ما الفائدة؟

ما الفائدة من العمل لدين الله إن كنا نبني ويهدم غيرُنا؟! ما الفائدة إن كان لا يلوح في الأفق لأمة الإسلام فجرٌ قريب؟

ما الفائدة إن كنا نزرع ويأتي طوفان الظالمين فيخلع ما زرعنا..ولا يبدو أننا سنقطف من ثمار زرعنا شيئا؟!

معك حق أخي...لا فائدة!

لا فائدة إن كنت ترى ساحة المعركة تنتهي بحدود الحياة الدنيا..

لا فائدة إن كنت تفهم العمل مع الله على أن أجره معجل في الدنيا، ولا تَقْنَعُ بقوله تعالى: (وإنما تُوَفَّون أجوركم يوم القيامة).

لا فائدة إن كنت كأصحاب الدعوات الأرضية: تقيس نجاحك بقطف الثمار في هذه العاجلة: نصراً وتمكينا ورفاهاً، وإلا فالفشل!

لا فائدة إن كنت "فاهم الصفقة مع الله غلط": (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)..

لا فائدة في هذه الحالات...لذا، فاقعد، واترك العمل مع الله، وايأس، ويئِّس غيرك، واجعل نفسك نهباً لأعدائك والشيطان، لأنه..لا فائدة!

أما إن كنت تقرأ قوله تعالى: (وأن سعيه سوف يُرى (40) ثم يجزاه الجزاء الأوفى)، فستعلم أن الفائدة، كل الفائدة في العمل في مثل هذه الظروف! 

إن كنت تقرأ حديث: (عبادةٌ في الهرج والفتنة كهجرة إليَّ)، فيكفيك فائدةً أنك تُكتب في المهاجرين فتُبعث يوم القيامة في زمرة محمد صلى الله عليه وسلم آمناً مطمئنا مُقرباً مُكرماً مرفوع الرأس بما قدمت!

ما الفائدة؟؟!! ألا يكفيك أن تبذر بذورا، الله حين يشاء يسقيها، فتبقى تؤتي أُكُلها كل حين بإذن ربها؟

ألا يكفيك أن تَبُثَّ الأمل والرجاء في نفوس الأمة، وتحسن ظن الناس بربهم، فيموت من يموت منهم بقلب سليم، ويعيش من يعيش منهم ثابتا أمام الفتن، ثم حين يأتي الفتح الموعود تكون أنت قد أسَّست له ووضعت لبناته الأولى؟! 

لا والله ما يملك طواغيت الأرض كلهم، ولا ظلمة الأرض كلهم أن يطفئوا نورك هذا ولا يخلعوا بذورك هذه إن كنت غرستها بإخلاص..

ختاماً، أذكر كلمات لسيد قطب رحمه الله في كتابه: (أفراح الروح) كان لها تأثير عمييييق في حياتي! قال رحمه الله وغفر له وأحسن إليه: "لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة! لقد عملت بقدر ما كنت مستطيعاً أن أعمل..هناك أشياء كثيرة أود أن أعملها لو مُدَّ لي في الحياة، ولكن الحسرة لن تأكل قلبي إذا لم أستطع؛ إن آخرين سوف يقومون بها، إنها لن تموت إذا كانت صالحة للبقاء، فأنا مطمئن إلى أن العناية التي تلحظ هذا الوجود لن تدع فكرة صالحة تموت"..

قالها سيد وقد حُبس من طاغوت عصره، وهو ينتظر الإعدام..لا قطف الثمار!..

وأنا عن نفسي أنتظر ذلك اليوم الذي أقول فيه:

لم أعُد أفزع من الموت، حتى لو جاء اللحظة! لقد بَثَثْتُ في نفوس الناس تعظيم الله ومحبة الله وكتابه ونبيه وشريعته..ويَسُرني أن ألقى الله بهذا العمل..وأرجو أن يبارك مِن بعدي فيما بذرت. 

لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة..صحيح أني مقصر في خدمة دين الله ولا شك، لكني أتعامل مع ربٍّ كريم ودود رحيم..

أنتظر هذا اليوم، وأسأل الله أن يوفقني وإياكم إخواني وأخواتي للعمل له...وحينئذ فلا يؤذينا طوفان الظالمين ولا يخيفنا منهم شيء، فما بأيدينا من حَبٍّ قد بذرناه، والحصاد عند الله.

وسوم: العدد 762