الدكتور السفير غازي ابوكشك
الحركة التحررية الكوردية ترى بقناعة كاملة بإن أي تقدم تحرزه حركة التحرر الفلسطينية هو انجاز لمهام التحرر الوطني الديمقراطي في المنطقة وهو بالتالي تقدم النضال للشعب الكوردي على طريق تحرره وتقدمه
س هل للشعب الكوردي الحق في أقامة دولته المستقلة ..؟
ج- يبلغ عدد الكورد في عموم الجغرافية الكوردستانية حوالي خمسين مليوناً ليس لهم وطن وهناك بعض الدول تعدادها أقل من مليون نسمة ولها سلطة وكيان مستقل لذلك شعر الشعب الكوردي عبر تاريخه الطويل بالغبن والظلم من الدول الكبيرة التي أبقت الشعب الكوردي دون كيان سياسي وجغرافي فلجأ هذا الشعب عبر العديد من الثورات والانتفاضات للمطالبة بالحرية والاستقلال ..
س لماذا الأمم المتحدة لا تستطيع ولا تريد سماع صراخ الكورد
ج- هنا لا بد من سرد مقتضب لهذه المسألة فعندما انتهت حربان عالميتان حيث أحرقت معها الأخضر واليابس بنيرانها فدمرت عالماً وبنت عالماً آخر جديد بانتهاء أربعينيات القرن الماضي ,واندثرت إمبراطوريات على أثرها وخلقت جمهوريات من العدم وظهرت دولاً كافحت شعوبها حتى وتحررت بينما سحقت تلك المرحلة شعوباً أخرى تحت أقدام المنتصرين في الحرب، فضاعت كل آمال شعوبها بين خفايا السياسات الإمبريالية ومصالح الدول المختلفة، ولتسليط الضوء أكثر على إحدى القوميات أو أحد الشعوب التي كانت قرباناً للمساومات الدولية هو الشعب الكوردي وقضيته، حيث التداخل والغبن وجهل الآخرين بهذه القضية أي القضية الكوردية التي سنصفها بالمسألة التي تعتبر من أهم المسائل السياسية والإنسانية تعقيداً وتشابكاً في العالم، وأيضا تعتبر قضية الشعب الكوردي من أبرز القضايا التي تستدعي إيجاد الحلول السريعة بما يتناسب تاريخ وجوده القومي وعلى أرضه التاريخية وما وصل إليه الشعب الكوردي من معاناة بسبب التداخلات التاريخية والسوسيولوجية و تقسيم بلاد الكورد عبر اتفاقيات متعددة آخرها اتفاقية سايكس بيكو 1916، التي قسمت كوردستان إلى أجزاء. لكل جزء منه مصالحه و سياساته المرتبطة بسياسات عالمية مختلفة ، حيث تم تقسيم كوردستان بين عدة دول، أهمها أربع من دول المنطقة هي إيران وتركيا والعراق وسورية، إضافة إلى أجزاء ألحقت بروسيا أثناء حروبها مع الدولة العثمانية، وهكذا صار الشعب الكوردي من أكبر الشعوب التي بقيت حتى الآن محرومة من كافة حقوقها القومية، ويتم أحيانا إنكار وجودها وطمس ثقافتها.
س هل الوقت حان كي يتم رسم خريطة جديدة في الشرق الأوسط وينال فيها الكورد حقهم في امتلاك دولة
ج- إن الحديث الذي تداولته أوساط سياسية وإعلامية في الآونة الأخيرة عن استمرار اتفاقية سايكس بيكو لـ 100 عام آخر, قد لا تبدو هذه الرؤية موضوعية ,ولا يعتقد بأنهم سيأخذونها على محمل الجد وخاصة أن ما جرى في عام 2017 حول الحديث الاعلامي والسياسي المكثفين عن إعلان دولة كوردستان وانفصالها عن العراق بات قريباً جداً الى الواقع من خلال تصريحات الرئيس مسعود البرزاني التي ادلى بها في المحافل الدولية...؟ وكذلك هناك اتفاق أمريكي واضح مع وزارة البيشمركة يحمل هذا الاتفاق على بنود عدة تتعلق احداها ببناء قواعد أمريكية في كوردستان وهو دليل غير مباشر على الموافقة الضمنية لإعلان الدولة الكوردية من قبل أمريكان من ثم برنامجا امريكيا لتسليح قوات البيشمركة لتصبح جيشا مدربا قادرا على حماية دولة كوردستان القادمة كما وافقت وزارة الدفاع الامريكية يوم 15- 4- 2017 على بيع عتاد عسكري لوحدات المدفعية والمشاة التابعة لقوات البيشمركة بنحو 300 مليون دولار قد لا يتصور أحد بإن كل هذه المسارات تعني مسألة الإعلان عن الدولة الكوردية, فإعلان الرئيس مسعود البرزاني عن بعض المواقف التي تشير بوضوح إلى قرب الانفصال عن الدولة العراقية, فان لم يكن هناك ضوء أخضر من الغرب وخاصة الأمريكان ما الذي يدفع القيادة السياسية الكوردستانية إلى ان تخطو نحو هذه الخطوات المصيرية وهي التجييش الكبير دولياً لقيام شعب كوردستان قريباً بـ الاستفتاء حول استقلال كوردستان عن الدولة العراقية .
س هل يوجد انقسام داخل الاطر الكوردية ..؟؟؟
ج- برأي أن الولوج في السياسة الكوردية وأحزابها قد نحتاج الى مساحة واسعة لشرحها ولذلك أن المسالة معقدة واعقدها تلك القضايا لتعدد أوجهها وتزايد أعدادها أفقياً وعامودياً بسبب الواقع الكوردي الاستثنائي وهيمنة أنظمة ذات سياسات استخباراتية وما تمارسه هذه الأنظمة من سياسات التفكيك والتشتيت والسعي لعدم توحيد الخطاب الكوردي .رغم كل ذلك فتطرح اليوم في المشهدِ السياسي الكوردي عدة مشاريعَ لحل القضيةِ القومية للشعبِ الكوردي، حيثُ يقفُ خلفَ كلِّ مشروعٍ من المشاريعِ السياسيةِ إحدى القوى الكوردستانيةِ الفاعلة في الساحةِ الوطنيةِ الكوردستانية، ومن خلال قراءة سريعةٍ للقوى السياسيةِ ومشاريعِها سوفَ نجد أنَّ كتلةَ " البارتي " المتمثلةِ بالحزبِ الديمقراطيِّ الكوردستاني- الجنوبية- وحلفائهِ من القوى والأحزابِ الكوردستانيةِ أو بعضِ القوى الدوليةِ هي صاحبةُ المشروعِ القوميِّ التقليديِّ الكلاسيكي في بناءِ الدولة الكوردية القومية وإن كانتْ على جغرافيةِ الإقليمِ الكوردستاني الملحقِ بالدولةِ العراقيةِ ..وثمة مشروع اخر المتمثل بالمفهوم الامة الديمقراطية يقوده حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا ,ولذلك فهناكَ عدة مشاريعَ سياسيةٍ كوردية لحل القضيةِ الكوردية ( الفيدرالية - الكنفدرالية - الانفصال - ادارات محليةٌ – حكم ذاتي ) في البلدان الذي يعيشون فيه الكورد ...
س لماذا غيب أوجلان عن المسرح السياسي ..؟؟؟
ج- في الواقع ضع الأتراك حالة التجريد أو التغييب على السيد اوجلان لان الدولة التركية تدرك أهمية تواصله مع انصاره في الجبال ومع الشعب الكوردي لأن له تأثير كبير على رفاقه وعلى مجريات الاحداث في كل اجزاء كوردستان وكانت خائفة ايضاً من انتشار أفكاره ومبادئه في الحرية والمساواة واستقلال كوردستان، وحتى يتسنى للدولة التركية كسر إرادة الشعب الكوردي والكريلا وليفصل الرأس عن الجسد، فهي تمارس بذلك الحرب الخاصة ضد القواعد والأنصار حزبه.
لكني أقول : إن ما يتعرض له السيد عبد الله أوج الان في زنزانته في سجن ( إمرالي ) سيكون عاراً ملطخاً لكل نياشين أتاتورك المزيفة وحاشيته القزمة ...ان معاناة عبد الله أوج الان تكشف زيف الدولة التركية وديمقراطيتها المضحكة المبكية في آن واحد , في اعتقادي أن التاريخ لن يرحم هؤلاء الطورانيين الذين أساؤوا إلى الكورد من شيخ سعيد بيران إلى عبد الله أوج الان .. ؟؟
س ككاتب كوردي كيف تنظر للوضع في سوريا والعراق ..؟!
إن الشعبين العراقي والسوري " على مختلف تكويناتهما الحقيقية " عانيا كثيراً من نظام الحكم في بلديهما، وقد مارست دكتاتوريات البلدين ابشع أنواع الظلم والتسلط على شعوبهما . وإن هذين النظامين في العراق وسوريا قد تشربا من مستنقع مدرسة حزب البعث فانبثقت حركة معارضة لهما طيلة سنوات حكمهما، وجراء هذا الواقع الذي عاشه هذان الشعبان فإنه لم تتوافر في هذين البلدين حياة اجتماعية وسياسية واقتصادية مستقرة مزدهرة، كما كان ينبغي، فكانت دائما هناك مطالبة بحقوقهما الديمقراطية في البلدين. بل كانت قوى المعارضة ترفض ضمن إطار الممكن السياسات القمعية الجائرة في هذين البلدين، على حد سواء
س أين فلسطين من الكورد ..؟؟!!
إن الحركة التحررية الكوردية التي تشكل احدى الروافد النضالية في الحركة الثورية بمنطقة الشرق الاوسط وبالإضافة الى مهامها المتعلقة ببناء وتعزيز ادواتها الثورية وتحقيق وحدة فصائلها السياسية والحزبية , وقواها وانتزاع حق الشعب الكوردي في تقرير مصيره في اطار الاتحاد الاختياري مع الشعوب العربية والايرانية والتركية وإزالة مظاهر الاضطهاد والشوفينية فإنها بالإضافة الى ذلك تعمل من اجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي وضد الدكتاتورية والرجعية ومن اجل القضاء على النفوذ الشوفينيين والدكتاتوريين في الشرق الاوسط ,وان المرحلة الراهنة التي تجتازها الحركة الثورية عموما تتميز بالخطورة والدقة في التعامل مع المخططات التي تسعى الى تصفية القضية الفلسطينية, وان الحركة التحررية الكوردية ترى بقناعة كاملة بإن أي تقدم تحرزه حركة التحرر الفلسطينية هو انجاز لمهام التحرر الوطني الديمقراطي في المنطقة وهو بالتالي تقدم النضال الشعب الكوردي على طريق تحرره وتقدمه . وثمة امثلة كثيرة حول العلاقة التاريخية بين الشعب الكوردي والفلسطيني وهنا نستذكر هذه الحكاية : عندما أقدمت إسرائيل عام 1982 على اجتياح جنوب لبنان من أجل القضاء على حركة المقاومة التحررية الفلسطينيَّة المسلَّحة، اندلعت معركة تاريخيَّة شهيرة في منطقة اسمها قلعة ( الشقيف ) في لبنان، وكانت أول المعارك التي شهدتها الحربُ اللبنانيَّة آنذاك,ووقعت الاشتباكات بين وحدات " كوماندوس " خاصّة التابع لجيش الإسرائيلي من جهةٍ، ومسلّحين من منظمّة التحرير الفلسطينيَّة يقاتلون جنباً إلى جنب مع مسلّحين الكورد من انصار( ب ك ك ) الذين دخلوا لبنان في 1982 بعد الانقلاب العسكري في تركيا .في ذلك الحين وقع مئات المقاتلين أسرى في قبضة الجيش الإسرائيلي، ونقلتهم السلطات الإسرائيلية آنذاك إلى داخل فلسطين المحتلة وعرضت صورهم، وكان بينهم العشرات من الشباب من كوردستان الشمالية , حتى قيل انهم قاتلوا الجيش العراقي بضراوة الرجال . فإن هذه الواقعة التي تمثل الترابط الجوهري ـ أخلاقياً وإنسانيَّاً وسياسيّاً ـ بين القضيّتين الفلسطينيَّة والكوردية، إذْ تُظهرُ القضيَّتان نزوع قومية كوردية وقوميَّة عربية فلسطينية إلى التحرر والانعتاق والعيش. ولم تقتصر هذه العلاقات على التضامن السياسي فحسب، بل تعدّتها إلى التدريبات العسكرية المباشرة بين مقاتلين من تنظيمات كوردية وفلسطينية لكن يبقى الخيط الحقوقي السياسي رابطاً وثيقاً بين أعدل قضيتين في المنطقة: ألا وهي القضية الكوردية والقضية الفلسطينية.