السلطات الإيرانية تلعب بالنار
تفاجئ الكثير من المتابعين لتطورات الاحداث في ايران من الجرأة التي وصل اليها نظام الحكم هناك بقيامه مؤخرا بالتعدي الصريح والواضح والعلني على واحدة من اكبر المرجعيات الدينية الشيعية في العالم الا وهي المرجعية الشيرازية، وذلك باعتقال السيد حسين الشيرازي نجل المرجع صادق الشيرازي، وتغييبه القصدي عن عائلته وطلابه ومجالس درسه لا لشيء الا لأنه مارس حقه الذي اباحته له كل النواميس والأعراف والقوانين الانسانية بإبداء الرأي السلمي بقضية عامة لا زالت محل جدل ونقاش كقضية ولاية الامة.
والتعبير عن موقف سلمي –أيضا- يرتبط بتصرفات نظام الحكم، تلك التصرفات التي لا تنعكس نتائجها على القائمين بها فقط، بل هي تنعكس سلبا او إيجابا على المحكومين من الناس، وهم عشرات الملايين، مما يعطيهم الحق الإنساني والدستوري في بيان قبولهم بالصالح منها، وإعلان رفضهم الصريح بالطالح والمنحرف، فهذا هو ديدن الشعوب الحرة، وهذا المنهج مقبول ومرحب به من قبل الحكومات التي تحترم حقوق الناس وحرياتهم، بل هذا ما يفترض ان يعمل به النظام الحاكم الذي يزعم انه يستمد شرعيته الوجودية ومشروعيته الدستورية من الانتساب الى منهج الرسول واهل بيته الكرام صلوات الله وسلامه عليهم.
ولكن يبدو ان كثير من الأنظمة والقوى السياسية تتخذ من العترة الطاهرة مجرد غطاء يخفي وجها بشعا من الطمع، والاستئثار بالسلطة، والاستهانة بأبسط حقوق الناس وحرياتهم، فقد راقبنا ردود الأفعال الصادرة من السلطة الايرانية واتباعها، وتلك الصادرة من اتباع المرجعية الشيرازية، فوجدنا ان معظم ردود السلطة المبررة لعملها تقتصر على أمرين: الأول، ان السيد حسين الشيرازي اساء لنظام الحكم في إيران عندما انتقد سلطويته واستبداده وأفقه الضيق مع المعارضة السياسية. والثاني، ان المرجعية الشيرازية مرجعية تقليدية تبالغ بالطقوس، او ما يود تسميته بالخرافات، وأنها مرجعية بريطانية.
اما ردود أفعال اتباع المرجعية الشيرازية -باستثناء قلة محسوبة عليهم- فلا تتعدى محاولة اثبات حقهم الدستوري والشرعي والإنساني في التعبير السلمي عن الرأي، وعدم قبول الازاحة الوجودية لهم من قبل تيار سياسي وديني يعتقد انه فقط من يمتلك الحق في تمثيل شيعة العالم وفرض تصوراته السياسية عليهم، فهم شيعة أيضا ومن حقهم ان تكون لهم طريقتهم في الحياة والاجتماع والسياسة تتناسب مع اجتهاداتهم وتصوراتهم.
وعند وضع حجج السلطة الايرانية في الميزان للحكم عليها سنجد ما يلي:
- لقد خرجت السلطة عن ميدان الاحترام للحقوق والحريات الإنسانية، لكونها صادرت ابسط حقوق الانسان في حرية الرأي والتعبير، ومن يصادر هذه الحقوق الابتدائية لا يستطيع ان يزعم احترامه للحقوق الأخرى كحق الحياة وحق الملكية وحق التنقل وحق التجمع والاجتماع وما شابه.
- لا يمكن لهذه السلطة ان تدعي حكمها وفقا لمنهج الرسول واهل بيته عليهم السلام، فمنهج العترة الطاهرة مع المعارضة السياسية واضح ومعلوم، وليس فيه مصادرة للرأي أو حكم بالظنة، او إرهاب وتخويف وتفسيق للآخر.
- عدم استقرار السلطة وشعورها بالتهديد، فتضايقها واستعجالها في اتخاذ المواقف غير المحسوبة، يدل على اشتداد أزمتها الداخلية، وهي أزمة ستعاود الظهور مرة بعد أخرى بتحركات اجتماعية متمردة، ومواقف حكومية متهورة قد تنتهي بالنظام الى السقوط.
- نزع لباس تمثيل الشيعة من هذه السلطة، اذ كيف يستطيع شيعة إيران وغيرهم من شيعة العالم الشعور بالأمان تحت حكم يهين المراجع وأبناء المراجع الذين حافظوا على علو مقامهم بين اتباع هذا المذهب، فما بالك بالمواطن البسيط الذي قد لا يحسن التفكير والسلوك عندما يعبر عن حاجاته ومطالبه، فهو بحكم سلوك السلطة محكوم عليه بالخضوع والطاعة الابدية سواء احسنت السلطة ام أساءت، وهذا بالفعل جحيم سياسي يساوي بين الموت والحياة، ويحكم على شجرة الحرية بالأفول بقرار من الحاكم.
- اعتقاد السلطة بأن طقوس الناس وشعائرهم، وخياراتهم لابد ان تتطابق مع طقوسها وخياراتها يمثل اعتقادا غير سليم، ومنهجا في الحكم عفى عليه الزمن، فالحكومات في الدول الحديثة بحاجة الى توسيع افقها، وسماع الرأي الآخر، بل والتنازل لهذا الرأي عن السلطة في مرحلة ما، عندما ينال قبول ورضا الناس، فقد ذهب الزمن الذي يقول فيه الحاكم " الدولة أنا" او يقول فيه" انا ربكم الأعلى"، ففي عصر الديمقراطية والانترنيت تستطيع الشعوب اسقاط حكوماتها برسالة تتناقلها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتستطيع أيضا مد الجسور بينها لكسر احتكار السلطة للمعلومات، والقمع لم يعد سبيلا حكيما للحكومات الراغبة بالحفاظ على مصالحها ومصالح شعوبها.
- نزع عباءة الدين وعدم جعلها قميص عثمان الذي تستباح فيه الكرامات، فالحكم اليوم بيد بشر قد يصيبون، وقد يخطئون، ومن يحكم على سلوكهم ليس اجتهاداتهم واحكامهم المستنبطة، انما تحكم عليهم شعوبهم التي تمنحهم الحق في البقاء في الحكم من عدمه، والشعوب لا تقبل بسلطة تصادر حقوقها وحرياتها، كما لا تقبل بسلطة لا تجلب السعادة والرفاه لها سواء طال بقاء هذه السلطة في الحكم ام قصر.
أخيرا، لا بد من التأكيد على ان الشرق الأوسط بشكل خاص، والعالم الإسلامي بشكل عام لم يعد يحتمل الصراعات والانقسامات الحادة، فالدمار الذي عاشه منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين والى الوقت الحاضر أوصله الى درجة عالية من الاحتقان قد تجعله يشتعل في أي لحظة ولأسباب غير متوقعة، فليس من مصلحة السلطة في ايران، ولا من مصلحة خصومها التلاعب بمشاعر الناس، ومصادرة خياراتهم، فالبديل قد يكون فوضى عارمة تقتلع الجميع، وعندها لا ينفع الندم، لذا على الجميع تذكر قاعدة المسؤولية التي ارساها شرعنا الحنيف، عند التعامل من الناس والاحداث، حفاظا على مستقبل آمن لنا وللأجيال القادمة.
وسوم: العدد 763