نحن وكمين فلسطين
ينقل طلال نعمة، في كتابه «إلياس مرقص: حوارات غير منشورة» قوله: إن العرب ركضوا نحو فلسطين، لكنهم كانوا يركضون نحو كمين، مشيراً بذلك إلى أن مقدمة الراكضين هم الزعماء العرب، الذين سعوا إلى استخدام فلسطين وقضيتها المقدسة لبقائهم في الحكم، ويسرد في هذا السياق ما فعله هواري بومدين صاحب مقولة: «نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة»، بأنه حين انقلب على حكم أحمد بن بلة، دعا أعضاء من حركته، وعرض عليهم ضرورة تنشيط العمل العسكري في فلسطين، ولا سيما قوات العاصفة التابعة لحركة فتح، فعرض عليها السلاح، وبعد أن كانت ما تسمى بـ «القوى الوطنية والتقدمية في سوريا» تصفه بالعميل للإمبريالية والرجعية، وتُمجّد سلفه بن بلة، انقلب الأمر، وغدا من كان عميلاً للإمبريالية عدواً لها ومناصراً لقضية فلسطين. ويسرد إلياس مرقص، المعروف بقربه من منظري ورجالات انقلاب البعث في الستينيات أنه حين كان يتكلم معهم كيف ستُعالجون سحر عبد الناصر الشعبي، ولا سيما طرحه للوحدة الذي سيدرّ عليه شعبية عربية كبيرة، فكانوا يردون علينا بأننا سنحرك له تحرير فلسطين، أما القيادات الطائفية، مثل محمد عمران أحد ضباط اللجنة السداسية الطائفية التي أدارت انقلابات البعث، فحين فُوتح بالأمر، طلب إخفاءه على طريقته بالباطنية السياسية، كما يذكر إلياس مرقص، ونجح البعثيون في تعميم تجربتهم هذه عبر الحزب العربي الاشتراكي، بزعامة أكرم الحوراني، الذي كان أحد المستخدمين من قبلهم للوصول إلى السلطة يوم كان الأخير يتهم جمال عبد الناصر بالتخلي عن فلسطين، والمزايدة عليه. سردت هذه النتف لأمرين اثنين، الأول ما يجري الآن باسم فلسطين هو امتداد لما جرى من قبل، حيث حُكمت الشعوب العربية والإسلامية بالحديد والنار، تحت هذا الشعار الكاذب، ليمتد ذلك إلى فيلق القدس، وفرع فلسطين، وغيرها من المسميات، والأمر الثاني مناسبة لغربلة تاريخنا القريب، وفرز القمح من الزوان، فليس كل ما يلمع ذهباً كما قيل. فرع فلسطين للمخابرات الطائفية السورية من أخطر أقبية التعذيب في سوريا، ولا أحد يعلم شيئاً عن حقيقته، وإن كان من دخله يروي أن ثمة أكثر من ستة أو سبعة طوابق له تحت الأرض، تُدار فيها حفلات التعذيب التي لم تخطر على قلب بشر، وشعارات تحرير فلسطين والمقاومة والممانعة ، بينما كانت الموت الزؤام لأهل فلسطين والشعوب العربية، فرأينا ما جرى بالشام والعراق واليمن وغيرهما بشكل يومي، تحت شعار فلسطين. وعلينا ألا ننسى ما جرى لأهل فلسطين تحت شعارات تحريرها، فكان الحصار صبراً مصير مخيمات صبرا وشاتيلا في عام 1984 على أيدي مقاتلي أمل الشيعية بلبنان، ومن قبلها مجازر مخيمات تل الزعتر، والكرنتينا، والبداوي، ومن بعدها حصار طرابلس، وكلها على أيدي العصابة الطائفية الأسدية. قضية فلسطين، غدت شرعية بقاء في السلطة، وما لم تتفكك شرعية بقاء الأنظمة الاستبدادية الشمولية، من أجل إطلاق العفريت، وهو الإنسان العربي والمسلم من قمقم الكبت والإرهاب والاستبداد، ليعيش حياة حرة كريمة، فلن يقدر على تحرير فلسطين، فالعبد لا يحرر أسيراً ولا معتقلاً، وحين طُلب من عنترة الكرّ قال قولته المشهورة: «العبد لا يعرف الكرّ»، حينها فقط أُطلق سراحه وفعل الأعاجيب، وهي مناسبة لمن طبل وزمر لإسقاط طائرة إسرائيلية يتيمة، حرصت على خرق أجواء أنظمة المقاومة والممانعة على مدار السنة، وعلى مدار 12 شهراً، وبشكل يومي، بينما طيران الممانعين المقاومين وسدنتهم يدكون الشام يومياً، فلا تسمع لهم ركزاً أو حساً.
وسوم: العدد 760