدود لها ، والنّثر الجيِّد كالشِّعر الجيِّد ، وكُلٌّ يؤدّي رسالته

س : ماذا تقول بمناسبة الذكرى الستّين للنكبة ؟

ج : سُنن الله في الكَون لا تنتهي ، والزمان لا يتوقّف ، وسيبقى الحق حقاً والباطل باطلاً  فبالإيمان وصِدق العزيمة ، والإخلاص ، والتوكُّل على الله ، والأخذ بالأسباب ، سيعود الحقُّ إلى أصحابه ، فتقادُم الزمان وتقلُّب الأحوال ، وضعف الحق ، وقوّة الباطل ، لا تُغيِّر في حقائق الأوطان شيئاً

إنَّ كلّ مَعالِم الحياة والبقاء والانتصار مُتوافرة في أُمّتنا ، وأجدني متفائلاً بقُرب الخلاص والعودة إلى الوطن بإذن الله

" ولَيَدخُلَنَّ المسجدَ كما دَخَلوهُ أوَّلَ مرَّةٍ " وبشَّر الصّابرين

              

* الشاعر أحمد القدومي  في سطور:

- الميلاد: عام 1961م في قرية جيوس الواقعة ضمن

   لواء طولكرم في فلسطين.

- نال درجة البكالوريوس في الأدب العربي من

   الجامعة الأردنية عام 1982م.

- نشر العديد من قصائده في الصحف والمجلات

   العربية.

صَدَر للشَاعر:

- بلا زورق، ديوان شعر 1984 عمّان.

- ذكريات على شاطئ النسيان، ديوان شعر 1989 عمّان.

- رباعيات الجرح النازف، ديوان شعر 1993 الرياض.

- شفاه الفجر، ديوان شعر 1995 القاهرة.

- الوتر الحزين، ديوان شعر 1997 القاهرة.

- ويحملني الثرى قمراً ، ديوان شعر 23 عمّان.

- لا شيء بعدك، ديوان شعر 24 عمّان.

- وقالت الشمس، همسات قصصية 27 الرياض.

- بين حلٍّ وارتحالن، ديوان شعر 27 الرياض.