كي لا تتكرر مأساة الموريسكيين بالشام
بينما كنت أقرأ الرواية الرائعة «الموريسكي» للمغربي حسن أوريد، وكأنه يكتب عما يجري في الشام اليوم، فقد وجدت تكتيكات القشتاليين التي مورست على أهلنا الموريسكيين، يتم استنساخها من قبل الطائفيين وسدنتهم في الشام، فما علينا إلا أن نضع بدلاً من أبي عبدالله الصغير، العبادلة الصغار من القادة الميدانيين أو بعض الزعماء العرب الذين تخلوا عن مسؤولياتهم تجاه الشام وأهلها، وراحوا يدعمون الصلح الكاذب والهدن وخفض التوتر الخادع، والذي سرعان ما ينقضها الروس قبل أن يجف حبرها، كما رأينا في قرار مجلس الأمن الدولي الأخير بفك الحصار عن الغوطة، وبينما كان يوقع أبو عبدالله الصغير على اتفاقيته مع الزعيم الصليبي القشتالي، تضمن لمسلمي الأندلس حقهم في الحياة والعبادة ونحوها، كانت محاكم التفتيش تُنصب لهم، وكان التنصير الإجباري والقتل والسحل والاغتصاب مصيرهم، يعلق على هذه المشاهد كاتب الرواية تعليقاً رائعاً يذكرنا بخروقات المحتلين للشام اليوم: «القوي لا يرى نفسه ملزماً باحترام التزاماته». لعل مسلمي تلك المرحلة معذورون بعدم دعمهم ومساندتهم للموريسكيين، بسبب تأخر وصول أخبار إخوانهم الموريسكيين لهم، فقد تمكنت البحرية القشتالية الصليبية من جزّ رأس التاجر المسلم الذي نقل رسالتهم إلى الباب العالي باسطنبول على مقربة من المرية، وحين كنت أقرأ رسالة مسلمي الموريسكيين، رأيت كأن كاتبها محاصَرو القصير أو بابا عمرو أو حلب وربما الزبداني ومضايا واليوم الغوطة، تقول الرسالة المطولة: «... تعالوا إلى نجدتنا يا إخواننا في الدين، لقد تجاوزت مآسينا كل الحدود»، ثم تقول: «لقد صرنا كالأيتام في مأدبة اللئام»، وتتابع الرسالة تفاصيل ما جرى بالأمس وما يجري اليوم بالشام لتقول: «كانوا يدخلون بيوتنا بدون استئذان ويُلوِّثون شرفنا ويلحقون العار بنا، ورغم ذلك كانوا يرغموننا على عدم الجأر بالشكوى من الآلام التي يوقعونها فينا، كل هذا بعد أن أخذوا ممتلكاتنا وبعد أن سجنونا، وطردونا من قرانا .. صرنا فريسة لليأس فنحن بعيدون عن إخواننا وأصدقائنا، وقد تخلى عنا الجميع وليس لنا سوى رحمة الله، انظروا إلينا بعين الرحمة والشفقة، إننا إخوانكم في الدين، فلا تدعوا الفرقة تنال منكم، فتفرُّق كلمتكم أشد علينا وأمضى من المآسي التي نتكبدها». لكننا حين نقرأ عن مآسي الموريسكيين لا نقرأ عن البطولات التي سطرتها المقاومة يومها، وهي تصمد وتقاتل وتقاوم لوحدها، دون أن يسمع صرخاتها مسلمو ذلك الزمان، كان أهالي حي البيازين من الموريسكيين يتحدثون عن بطولات المقاومة في جبال البشارات، وكيف يصمد الأبطال فيها، وكيف تقاتل النساء بالسكاكين، ويرفضن الاستسلام، إلى أن يُلقين بأنفسهن من الجبال، كي لا يقعن بأيدي القشتاليين الصليبيين. لكن الأسوأ من ذلك كله أن يحل بالمقاومة ما حلّ من هزيمة لا لضعف أهلها، ولكن لتكالب أعداء كثر، وسط محاصرتها وتقاعس المسلمين عن دعمهم ومساندتهم، يومها كنت ترى المشهد المحزن الرهيب فمن كان يعيش في يسر ودعة، يتحول إلى الفقر المدقع، يتسول كسرة خبز لطفل جائع أو امرأة مرضعة، ويومها أُرغم الكل على مغادرة حي البيازين، ليُجبَروا لاحقاً على اعتناق المسيحية، واقع يذّكرني اليوم بما يجري من حملات التشييع في حلب ودمشق واللاذقية وغيرها. منذ أن أرغم أهالي بابا عمرو، ثم أهالي القصير وحمص وحلب والزبداني ومضايا وبعض من بلدات ريف دمشق على الاقتلاع من أرضهم، كانت الأرواح قد غادرت الأمكنة لتحل الأشباح محلها، لم يعد للمكان قيمة كبيرة مع رحيل ذكريات الأرواح والعائلات، مع رحيل الأصالة والعراقة، مع رحيل صمود قرون في هذه الأمكنة، يومها حلّ ماكدونالدز محل الطعام التقليدي الأصلي، لكن هل يمكن استنبات المانجو في سيبيريا؟؟!! فثورة الكرامة تأبى أن تتعايش مع استبداد واحتلال خارجي، لقد هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاملاً معه العقيدة المقدَّمة على الأرض، ليحمي العقيدة ويعود إلى الأرض بعد سنوات فيستعيدها، فهل يعي النظام وأذنابه أنهم يحرثون البحر، ويسعون للقبض على الريح.
وسوم: العدد 762