المرأة بين تكريم رب العالمين واحترام المتزنين وازدراء المزدرين ومغازلة الطامعين
تستطيع المرأة بكل سهولة ويسر أن تميز بين من يكرمها ومن يحترمها ، ومن يزدريها، ومن يغازلها ، ذلك أن الخالق سبحانه الذي خلقها من ضلع مخلوق مكرم أشركها معها في نعمة التكريم ، بينما يختلف وضعها عند المخلوق بين محترم لها صادق في احترامه ، ومزدريها ،ومتملقها .
والمرأة العاقلة الكيسة الواثقة من تكريم رب العالمين لها ،لا تهتم ،ولا تبالي بازدراء المزدرين ، ولا تنخدع بمغازلة الطامعين أو تملق المتملقين . ويلتقي من يزدرونها مع من يغازلونها عند فكرة اختزالها في مجرد شهوة ، ويفترقون في أساليب التعامل معها بين التعنيف والتحرش بها أو التودد الكاذب والروغان منها ، فهي في ذلك بين ذئاب كاسرة أو ثعالب ماكرة . ويحاول المزدرون تبرير ازدرائهم بذريعة واهية حيث يعتبرونها وصمة عار باعتبار طبيعتها الأنثوية التي خلقها الله عز وجل عليها ، وهو سلوك في منتهى الغباء لما ينطوي عليه من تناقض صارخ بين اشتهاء المرأة كأشد ما يكون الاشتهاء ، وفي نفس الوقت اعتبارها وصمة عار . ومن عبارات المزدرين التي تزري بالمرأة ، والتي لا زالت ذاكرتنا الاجتماعية تحتفظ ببعضها قولهم " المرأة حاشاكم " ، " والمرأة شرف الله قدركم" ، و" المرأة أعزكم الله " ، وهي عبارات تسوي المرأة التي كرمها الله عز وجل تكريما لا يقل عن تكريم من يتفوهون بهذه العبارات جهلا وجهالة بالحيوان حيث تستعمل نفس العبارات حين تذكر الكلاب أو الدواب ،بل وحين تذكر أشياء أخرى كالفحم والتّنور ، وغير ذلك ، وهي عبارات لا تليق بهذه المخلوقات بله بمخلوق كرمه الله عز وجل، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا . ومن تفاهة المستعملين لتلك العبارات التي لا تستعمل إلا عند ذكر القذارة أن حاجتهم ماسة إلى أرحام أمهات وهم أجنة ، وإلى ألبانهن ،وإلى ظهورهن وحجورهن ، وعنايتهن حتى تشتد أعوادهم ، وإلى زوجات يسكنون إليهن ،ويجدون عندهن العناية والرعاية مأكلا ومشربا ومعاشرة . ومن تفاهتهم أيضا حين يستعملون تلك العبارات عند ذكر الكلب، والدابة، والفحم، والتنور أنهم لا يستغنون عن كلب يحرس بيوتهم أو ماشيتهم أو يصيد لهم صيدا ويطعمهم من جوع ، ولا يستغنون عن دابة يركبون ظهرها ، وتحمل أثقالهم إلى بلد لم يكونوا باليغه إلا بشق الأنفس ، ولا يستغنون عن فحم يدفئهم ويطبخ طعامهم ، ولاعن تنور يمدهم بخبز يرد مخمصتهم . وإنه لمن اللؤم والخسة والدناءة أن يحتاج هؤلاء الحاجة الماسة إلى من ،وما يذكرونه بما تذكر به القاذورات . وقد تسد عند أمثال هؤلاء مسد تلك العبارات الوقحة عبارات أخرى أشد وقاحة منها تعرض بالمرأة ، وتنال من عرضها وشرفها لأنها أنثى تختزل في مجرد شهوة تلبي نزوة غريزة . ومن غباء بعض الذين يزدرون المرأة أنهم يكيلون في ازدرائهم بمكيالين حين يستثنون أمهاتهم، وزوجاتهم، وبناتهم، وأخواتهم، وقريباتهم من الازدراء ويرضونه لغيرهن . ويرى هؤلاء أن الاعتداء على شرف نساء الغير محمدة يفخرون بها ، وفي نفس الوقت يسخرون ممن كن ضحاياهم ، في حين يرون أن اعتداء الغير على شرف نسائهم عدوان عليهم ،وعار يلحق بهم . وقد يكون من هؤلاء أهل دياثة لا غيرة لهم لا على شرف نسائهم، ولا على شرف نساء الغير، وهؤلاء أراذل من يزدرون المرأة.
وأما الذين يتملقون المرأة طمعا في المتعة بها خارج إطار ما أحل الله عز وجل من علاقة شرعية ، فيبالغون في إظهار الاحترام الزائد عن الحد لها ، ويتوددون إليها التودد الكاذب ، وينكشف كذبهم من خلال طرق وأساليب حديثهم إليها حيث يستعملون الكلام المعسول الطافح بالرقة واللطف ، ويصفونها بأوصاف خيالية ، فيجعلونها قمرا وملاكا ... وما إلى ذلك من الأوصاف التي يظنون أنها تبجحها لأنهم يعتبرونها ساذجة ومغفلة تنطلي عليها حيلهم بسهولة . وسرعان ما تتبخر عبارات التودد إليها إذا ما قضوا منها وطرهم أو عكست مرادهم ، فينتقلون من معسكر المتوددين إليها إلى معسكر المزدرين .
وبعيدا من موقف من يزدرون المرأة ، و من موقف المتوددين إليها طمعا فيها ، يوجد صنفان من الرجال يختلف تعاملهم مع النساء بين تعامل شرعه الله عز وجل يضع المرأة حيث وضعها خالقها تكريما لها ،لكنه لا يجاوز حدودا وضعها الخالق سبحانه، والتي ليس فيها مبالغة ، وبين معاملة ليست من الشرع في شيء ، وإنما هي مما انتقل إلينا بسبب الاحتكاك والتأثر بثقافات غيرنا من الغربيين ، والتي ترفع المرأة فوق القدر الذي ارتضاه الله عز وجل لها حيث يبالغ بعضهم في تنزيهها فيما تقول وما تفعل ، وما يصدر عنها ، وما تصدر عنه من مواقف ، ويكاد الأمر يبلغ بهم حد إشراكها بخالقهم . ومن هؤلاء من يكيل في مبالغته في التعامل مع المرأة بمكيالين، ذلك أن الزوجة عندهم منزهة عن كل نقص أو عيب بينما تكون الأم عندهم محل انتقاد واتهام ، وقد يحدث العكس أيضا مع أن الخالق سبحانه نزل كل واحدة منهما المنزلة اللائقة بها تكريما، واحتراما ،ومعاملة .
وحين تجهل المرأة قدرها الذي ارتضاه لها خالقها قد يميل هواها مع الذين يبالغون في الرفع من شأنها فوق ما يناسبها ويبجحونها، فيكون ذلك سببا في دلعها، ودلالها، وتجاوز حدود لا ينبغي ، ولا يحق لها تجاوزها ، فيكون منها النشوز والاستعلاء، بحيث لا تقيم وزنا لرفيق عمر أو لقريب من أقربائها ، ولا يصدر منها تجاههما إلا ما يزدريهما ، ويحط من شأنهما ، وهي مزهوة بذلك لا تراه عيبا ومذمة ومعرة . وقد تثير بذلك إعجاب غيرها من بنات جنسها ، فتحاكيها ، وتصير إسوة سيئة مسيئة لأنوثتها ولكرامتها . وقد وصل إلينا كثير من ذلك عن طريق تقليد نساء الغرب انبهارا بهن .
وأخيرا نأمل أن تعي المرأة المسلمة عندنا مكانتها عند خالقها ، وعند من يزدريها أو يتملقها ، و عند من يحترمها ، ويعرف حق قدرها ، وينزلها منزلتها دون مبالغة ، ومن يرفعها فوق منزلتها ليفسد طبعها وطبيعتها إما عامدا أو غافلا ، فتختار ما يصون كرامتها على ما يبتذلها.
وسوم: العدد 763