مع الشاعر حنيف يوسف

حوار مع الكاتب والسياسي الكوردي

الشاعر حنيف يوسف

عندما نال  الشاعر  الراحل بابلو نيرودا جائزة نوبل للأدب عام 1971 وصفته الأكاديمية السويدية بأنه شاعر كرامة الانسان المهدرة الذي بعث الحياة في قدر  قارة  وأحلامها

فها هو الشاعر  حنيف يوسف والمطلوب  لعدالة   دولة  البعث  في سوريا  القهر  والظلم

 

يتألم حتى  الوجود والرغبة   ليكتب  ......  ويكتب  حتى  الممكن  واللاممكن  ليتألم

ينام ويستيقظ مع آهات عارف جزراوي  ومريم خان وجميل  هورو ثم  يعود ويكتب  ثانية ليبعث  الحياة  في  قدر  كل  القارات  وأحلامها من  خلال  كتاباته الجريئة  وهو  صاحب  ذاكرة  مدججة  بالأسرار والمحطات  والعناوين  العريضة

مازال يكتب  بغزارة  ويتغزل  بجرح دلال  وعشقه الدامي  في  هذا  الزمن الرديء

ومازال ينحت  تمثال  آناهيتا ولم  ينتهي  بعد من  وضع اللمسات  الأخيرة

يحتسي آلام الفقراء والمشردين  من  الجهات  الاربع ويقول كلمته بجرأة مطلقة دون  تردد وانحياز

اعتقل وهو  في  ربيع  الثاني  والعشرين  من  عمره عندما  كان  طالباً  في  السنة الاخيرة بكلية  الهندسة في  جامعة  حلب    عام  1983 وتم الإفراج  عنه  في  1987 وغادر  سوريا سنة  1993  متوجهاً الى  الأردن  ومن  ثم  الى  أوربا وما زال يعيش هناك    ويشرب آلام  الإنسان إنه  الشاعر حنيف يوسف  الشخصية  الوطنية  البارزة

فكان  لنا  معه  هذا  الحوار  الصريح

أولاً: حبذا لو أعطيتمونا نبذة عن حياتكم الأدبية والسياسية؟

أستطيع أن ألخص سيرتي السياسية والأدبية بأنها كانت مليئة بالمصاعب والمشقات التي تضاهي في بعض مراحلها عقوبة الأعمال الشاقة المؤبدة من حيث معايشتها، وذلك نظراً للظروف الشخصية والإجتماعية القاسية التي فرضت عليّ والتي حاولت جهدي بأن أخفف من وطأتها بوسائل عديدة دون أن تخف وطأة القسوة والشدة عليّ إلى أن هاجرت إلى هولندا.

نعم دخلت السجن لسنوات وعانيت المرض والفقر، انتميت إلى حزب العمل الشيوعي بسبب موقفه من النظام السوري ومن المسألة الكردية حيث كان يطالب بحق تقرير المصير للشعب الكردي في زمن لا يستطيع أحد تصوره تماماً إلا إذا كان مطلعاً بموضوعية على وقائع السياسة وأحوالها نهاية السبعينيات وبدايات الثمانينيات..

على أية حال هولندا محطة جديدة بالنسبة لي ليس على مستوى كونها المنفى فقط بل على مستوى الممارسة السياسية والثقافية بكل جوانبها.

ثانياً: حبذا لو أعطيتمونا فكرة عن أعمالكم الأدبية، وما هي نتاجاتكم لغاية هذه المرحلة وما هي مشاريعكم الأدبية في هذه الفترة؟

أعمالي الأدبية تتركز أساساً على الشعر، إلى جانب ذلك عملت في مجال التراث الشفوي الكردي كما أنني عملت بشكل رسمي في الصحافة في الأردن وهولندا وقبل ذلك بإسم فني مستعار في سورية. نشرت مجموعتين شعريتين في كردستان العراق عام 1989 بإسم مستعار " آكري "  لأنني كنت وقتها في سورية والقصائد كانت ذات سمة سياسية وطنية وكنت أنا تحت المراقبة الدائمة من قبل المخابرات السورية، المجموعتان هما " الفراشة والجبل " و " أما بعد، هل قتلوك؟ ". في سورية نشرت بإسمي الصريح مجموعتين شعريتين هما " تحديداً أحبك " و " كوردة برتقالية. كوردة بيضاء " الاولى عام 1990 والثانية عام 1992، وإلى جانب المجموعتين نشرت الملحمتين الكرديتين " جبلي " و " دلال " بعد إعدادهما وترجمتهما إلى العربية، كما أنني نشرت بعض النصوص الشعرية في الأدبيات العربية والكردية الصادرة وقتها. في الأردن إلى جانب عملي الرسمي كصحفي في جريدة " آخر خبر " اليومية نشرت ما يزيد على مائة مادة أدبية وفنية في الصحافة اليومية والملاحق الثقافية الإسبوعية.

في هولندا نشرت ديواناً شعرياً باللغة الكردية " مدائح آمد خان" عام 2002 وبعدها نشرت ديواناً باللغة العربية في دمشق بعنوان " جهة المدينة وحليب النوق " عام 2006 ثم في كردستان العراق كتاباً هو " نصوص من الفلكلور الكردي " عام 2007، ولدي الآن مخطوطات بالعربية والكردية والهولندية تنتظر النشر في الفترة القادمة.

ثالثاً: وبما أننا في سياق الشعر والكتابة، كيف تنظرون إلى مستقبل الحركة الثقافية الكوردية في كردستان سوريا؟

قد تشهد الحركة الثقافية تطورات مهمة على صعيد ظهور أعمال أدبية جديدة أو إعادة قراءة ما تم إنجازه حتى الآن من قِبل أسماء عديدة أعتقد أنها تستحق الإهتمام والتقييم الموضوعي الجاد من غير مواقف مسبقة أو انحيازات دعوية هنا أو هناك.

أيضاً يوجد عنصر آخر من عناصر التأثير في المستقبل الثقافي في كردستان سورية وهو تطورات العملية الثقافية في أجزاء كردستان الاخرى وفي المهجر خارج كردستان. على أية حال قد تكون هناك مفاجآت سارة على الصعيد الثقافي رغم أن مخاض الحاضر عسير وصعب حيث نجد تزايداً كبيراً في أعداد كتّاب الأجناس الأدبية وخصوصاً الشعر مقابل إنحسار وتناقص أعداد القراء والمهتمين أي انكماش الجمهور مقابل المدّ الكمي لكتّاب الشعر، هنا تطرح أسئلة عديدة تتعلق بأسباب ذلك بدءاً من النوعية والمستوى الفني والصدق الجمالي وصولاً إلى الأسباب الإجتماعية والمعيشية وطبيعة العلاقات العامة والإهتمامات الدارجة والوعي الإجتماعي العام.

رابعاً: كيف تقيمون واقع المعارضة في سوريا بشقيها الكوردي والعربي، وما هو دور هذه المعارضة لتفعيل وايجاد حل للقضية الكردية في سوريا؟

قبل التقييم أقول كان الله بعون المعارضة في ظل ظروف قمع تفوق ربما ظروف القمع في بورما التي أصبحت مثالاً متداولاً للديكتاتورية وكبت الحريات، في إعتقادي أن مشاكل المعارضة يمكن تلخيصها بسببين رئيسيين – إلى جانب أسباب ثانوية أقل أهمية – السبب الأول هو النظام الحاكم وطريقة إدارته للمجتمع من خلال نشر الخوف والقمع وخلق الأزمات وسياسة الإعتقالات الدورية، واحتكار العمل السياسي بشكل مطلق – وهنا لا بد من الإعتذار من أينشتاين ونسبيته الحقيقية – والسبب الثاني هو المعارضة نفسها وهنا أشمل الكرد والعرب على حد سواء حيث يلاحظ المرء ترجيح كفة المصلحة الذاتية، الشخصية أو الحزبية، على حساب المصلحة السياسية العليا كما هو منشود أو معلن، هنا تكون لحالة المجتمع وظروفه العامة من وعي واقتصاد وعلاقات دوراً كبيراً في توفير الفرص وخلق المجال أمام تفشي ما ذكرته وأشرت إليه.

بالنسبة لدور المعارضة في تفعيل القضية الكردية وإيجاد حل لها أعتقد أن أطراف إعلان دمشق حققت بعض التقدم في هذا المجال، أقصد في مجال الإعتراف بحقيقة وجود شعب هو قومية اخرى غير القومية العربية، وهذا يمكن أن يكون أساساً لمزيد من التقدم والتطور على صعيد بناء علاقات ثقة متبادلة واحترام متبادل دون اعتبار الأكراد عنصر تهديد أو مؤامرة أو خطر على القومية العربية وقضاياها ومصالحها التي هي أيضاً بحاجة إلى إعادة القراءة والتقييم والإنتقاد وإعادة النظر في المفاهيم المتداولة منذ ستين عاماً.

بالنسبة للحل أعتقد أن الحل يكمن في يد النظام الحاكم رغم أن الأطراف الكردية حاولت ولعقود من الزمن التقرب منه ودخوال جبهته الوطنية التقدمية العتيدة أو مجلس شعبه، إلا أن النظام متمسك بعقلية شوفينية لا تحول ولا تزوال منذ إنشاء الدولة السورية، على أية حال تفاصيل هذه الأمور لا يمكن تناولها هنا في مقابلة صحفية حيث هناك أمور وتفاصيل تمس بنية الأحزاب وعقلية العاملين فيها أو معها سواء الكردية منها أو العربية.

خامساً: الأستاذ حنيف يوسف عانيتم كثيراً من ظلم وبطش السلطات الأمنية في سوريا وقضيتم سنوات طويلة في السجون والمعتقلات السورية، حبذا لو حدثتمونا عن ما عانيتم منه في غياهب هذه السجون؟

السجن ظاهرة لاإنسانية بالمعنى الأخلاقي وبالمعنى السياسي جريمة لا تغتفر بالنسبة لمن يزج بالناس فيه بسبب معتقدات سياسية ليست إلا، إن توجيه شتيمة إلى إنسان دون وجه حق لا ينساه ذلك الإنسان ربما لسنوات فما بالك بإعتقال تعسفي وممارسة تعذيب جسدي ونفسي مبرمج والتهديد الدائم به لسنوات، الحديث عن معاناة السجن ومظالمه لا يمكن تلخيصه في سؤال وجواب، وإذا كان لا بد من سؤال فهو لماذا كل ذلك؟ المهم أنني اعتقلت لسبب سياسي وليس لجريمة جنائية ارتكبتها، ما هو مؤلم هنا هو أن أجهزة أمن النظام استطاعت لفترة من الزمن تأليب محيطي الإجتماعي وعلاقاتي الإجتماعية ضدي وتحميلي أنا مسؤولية إعتقالي وكأنني ذهبت طوعاً سيراً على الأقدام إلى المعتقل حباً في السجن والسجانة والجلادين، هذا كان مؤلماً جداً بالنسبة لي أكثر من السجن ذاته، يضاف إلى ذلك أن حالتي الصحية تدهورت لمدة طويلة وعانيت الكثير جراء ذلك، لكن الحمد لله خرجت إلى الحرية في النهاية لأمارس عملي الثقافي والسياسي بالطريقة التي أراها مناسبة لقضية الإنسان.

سادساً: كيف تنظرون إلى مستقبل سوريا وكيف تقيمون مشاركة سوريا في مؤتمر أنابوليس؟

في المدى المنظور يمكنني القول بأن مستقبل سورية سيكون أشبه بحاضرها، المناورات الإعلامية، التحالفات مع أطراف إقليمية معارضة للإنفتاح، التمترس وراء سياسات لفظية لا صلة لها بالواقع إلا كونها عكس ذلك. ومشاركة النظام في مؤتمر أنابوليس تأتي في السياق الذي ذكرته، خصوصاً وأن غالبية الدول العربية حضرت رسمياً، ولكن بالنسبة للنظام السوري فإن سياسة اللاحرب واللاسلم مازالت هي الأساس في كل تحركاته، تلك السياسة التي ابتكرها والده الراحل وطاقمه الحاكم، حيث أتاحت وتتيح له أريحية سياسية تمكنه من الإستمرار في الحكم محتكراً كل شيء دون خوف سوى من الإنفتاح على المجتمع والعالم الديمقراطي وسياسة التطور نحو الأفضل بما يخدم الصالح العام.

سابعاً: كيف تقرؤون واقع الحركة الكوردية في كردستان سوريا؟

إن واقع الحركة الكردية في سورية له أبعاد عديدة تبدأ من أحزابها وشخصياتها وتمتد إلى الساحة الكردستانية وحتى شتات المهجر، إضافة إلى طبيعة العلاقة والصراع مع النظام والسلطة وأدواتها، وأعتقد أن الكثير من جوانب أزمة واقعها يتحمله النظام الحاكم، وواقع الحركة يُسرّ النظام كثيراً ولا أحد سوى أعداء الديمقراطية الحقيقية.

من ناحية اخرى هناك فائض في عدد الأحزاب أشبه بفائض القيمة لدى كارل ماركس في رأسماله وهذا الفائض يستثمره النظام ويستفيد منه في التعامل مع القضية الكردية ذاتها ويضرّ بها. رغم إعتقادي بضرورة وجود تعددية سياسية وحزبية فهذا أمر مشروع ولكن واقع الحركة الكردية تخطى الحد الضروري لتلك المشروعية وخلق منافسات وصراعات جانبية لا تفيد السياسة والعمل السياسي بشيء، ناهيك عن ضعف إمكاناتها الذاتية المالية والإعلامية وحتى الكادرية وتدني المستوى المعرفي العلمي في الأوساط الأكاديمية المزعومة مع إستثناءات عدة بالتأكيد. على أية حال أكنّ كل التقدير والإحترام لكل من يعمل بجد وإخلاص من أجل الصالح العام مهما كانت الثغرات والنواقص التي لا ينبغي الدفاع عنها.

ثامناً: كونكم أحد الناشطين في مجال حقوق الإنسان، كيف تقيمون وضع حقوق الإنسان في سوريا؟

 

لا أعتقد أن هناك حقوقاً للإنسان في سورية لأن السلطة تحتكر كل الحقوق بدءاً من الحقوق السياسية وصولاً إلى الحقوق المعيشية أي حقوق التغذية " الأكل" بصريح العبارة، وذلك بالرغم من أن قبضة القمع تخف أحياناً من فترة لأخرى بحيث يستطيع بعض الأحزاب السياسية والهيئات المدنية التنفس بعض الشيء ولكن يبقى الواقع العام مزرياً على كافة الصعد والقطاعات، حتى القطاع الإنتاجي الخاص يعاني من إنتهاكات واختراقات سلطوية، أمام هكذا حال يمكن للمجتمع الأهلي أن يساند الضحايا والمتضررين ولكن حتى المجتمع الأهلي لا يبالي في الكثير من الحالات بالأمر سوى أحياناً بدعم معنوي محدود.

يتوجب على النظام الحدّ من نفوذ القمع وأدواته حتى تتحسن أحوال الناس بعض الشيء، وتكتسب سورية سمعة جيدة ويعيش أهلها متحابين في سلام ووئام.

تاسعاً: منذ فترة والحديث يدور حول إنشاء مرجعية كوردية في سوريا، كونكم شخصية سياسية مستقلة كيف ترون ذلك، وبرأيكم ما هي الأسباب التي تحول من دون تحقيق هذه الخطوة؟

في إعتقادي إن وجود مرجعية كردية موحدة تمثل المصالح الوطنية العليا للشعب الكردي في سورية أمر ضروري بالرغم من البعد الكردستاني للقضية الكردية، إلا أن تشكيل تلك المرجعية يصعب إنجازه رغم المحاولات الإئتلافية والجبهوية بين الحين والآخر، أسباب الإعاقة كثيرة ولكن أرجّح العامل الذاتي للتعبيرات السياسية الكردية على كل الأسباب حيث الضعف العام والإنقسامات إلى جانب بعض المحاولات بالتفرد في التمثيل الوطني والإرادة السياسية الكردية.

عاشراً: ما هي كلمتكم الأخيرة التي تودون إيصالها إلى الشعب الكوردي في سوريا عبر جريدة الوفاق؟

آخر ما أقوله هنا في هذه المقابلة هو أني أشكركم على هذا اللقاء وأحيي كل الخيرين من أبناء الكرد.

مراسل الوفاق - هولندا