أيّها المواطن السوري: حقك في الصراخ، سقط بالتقادم!
حين صرخت من ألم القهر والجوع والتعذيب ، وفقدان الحرية والكرامة ، صرخ في وجهي الضابط المكلف بقهري وتعذيبي ، قائلاً : اخرس ياوغد .. إن صراخك يزعجنا !
وحين قلت له : إن من حق المتألم أن يصرخ . أجابني : هذا صحيح ، ولكنك فقدت هذا الحق ، منذ سنين طويلة !
قلت : ولكنّ ضابطاً كبيراً قال لي منذ مدة ، حين كنت أصرخ من الألم والقهر والجوع وفقدان الحرية والكرامة .. قال لي : اخرس ، فإن حقك بالصراخ لم يحِن بعد ..! نحن الآن مشغولون بمعركة ، ولاصوت يعلو فوق صوت المعركة ..! وأيّ صراخ الآن ، منك أو من سواك ، سوف يضعف عزيمة الرجال الذين يخوضون المعركة ، وهي معركة مصيرية حاسمة ، لن نسمح لأحد أن يضعفنا فيها، أو يوهن من عزيمتنا في خوضها ، ضدّ أعداء الأمّة الشرسين ، المتربّصين بنا الدوائر، من الصهاينة والمستعمرين ..!
قال : كلام الرفيق الضابط صحيح ، وكلامي صحيح ، وعليك أن توفّق بينهما ، وأن تخرس خرساً مضاعفاً ..!
قلت : ولكن كيف أوفّق بين حقّ لم يحن وقته ، وحقّ سقط بالتقادم ، وكلاهما حقّ واحد ..!؟
قال : سأهمس في أذنك كلاماً لاتخبر به أحداً : إن سيادة الضابط الرفيق ، الذي أخبرك بأن حقك في الصراخ لم يحن وقته بعد ، كان يسايرك ، ويأخذك على قدر عقلك ، ويفتح لك نافذة أمل بالصراخ ، ولو بعد سنوات طويلة قادمة ..! وقد تموت قبل أن تحقّق هذا الأمل ، وقد ننتصر على العدو ، ونقيم احتفالات للنصر ، تستمرّ سنوات عدّة لامجال فيها للصراخ .. وقد يهزمنا العدوّ ، لاسمح الله ، فنبدأ بالاستعداد لمعركة جديدة ، وفي هذه الحال يكون العمل الجادّ، لكسب معركة الثأر ، هو المطلوب من كل مواطن ، ولا مجال للصراخ ألبتة ، لأن الصراخ سيكون عندذ ـ كما هو الآن ـ خيانة وطنية ، لأنه يضعف من عزيمة المقاتلين، ويؤدّي إلى خسارة المعركة..!
.. فكلام الرفيق ذاك صحيح ، من حيث كونه يفتح لك نافذة أمل ، حتى لو كان أملاً خادعاً، لأن الحياة بلا أمل صعبة جداً ..! لذا كان رحيماً بك ، وعليك أن تشكره شكراً جزيلاً..! أمّا الكلام الذي قلته لك ، بأن حقك سقط بالتقادم ، فهو عين الحقيقة ..! ذلك أنك كان يجب أن تصرخ يوم استلمنا السلطة في البلاد ، فذلك هو الوقت الذي كان يحقّ لك فيه الصراخ ..ولمّا لم تمارس حقك في ذلك اليوم ، وأجّلته إلى الآن .. فقد خسرته ، ولم تبق لك فرصة في ممارسته.. والسبب واضح وبسيط ، وهو أننا لسنا مَن فَرضَ عليك هذا الواقع الذي تشكو منه الآن ، فالذين فرضوه تركوه ومضوا ، كل في حال سبيله ، منهم من ذهب إلى القبر، ومنهم من ذهب إلى المنفى ، ومنهم من ذهب إلى السجن ، ومنهم من ألزَمه المرض أوالعجز بيته..! ومن تراهم أمامك الآن ، لا ذنب لهم فيما أنت فيه ، فهم مجرد استمرار، للجيل الذي صَنع لك ماأنت فيه الآن ! وأيّ تغيير في هذا الواقع الذي أنت فيه ، يشكّل خيانة عظمى لجيل المؤسّسين .. فهل تريدنا أن نكون خونة يامجرم ياحقير..!؟
قلت : ولكني ، ياسيّدي ، صرخت منذ اليوم الأول لاستلام الجيل المؤسّس للسلطة ، فكيف أفقد حقي في الصراخ ، اليوم ، بالتقادم ..!؟
قال : يبدو أن صوتك كان ضعيفاً ، فلم يسمعه أحد !
قلت : بل صرخت بقوّة ، وبصوت مجلجل ، سمعه كل من كان حولي ..!
قال بغضب : كشفتَ نفسك ، ياوغد يامجرم ياعميل..! وسجّلت على نفسك تهماً خطيرة ، تقذف بك وراء الشمس ، أولها: أنك كنت عدوّاً لحكمنا منذ بدايته ، معرقلاً لمسيرة ثورتنا الميمونة! وثانيها : أنك طمّاع جشع ، لاتشبع من الصراخ ..! فقد اعترفت بأنك صرخت منذ تلك الأيام، وتريد الآن أن تصرخ مرّة أخرى ، فتزعجنا من ناحية ، وتأخذ حقّ غيرك في الصراخ ، من ناحية ثانية ! أم تظنّ أن جَدك خلّف لك عندنا ، مستودعاً مملوءاً بالصراخ ، تنفق منه متى تشاء ، وكيفما تشاء !؟ لولا حرصنا على أن يظلّ فمك مفتوحاً لتأكل وتشرب ، لختَمنا عليه بالشمع الأحمر! فاحمد الله على أن لدينا من الرحمة ، مايجعلنا نحفظ حياتك من الموت عطشاً وجوعاً..!
وسوم: العدد 761