مع د. عبد الوهاب المسيري

د. عبد الوهاب المسيري

أتوقَّع أن أهم شيء سيحدث

أن الشعب العربي سيبدأ في محاكمة النخب الحاكمة

حوار: أحمد رمضان

رضوان حمدان

أقدم هذا الشرح والبيان بمناسبة الذكرى الأربعين لهزيمة العار5 / 6 / 1967 التي أجهزت على باقي فلسطين - بما فيها القدس والأقصى - وسيناء والجولان ، ولا تزال آثارها تجثم على قلوبنا وأعصابنا وكواهلنا

هذا الحوار مع أحد أبرز المتخصصين في الشأن اليهودي والذي يعيش القضية الإسلامية بعامة والفلسطينية بخاصة دارسا ومحللا ومنظِّرا

هذا الحوار الذي يعطينا الأمل الكبير بقرب النهاية - فالنهاية لهذا الكيان حتمية دينية وتاريخية ونفسية –

كل أملنا ومنانا أن نرى بأعيننا هذا الزوال الحتمي لأكبر كذبة في التاريخ – دولة إسرائيل – التي علت علوا كبيرا كما أخبر الله عز وجل {ولتعلنّ علوَّا كبيرا}

وأن نشهد بأعيننا زوال كل أسباب الهزائم والنكبات لتشفى صدورنا {يشف صدور قوم مؤمنين}

د. عبد الوهاب المسيري

يشرح سيناريوهات نهاية الكيان الصهيوني

-  سقطت مقولة "أرض بلا شعب" والصهاينة واثقون من زوالهم

 96% من الصهاينة يفتقدون الأمان والفضل للمقاومة

-  الإعلام الحكومي العربي مصاب بالهزيمة ولا يبرز دور المقاومة

 - موقف مصر من الحصار فضيحة تصل لحد الكبائر

بعد مرور 60 عامًا على احتلال الكيان الصهيوني فلسطين؛ مرَّت خلالها القضية بعدة منعطفات وأحداث تاريخية، شكَّلت معالمها، وأعطت مؤشرًا لمستقبلها؛ الذي تصبُّ أغلب استطلاعات الرأي الصهيونية قبل غيرها بأن الكيان المزعوم في اتجاهه إلى الزوال؛ حيث يعتقد 22% من الصهاينة أن الكيان سيتدهور تدريجيًّا، لكنه سيتدهور سريعًا حتى يزول نهائيًّا، وذلك في استطلاع لجريد ) يديعوت أحرونوت ( الصهيونية الأسبوع الماضي، فيما قال 30% إنهم يشعرون بالخجل من كونهم صهاينة، وقال 52% إنهم مستعدون لمغادرة فلسطين المحتلة، أما الذين يشعرون بالأمن فإنهم لا يزيدون عن 4% فقط.

 في ظل هذا الوضع وهذا التاريخ من صراع دام 60 عامًا حتى الآن نريد التعرف أكثر على ملامح القضية، ومستقبل وإرهاصات النهاية للدولة اليهودية، وذلك في حوارنا مع أحد أبرز المبشِّرين بنهاية الكيان المزعوم؛ وهو المؤرخ والمفكِّر المتخصص في الحركة الصهيونية الدكتور عبد الوهاب المسيري..

  بدأنا حوارنا بالسؤال التالي:

في ذكرى مرور 60 عامًا على نكبة فلسطين..، فقاطعنا قائلاً: "التطهير العرقي من فضلك وليس النكبة"؛ حتى إن البعض يقترح أن نقول ذكرى مرور 60 عامًا على "التطهير العرقي واستمرار المقاومة".

فسألناه عن : جدوى الاحتفالات التي تقام هذه الآونة بمرور 60 عامًا على اغتصاب فلسطين أو "التطهير العرقي" كما ذكر؛ فأجاب:

 - إحياء الذاكرة شيء مهم جدًّا؛ فالنظام العالمي الجديد يحاول مسح الذاكرة، وكما قلت من قبل يجعل المشكلات الاقتصادية هي المسيطرة؛ كالحسابات والأرقام والسوق وغيرها، أما الأبعاد الثقافيـة والإنسانية فتُهمَّش، وبالتالي مثل هذه المؤتمرات تذكِّر أنفسنا والآخرين أن المقاومة مستمرة، وأن الشعب العربي والشعوب الإسلامية لم تمُت وإنما تنبض بالحياة، وأن المقاومة بإذن الله مستمرة.

 التفكُّك العسكري

مرت القضية الفلسطينية بعدة منعطفات شكَّلت انحياز الأنظمة العربية لموائد المفاوضات تاركين سلاح المقاومة.. فما سبب هذا التحول؟

 - تدهور الأنظمة لا معنى له؛ طالما أن الشعب مستمر في المقاومة، فالسلام القائم هو سلام بارد، وأريد أن أوضح أن كل المقولات السائدة خلال تلك الفترة كانت عنصريةً، وقمت بدوري بفتح باب الاجتهاد وتغيير تلك المصطلحات أولاً لكي ننظر إلى الاحتلال كظاهرة احتلالية وليست صهيونيةً، وتحوُّل الأنظمة جاء نتيجة الإحساس العميق بالهزيمة عندما لا نرى مَواطنَ الهزيمة في العدوِّ الذي يدَّعي أنه لا يُقهر، رغم أنه منذ حرب 67 ومنحنى إنجازاته العسكرية في تنازل، كما كانت أول حرب يقوم بها العدو بتزييف الحقائق في حجم خسائره ثم حرب 73 والعبور العظيم فغزو لبنان والانتفاضة الأولى، ومن حينها بدأ التفكك الإستراتيجي العسكري الصهيوني، والذي اعترف بصعوبة القضاء على الانتفاضة، ومن حينها وهو يعمل على نزع سلاح المقاومة.

 سقوط "أتون الصهر"

كيف تنظر إلى واقع الصهاينة في ذكرى مرور 60 عامًا على اغتصابهم لفلسطين؟

 - الواقع متدهور جدًّا، وهناك مشكلات عدة داخل الكيان؛ من أهمها ما أسميه "سقوط الإجماع الصهيوني"؛ حيث كان يوجد إجماع على أن فلسطين أرض بلا شعب.. ما حدث أنه ثبت أن فلسطين أرضٌ فيها شعبٌ متماسكٌ ومقاومٌ، وأن اليهود لا يشكِّلون شعبًا، وبالتالي لم يهاجم، وظلت الغالبية الساحقة ليهود العالم خارج الكيان، ثانيًا فشل "أتون الصهر"؛ ويعني أن التصور الصهيوني كان يتوقع أن يأتي المهاجرون من الخارج فيتم صهرهم في المواطن الصهيوني الجديد ويسمونه "العبراني الجديد"؛ بمعنى أنه هو آخر اليهود وأول العبرانيين، وهذا لم يحدث، ثالثًا الانقسام الديني العلماني يزداد تطرفًا وانقسامًا؛ لدرجة أن بعض الحاخامات يقولون إنه يوجد الآن يهوديَّتان وليس يهودية واحدة، والعلمانيون الآن لا يكترثون لليهودية، ولذلك يطرحون ما يسمونه "التهويد العلماني".

 هل هذا ما يدفع بعض اليهود للإعلان الآن عن القبول بدولتين وضرورة أن يكون للفلسطينيين وطن؟

- نعم.. حيث ظهر نوعان من الصهيونية: ما يسمَّى Zionism territorial؛ أي صهيونية الأراضي وSociological or Demographical Zionism؛ وهي الصهيونية السوسيولوجية أو الديموغرافية.

 متى يصبح الكيان الصهيوني عاجزًا عن البقاء؟

- مقومات الحياة لدى الكيان الصهيوني ليست من داخله وإنما من خارجه، ويوجد عنصران أساسيان؛ هما: الدعم الأمريكي بلا حدود، والثاني الغياب العربي أيضًا بلا حدود، وهذان العنصران هما اللذان يضمنان بقاء الكيان واستمرارها.

 النهاية

لك مشروع كتاب تنبَّأت فيه بنهاية الكيان الصهيوني.. كيف توصَّلت إلى هذه الحقيقة؟

 - في الحقيقة لم أكمل الكتاب، ولم يصدر حتى الآن، لكن أستطيع أن أقول باختصار شديد في هذا الموضوع: إنه بدراسة تاريخ الاستعمار الاستيطاني الإحلالي نجد أن الجيوب الاستعمارية الاستيطانية الاحلالية تنقسم إلى قسمين: الأول نجح في إبادة السكان الأصليين وهو ما كتب له الاستمرار مثل أمريكا الشمالية وأستراليا، والقسم الثاني لم ينجح في إبادة السكان الأصليين مثل جنوب إفريقيا والجزائر والممالك الصليبية، ولو نظرنا إلى الخريطة بعد النظر إلى التاريخ؛ سنجد أنه لم يبقَ على الخريطة سوى "إسرائيل" والنتيجة معها بالعكس؛ فالسكان الأصليون يزدادون كمًّا وكيفًا على مرِّ الأيام؛ وأريد أن يثبت أحد لماذا ستكون "إسرائيل" استثناءً من هذه القاعدة.

 لاحظنا في الفترة الأخيرة اتهام كثير من القيادات الصهيونية بالفساد وبالرِّشى، هل هذا مؤشر لضعف قيادات الصهاينة؟

-  نعم، أنا في إحدى دراساتي بيَّنت أن ثمة انتقالاً تم من الحرس القديم إلى الحرس الجديد إلى الجيل الجديد، ومع نهاية الجيل الجديد- وهو ما يمثِّله باراك ونتنياهو وما شابههما- يوجد فراغ في القيادة في الكيان الآن، وهذا أحد أشكال الأزمة، والفراغ في القيادة هنا ليس سببًا وإنما هو نتيجة للأزمة؛ فمثلاً شخص مثل أولمرت يتحدث بأنه إن لم تقم دولتان فلسطينية ويهودية فهذا يعني نهاية "إسرائيل"، وهو ما يدل على عمق الأزمة.

 وكالة الأنباء الفرنسية نشرت تقريرًا قالت فيه إن نسبة الذين يشعرون بالأمن في المجتمع الصهيوني لا يزيدون عن 4% من السكان.. كيف ترى هذا الاستطلاع؟

 - هذا أحد إنجازات المقاومة التي لم تأخذ حقَّها بما فيه الكفاية، خاصةً أن المقاومة أرسلت رسالةً مسلحةً "للمستوطنين" الصهاينة بأنه لا علاج، نحن هنا.. نحن باقون.. نحن نقاوم، وكلما ازداد البطش ازدادت المقاومة، لكن بقي عنصر أساسي؛ وهو أن معظم من هاجروا حتى من الرعيل الأول، هاجروا لأسباب نفعية؛ فلم يكونوا "إسرائيليين"، ولذلك أسميها "صهيونية المرتزقة"؛ لأنها ليس لها أساس إيديولوجي.

 وماذا عن أرض الميعاد والعودة إلى أرض الأجداد واستخدام الكهنة والحاخامات والقراءات التوراتية؟ أين كل هذا في ظل ما تقوله بأن القضية قضية مصلحية وقضية مصالح؟!

 - أنا أرى كل العبارات اليهودية هذه عبارة عن ديباجات تُضفي شرعيةً على الفعل الاستعماري الاستيطاني الإحلالي.

 السقوط

من وجهة نظرك من سيَسقط قبل الآخر.. الأنظمة العربية أم الكيان الصهيوني؟

 - ليس هناك مجال للمقارنة، لكني في الوقت نفسه أتمنَّى سقوط كل النظم العميلة، لكن يجب ألا نربط بين الكيان الصهيوني والدول العربية؛ فالكيان مجموعة استيطانية ولها سماتها الخاصة وظهورها وتطورها، وسقوطها يجب أن يُدرَس في إطار التجارب الاستيطانية، أما البلاد العربية فهي بلاد مستقرة وليست بلادًا استيطانيةً، والفساد والعمالة يضربان فيها، وبالتالي يجب أن تُدرَس المقارنة في إطار الدول المستقرة مثل الدول الإفريقية التي بها نخب حاكمة يضربها الفساد.

 التقى 3 حاخامات رافضين قيام دولة الكيان بفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي.. كيف تفسر ذلك؟

 - من المدهش أن العقيدة اليهودية كانت تحرِّم العودة إلى فلسطين حتى أواخر القرن 19؛ لأن هذا يمثل جريمة "تعجيل بالنهاية"؛ لأن عقيدتهم تقوم على الانتظار في أناة حتى يأذن الله بالعودة؛ لذلك فمؤتمر الصهيونية الأول قاطَعَته كل الجمعيات التي تنادي بالذهاب لفلسطين.

 ما هي مدى مصداقية بروتوكولات حكماء صهيون؟

- أبسط ما في الموضوع أنها كُتبت بالروسية، ويهود روسيا كانوا لا يعرفون الروسية، وإنما كانوا يعرفون اليديشية، ولو كان الحاخامات هم الذين كتبوها لكتبوها باليديشية أو بالآرامية التي كانت تجهلها البيروقراطية الروسية!.

 فضيحة

ننتقل إلى نقطة أخرى تتعلق بالحصار الخانق لسكان قطاع غزة.. هل تتوقع اجتياحات أخرى للحدود؟

- كما قالت الصحف الصهيونية: "الجائعون لا يمكن التنبؤ بسلوكهم"، وفي الواقع فإنهم يخشون أن يكون الاجتياح في المرة القادمة على المعابر الصهيونية؛ حيث لا يمكن إطلاق النيران على مليون شخص.

 لكن الحكومة المصرية بذراعها الإعلامية حاولت تشويه صورة هؤلاء المحاصرين.. ما تعليقك؟

- الحكومة المصرية والصحف المسمَّاة بالقومية تقول إن هناك ثلاثة حاولوا اغتصاب فتيات أو 40 شخصًا حاولوا التسلل إلى القاهرة، كل هذه الأرقام لا تذكر من بين 750 ألف غزاوي؛ ولذلك فالمأساة فضيحة كبرى، وما تفعله مصر الآن من الكبائر؛ لأنها تركت الشعب الفلسطيني العظيم المستمر في المقاومة جائعًا وبدون وقود.

 كيف ترى الأزمة بين حركتَي فتح وحماس؟

 - هذه أزمات تحدث في كل حركات المقاومة؛ فهناك أجنحة تنهك وتتعب فتلجأ إلى ما يسمَّى بالمفاوضات، لكنها بدون مقاومة لا تعني شيئًا.

  ما الحل من وجهة نظرك؟

 - استمرار المقاومة، ومحاولة التغيير السلمي للنظم العربية العميلة والمتواطئة.

 هل الاتفاقيات التي عقدتها بعض الأنظمة؛ مثل: مصر والأردن والسلطة الفلسطينية.. ساعدت على البقاء في الحكم؟

-  هكذا يتصورون، لكني أعتقد أنه كان وهمًا، وأن الصهاينة بدءوا يفيقون؛ فهناك مشكلة أساسية في الخطاب الصهيوني أنه لا يوجد حلٌّ للقضية الفلسطينية؛ ففي المؤتمر الصهيوني الأول سمع "ماكس نوردام" وهو أحد مؤسسي الحركة الصهيونية وصديق هرتزل أنه يوجد فلسطينيون في المؤتمر، فجرى إلى هرتزل، وقال هذه ليست أرضًا بلا شعب، يوجد فيها شعب؛ فرد عليه هرتزل قائلاً له: سنعالج المسألة فيما بعد؛ فيما بعد هذا لم يأتِ بعد ولن يأتي.

 لماذا أكدت أن الإعلام العربي لا يركز الضوء على دور المقاومة في تأزيم المجتمع الصهيوني؟

 - الإعلام الحكومي مصاب بالهزيمة؛ ولذلك لا يرصد أي هزيمة في العدو الصهيوني، خاصةً أن التفكير الإستراتيجي العسكري لدى الصهاينة توصَّل إلى أنه لا يوجد حلٌّ لقضية المقاومة؛ لدرجة أن زائيف شيف قال ساخرًا إنهم غير قادرين على رصد صواريخ القسام بسبب بساطتها؛ فاقترح أن يعطيهم الصهاينة صواريخ (سكود) بدلاً من صواريخ القسام حتى يمكن رصدها والتعامل معها.

 ما هو الدور المنوط بالشباب العربي إزاء القضية الفلسطينية؟

 - حركات المعارضة في العالم العربي بدأت تنهض، وأعتقد أنها يمكن أن تقوم بنشاطات كثيرة؛ مثل تفعيل المقاطعة خارج نقاط الحكومات الخائفة من الولايات المتحدة؛ مما يمكن الضغط على الدول والنخب الحاكمة لمساعدة المقاومة وأهل غزة؛ فهناك أشكال كثيرة، وأنا أقترح عقد مؤتمر من المتخصصين لدراسة هذه القضية، وهي: كيف يمكن للشباب وللجمهور العادي أن يتجاوز النخب الحاكمة الخائفة والمهرولة.

 أخيرًا.. ما هي رؤيتك لشكل العالم العربي بعد زوال الكيان؟

-     أتوقَّع أن أهم شيء سيحدث أن الشعب العربي سيبدأ في محاكمة النخب الحاكمة.