محمد السيد(2)
في حوار صريح مع عضو رابطة الأدب
الإسلامي العالمية الأديب الفلسطيني محمد السيد:
الأدب الإسلامي هو الكلمة المجنحة التي تبغي خير الإنسان
وتقدمه وبناءه البشري المتوازن بلا زيغ ولا انحرف
ولا تزمت
* الصحافة العربية تمارس القتل للأدب الإسلامي
* أملنا كبير برابطة الأدب الإسلامي ولكن المعوقات كثيرة
* النتاج النقدي الإسلامي مازال دون مستوى التقدم الإبداعي
حاوره:عبد الكريم حمودي
الحوار مع الأديب له طعم خاص، ربما يختلف عن الحوار مع الشخصيات السياسية أو الاقتصادية خاصة إذا كان هذا الأديب ملتزماً ومبدعاً في الوقت ذاته، بل إن أديبنا في هذا الحوار محمد حمدان السيد هو قاص كبير على الرغم من قلة إنتاجه، ربما لأنه كان شاهداً على المأساة منذ بدايتها فحين ضاعت فلسطين كان عمره ثماني سنوات. وما تزال حيفا والمسجد صوراً محفورة في الذاكرة. وهو وإن درس الحقوق إلا أنه أرخ للقضية الفلسطينية بطريقته الخاصة في أعمال إبداعية رائعة، ربما كان النقد الأدبي والصحافة بشكل عام هما المسؤولين عن عدم وصوله إلى الجماهير العربية، حيث يؤكد دائماً أن الوطن لا يقبل القسمة والاختزال وأن هناك مساحة من أمل.
* ما هي الأعمال الأدبية التي قدمها الأستاذ الأديب محمد السيد، وما تناول فيها، وهل هناك أعمال قيد الإنجاز؟
-السيد: بدأت الكتابة في الأدب متأخراً بعد أن حصلت لدي قناعة بأن هناك ثغرة لم تسدها الحركة الإسلامية المعاصرة، ألا وهي باب الأدب بمختلف فنونه العامة، والفنون التي تبدو وكأنها حديثة بصورة خاصة، مثل القصة والرواية والمسرحية.
وقد كانت بداية عنايتي بهذا المجال منذ منتصف السبعينات تقريباً إذ صدرت لي مجموعة قصصية بعنوان "شاطئ الرؤى الخضر" عام 1977، وقد تناولت فيها بعض الجوانب من هموم الصحوة الإسلامية المعاصرة مثل قضية المرأة، ونضال الشعب الفلسطيني ومشاكل الداعية الإسلامي في خضم المتطلبات والمعوقات العاتية. ثم أصدرت في عام 1982 مجموعة أخرى بعنوان "ثورة الندم" عالجت فيها إلى جانب المواضيع السابقة بعض الهموم الاجتماعية التي يعانيها إنسان هذا العصر وذلك بصورة متقدمة عن المجموعة الأولى.
ثم أصدرت بالاشتراك مع الأدباء الإسلاميين "الأستاذ محمد الحسناوي، والأستاذ عبد الله عيسى السلامة والأستاذ محمد وليد سليمان" مجموعة بعنوان "خط اللقاء" تناولت هموم الفلسطيني الملتزم بدينه، وصوراً من جهاده في سبيل تحرير مقدساته وكان ذلك عام 1988. وفي عام 1989 أصدرت مجموعة جديدة بعنوان "المطر المر" تناولت فيها مشاكل الحركة الإسلامية وما قدمته من تضحيات. كما أن هناك مجموعة أخرى بعنوان "وتكلم الحجر" وهي تتناول مختلف جوانب هموم الانتفاضة المباركة في فلسطين الحبيبة. وقصصها منشورة في أكثر من صحيفة عربية على مدى سنتين من تسعينات القرن الماضي، وهي قيد النشر بهمة رابطة أدباء الشام التي تكونت حديثاً وكنت عضواً مؤسساً فيها. ومن الكتب التي هي قيد الإنجاز وقد أصبحت منذ مدة جاهزة كمشاريع كتب:
- كتاب "أضواء على الفكر التضليلي" وهو يلقي نظرة نقدية على أفكار زكي نجيب محمود الذي كان يتبنى الفلسفة الوضعية الأوروبية، وهو مجموعة مقالات نشرت في صحيفة اللواء الأردنية.
- كتاب "الإجابة على مئة سؤال حول الفرق في الإسلام قديماً وحديثاً".
* كيف ينظر الأديب الفلسطيني إلى محاولات التسوية مع العدو المغتصب وما هو دور الأديب في هذه المرحلة العصيبة؟
** السيد: إن أرض فلسطين أرض مباركة وهي متصلة بالعقيدة في حس وقلب المسلم، وأن الأديب الفلسطيني الذي عنده ذرة من ارتباط بدينه وعقيدة قومه لن ينظر إلى ما يجري إلا من زاوية واحدة هي زاوية الإدانة الكاملة لهذا الانهيار الذي عمل المتنفذون من أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية على خطوطه طوال ثلاثة عقود من الزمن.
إن بعض من ينتسبون إلى الأدب الفلسطيني ممن أتعبهم اللهاث وراء الشهرة والمكانة وإثبات الذات ولم تكن علاقتهم بقضيتهم منتمية إلى الأصول والمبادئ، تجدهم الآن يباركون ما جرى من انهيار وبيع للقضية في سوق المزايدة المعقودة على مستوى الوطن العربي بأكمله. ولكننا كأدباء إسلاميين لا نكل من القول: إن مستقبل قضيتنا المركزية مرهون بالجهاد والمقاومة. إلا أنه علينا أن لا نركن إلى القول بل يجب أن نعرف أن المرحلة عصيبة وأن مسافات الضباب عميقة وشاسعة، وأن معميات الطريق مشرعة الإعلان مزخرفة بالشعارات والآمال السرابية، وما على الأديب العربي والفلسطيني الذي لم تدهشه صناعة الخداع، ولم تُمل رأسه، أن يشمر عن ساعد الفكر، ويشرع القلم، ويعلي صوت الكلمة الصادقة والموقف الرجولي، لينقذ الأجيال القادمة من براثن نسيان قضيتها وانطماس معالمها تحت وطأة الواقع وسطوة الإعلام المزيف لإرادة الإنسان العربي والمسلم عامة والفلسطيني خاصة وأنه لجهد ضخم تحتاجه عملية تصحيح المسار. وأن واجب الأديب والكاتب في أوقات كهذه يأتي في المقدمة من أدوات الجهاد التي يجب أن تهيأ من قبل كل المخلصين، خصوصاً وأن العدو سطا على بقعة أخرى هامة من بقاع أمتنا في العراق وراح يكذب في كل الاتجاهات ليدخل الخنوع للواقع على قلوب الجميع.
مستقبل الثقافة
* ما هي نظرتكم لمستقبل الثقافة العربية والإسلامية في ظل الانهيار الحالي الذي وصلت إليه الأمة وتسارع عملية التطبيع مع العدو الصهيوني؟
** السيد: قال الله تعالى: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) وقال جل وعلا: (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة أجتثت من فوق الأرض مالها من قرار".
إن نظرتي إلى مستقبل الثقافة العربية والإسلامية تنطلق من كلام الله الكريم المحكم في الآيتين السابقتين فأقول: إن كثيراً من الباطل سوف ينتفش ويطفوا فوق سطح الغثاء الجديد، وسوف تحاول نزعات الاستسلام والخنوع أن تفرض منطقها ومنطلقاتها في كتب التلاميذ المدرسية، ومن ثم تسود بها بياضات الصحافة وفراغاتها. ولسوف تكون الإذاعة المسموعة والمرئية أبواقاً مرددة لهذا المنطق بنتن التنازلات ليركن الجميع إلى استيعاب شذاذ الآفاق ومغتصبي الأرض والكرامة والمقدسات داخل مجتمعاتنا ككيان سيد وكأمر واقع مفروض وصديق.
ولسوف تكون هناك محاولات حميمة لتلويث الآفاق بثقافة الاستهلاك والرفاهية الوهمية، وفكر الخنا والفجور والسير بالشباب والمجتمع بأكمله نحو الاسترخاء والفردية، والقضاء على الجماعي والموقف الجماعي الذي ينشئه دين هذه الأمة وعقيدتها في تحرك أصحاب هذا الدين وتقدمهم، وما نشاهده الآن –بعد احتلال العراق- من إعلان تام للخيانة على ألسنة وأقلام كثير ممن يسمون أنفسهم بالمثقفين بلا وجل ولا تردد هو جزء من المشهد الذي سوف يتفاقم فيما هو آت من أيام ولكن الله بالمرصاد. (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون). وإنني أرى بعين الحقيقة انتصار كلمة الله.. وانظر ببصيرة المسلم المتفائل إلى تحقيق قول الله تعالى: (ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة أجتثت من فوق الأرض مالها من قرار).
لقد مرت على أمتنا محن شبيهة بهذه المحنة، وابتليت بأناس أوقعتهم محبة الرياسة والركون إلى المناصب في حبائل الأعداء، فمالوا بجنوبهم إليهم خوفاً من فئات مؤمنة من شعوبهم، وراحوا بكل ما أوتوا من قوة وبيان وقدرة يزرعون ثقافة التخاذل والانحدار لدى شعوبهم... إلا أن الأمة في نهاية الأمر أماطت غثاء هؤلاء عن طريقها، ورفضت كل ما زين لها وانتصبت ثقافة دينها وعقيدتها الأصيلة الثابتة في جذورها، ثم وضعت الرجل في الركاب، فطلعت فرسان صلاح الدين كشمس حاول الضباب الواهي أن يحجبها عن البقاع. إلا أن الشروق كان أسطع وخضرة الخير كانت أمرع.
* الأدب الإسلامي ما هو؟ وهل تقولون بإسلامية الأدب؟
** السيد: الأدب الإسلامي هو الكلمة الطيبة المجنحة التي تبغي خير الإنسان وتقدمه وبناءه البشري المتوازن بلا زيغ ولا انحراف ولا تزمت، سواء كانت تلك الكلمة نثراً أو شعراً أو قصة أو رواية، مسرحية أو مقالة. وبناء على ذلك، وانطلاقاً من هذا التعريف أقول بإسلامية الأدب كفكرة ومصطلح ينظران إلى النص ليس مجرداً عن كاتبه ونوع التزامه. ولا أقول بأن إسلامية الأدب تحوله إلى مجرد مواعظ ونصائح خطابية كما يخشى البعض. وإن كنت لا أرى بأساً بأن يحمل الأدب شيئاً من ذلك يملح النص ويقربه من الواقع وذلك كما يملح شيء من الخيال وقليل من الرمز النص ويجنحه ويعطيه أبعاداً وظلالاً.
فإذا تحولت إسلامية الأدب ذريعة للانغلاق وعدم استيعاب التطور التقني والموضوعي المناسب والمفيد لنا، أو إذا تحولت إلى تكرار النفس واجترار التجارب مع الذهاب بعيداً داخل النصوص الوعظية المباشرة في الشعر والقصة والمسرح والرواية فإن ذلك نذير اضمحلال وتراجع كبير لا سمح الله، نرجو الله أن لا يدخل الأدب الإسلامي هذا الباب.
نقاد إسلاميون
* كيف تنظرون إلى النتاج النقدي الإسلامي الموازي للأعمال الإبداعية.. وهل يؤدي النقاد بشكل عام والإسلاميون بشكل خاص واجبهم تجاه الأدب الإسلامي؟
** السيد: إن أية حركة إبداعية إذا لم تلازمها حركة نقدية مكافئة فإن هذه الحركة لن تستطيع التطور بالسرعة الزمنية السليمة ولا بالتقنية المطلوبة، وإن حركة النقد للأدب الإسلامي يجب أن يتبناها نقاد ملتزمون مقتنعون بإسلامية الأدب، وإلا فإن الآخرين من النقاد لا يمكن أن يعطوا من وقتهم شيئاً للأدب الإسلامي، وإن أعطوا فسوف يكون النتاج غير حيادي. وأخيراً اسمح لي بالقول: "إن النتاج النقدي الإسلامي دون مستوى التقدم الإبداعي حتى الآن".
* رابطة الأدب الإسلامي العالمية كانت أملاً، فهل واقعها عبر مسيرتها التي تجاوزت العقدين من الزمان قد حقق بعض ذلك الأمل؟
** السيد: الرابطة العالمية للأدب الإسلامي كانت ومازالت أملا لأدباء الإسلام. إلا أن ضيق ذات اليد بسبب عدم وجود مصادر تمويل جيدة أدى بعمل الرابطة إلى قصور في أمور عدة منها: ما يتعلق باجتماعات مؤتمرات الرابطة، ومنها ما يتعلق بضعف النشر، ومنها ما هو خاص بإصدار النشرات الدورية. وقد كان كل ذلك عاملاً في إضعاف الثقة بها. ومع ذلك أقول إن الجميع حريصون على قوة هذه الرابطة ومدها بالعون لتستمر وتنمو، كما أنها خلال مسيرتها في السنوات الماضية قد قدمت بعض الأمل الذي يراود كل أديب مسلم. ومن هذا الذي قدمته تقوية الصلة والتعارف بين أدباء الإسلام في كل قطر، ثم الانطلاق بمصطلح الأدب الإسلامي قدماً بحيث أصبح ذلك الأدب موضوعاً للحديث والاعتراف به كواقع بدأ يفرض نفسه من خلال الإنتاج الإبداعي والنقدي، ومن خلال مؤتمرات الرابطة وعلاقاتها، ومن خلال انتماء العديد من الأعضاء المرموقين إليها... وتأتي رابطة أدباء الشام ذراع دعم وعون وإمداد للرابطة العالمية للأدب الإسلامي كما أنها كانت نوعاً من التنوع والإخصاب للأدب الإسلامي الملتزم.
* كما هو معلوم، للصحافة دور كبير في نشر الثقافة وتعميقها، هل تقوم الصحافة بواجبها تجاه الأدب والأديب الإسلامي؟
** السيد: ما سوى الصحف الإسلامية فإن الصحافة العربية تقوم بدور مثبط للأدب والأديب الإسلامي. ولولا المساحة الضيقة التي تتيحها بعض الصحف الإسلامية للأديب الإسلامي مثل: المجتمع الكويتية، و"النور الكويتية والنور اليمنية والدعوة السعودية والمشكاة المغربية واللواء الأردنية وفلسطين المسلمة والدعوة المصرية". ولولا الكفاح المرير الذي يكافحه الأديب المسلم مع دور النشر ومحاولة تثبيت أقدامه لوجدنا أن الصورة قاتمة.
* من هم القصاصون من أصحاب النزعة الإسلامية في أدبنا المعاصر، وما تقويمكم لكل واحد منهم بكلمات قليلة؟
** السيد: من الصعب علي إحصاء القصاصين من ذوي النزعة الإسلامية، إلا أنني لا أعدم ذكر بعض الأسماء وعلى رأسهم:
- د. نجيب الكيلاني، وهو علم مشهور. وقد كتب عنه ما يؤدي إلى التعريف بأدبه، ولو أن هذا الذي كتب دون مكانة الرجل.
- الأستاذ عبد الله الطنطاوي: وهو قاص وناقد سوري إسلامي معروف، كتب مجموعة (ذرية بعضها من بعض) منذ السبعينات، كما كتب في النقد حول باكثير، ومحمد منلا غزيل وغيرهم. وله الآن روايات تاريخية إسلامية تحت عنوان "من نجوم الإسلام"، والأستاذ عبد الله فنان مجيد.
- الأستاذ محمد الحسناوي: وهو أيضاً قاص وشاعر وناقد سوري إسلامي معروف، كتب في القصة مجموعة: (الحلبة والمرأة)، (بين القصر والقلعة) وهما مطبوعتان وله أربعة دواوين شعرية مطبوعة، وله بعض كتب النقد والدراسات مثل الفاصلة في القرآن وفي الأدب... والأستاذ محمد له شعر طلي ومتقدم، وقصصه تمتاز بالواقعية الحية المتحركة.
- الأستاذ عبد الله عيسى السلامة وهو شاعر وقاص وروائي... إسلامي سوري له رواية (الثعابيني) ورواية (الغيمة الباكية) وهما مطبوعتان وقد اشترك في مجموعة قصصية مع عدد من الأدباء بعنوان (خط اللقاء). وله العديد من الدواوين الشعرية المطبوعة. والأستاذ عبد الله قاص موهوب جزل الأسلوب ويستعمل الرمز غير المغرق.
- الأستاذ: محمود مفلح وهو شاعر وقاص فلسطيني إسلامي، له: مجموعة المرفأ وله عدد من دواوين الشعر المطبوعة. والأستاذ محمود متنوع الإنتاج، ذو شعر سلس، وقصص واقعية إسلامية هادفة.