مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية معلمة ثقافية رائدة في حاضرة زيري بن عطية

إن اختيار حاضرة زيري بن عطية عاصمة للثقافة العربية لموسم 2018/2019 يفرض على المشتغلين بالثقافة التعريف بمعالمها ومصادر إشعاعها الثقافي . ولا يمكن الحديث عن الثقافة في هذه الحاضرة التي كانت مركزا علميا منذ تأسيسها دون استعراض المراكز الثقافية فيها ، وعلى رأسها المعلمة الثقافية الرائدة ،وهي مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية . ولقد كانت هذه المعلمة من بنات أفكار نخبة مثقفة في هذه المدينة وعلى رأسها فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور مصطفى بنحمزة أستاذ التعليم العالي سابقا بجامعة محمد الأول ، ومدير معهد البعث الإسلامي ، وهو مؤسسة علمية تهتم بتدريس علوم الدين ، وإعداد الكفاءات العلمية في المجال الديني ، وهو  أيضا عضو المجلس العلمي الأعلى  بالمغرب ، ورئيس المجلس العلمي المحلي بمدينة وجدة ،كما أنه الرئيس الشرفي لمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية . ولقد أسس هذا المركز سنة 2002 ، وأشرف على تدشينه صاحب الجلالة محمد السادس في إحدى زياراته لمدينة وجدة .

وبتأسيس هذه المعلمة الثقافية الرائدة ،تمت القطيعة مع سنوات عجاف من ركود ثقافي عرفته المدينة بالرغم من إنشاء جامعة بها ،والتي كانت أنشطتها تقتصر على تخريج أفواج من الطلبة دون أن يكون لها إشعاع ثقافي كبير . وأذكر أن بعض الأصوات  النشاز اعترضت على تأسيس هذه المعلمة حسدا من عند أنفس أصحابها وبدوافع إيديولوجية لا حاجة للخوض فيها  الآن إلا أن هذه المعلمة شمخت فوق أرض موقوفة في سبيل الله ، وصارت بدورها وقفا خلافا لما روجه عنها المغرضون الذين اتخذوا منها موقفا معاديا لا مبرر له  في  ، و هم يعتبرون  أنفسهم أوصياء الفكر والثقافة في هذه المدينة  دون غيرهم.

ولقد استقطب هذا المركز منذ انطلاقه علماء وخبراء وأساتذة باحثين ومثقفين من مختلف الحقول المعرفية ، ومن مختلف التخصصات العلمية والفكرية .خصوصا في مجالا الدراسات الإنسانية والاجتماعية والقانونية والمستقبلية .  ويعتبر هذا المركز دعامة على جانب كبير من الأهمية بالنسبة للمؤسسات العلمية  الجامعية والتعليمية والتربوية بالمدينة ،وعلى رأسها جامعة محمد الأول التي صارت الشريك الأول له قبل أن يعقد شركات مع مختلف المؤسسات العلمية داخل وخارج الوطن . وفتح هذا المركز آفاقا واسعة أمام طلاب التعليم العالي  من خلال توفير ظروف البحث العلمي الملائمة بوضع رصيده الوثائقي الضخم  رهن إشارتهم ، وقد  جاوزت ثروته من المؤلفات والبحوث كما هائلا  يعد بمئات الآلاف ، وهو يراهن على بلوغ أرقام قياسية مستقبلا .  وتنشط فيه مجموعات البحث العلمي المتعددة  في مختلف التخصصات العلمية . ويحتضن هذا المركز منذ تأسيسه معظم التظاهرات والمؤتمرات الفكرية والعلمية  الدولية والوطنية ، وهو يفتح أبوابه لجميع الشرائح لممارسة أنشطتها المختلفة التي تصب في إطار النهضة الثقافية التي تعرفها المدينة منذ أن وفق الله عز وجل إلى تأسيس هذه المعلمة الثقافية الرائدة . ويعتبر هذا المركز أيضا  حلبة نقاش وحوار بين مختلف التوجهات  والتيارات الفكرية حيث تعرف رحابه منازلات فكرية على درجة عالية من الأهمية . وهو  أيضا مضمار النقاشات على اختلاف أنواعها بما فيها السياسية والاجتماعية، فضلا عن السجالات الفكرية . وتوجد به نواد مختلفة الاهتمامات تستقطب المهتمين بمختلف الفنون من سينما ومسرح . ويعتبر هذا المركز عكاظ الشعراء، ونادي الأدباء منه يصدح الشعر ، ويبدع الأدب. وهو مقر اللقاءات العلمية والدينية حيث  تجتمع فيه فعاليات المجالس العلمية المحلية ، وتنجز أنشطتها المختلفة بما فيها الاحتفالات بالمناسبات الدينية ، وبدورات تحفيظ كتاب الله عز وجل للناشئة في العطل الصيفية . وهو مقر لقاء مختلف جمعيات المجتمع المدني النشيطة، والتي تساهم في الرقي بالثقافة . وتقصده جميع الأحزاب السياسية لعقد مؤتمراتها ولقاءاتها مع مناضليها . ويعتمد قطاع التربية والتعليم  على هذا المركز لتنظيم  لقاءات وتداريب لفائدة أطره ، وفيه تقام الحفلات بمناسبة اختتام المواسم الدراسية التي يحتفى فيها بالمتفوقين من الناشئة المتعلمة التي تكرم وتقدم لها الجوائز المستحقة  . وفيه يحتفى أيضا بالمحالين على المعاش أو التقاعد من مختلف القطاعات . وفيه أيضا  تنظم مختلف الورشات لمختلف القطاعات العمومية والخصوصية . ولا توجد جهة أو هيئة أو جمعية أو قطاع لم يستفد من خدمات هذا المركز الثقافي الرائد . وتكاد أيام الأسبوع طيلة السنة لا تخلو من مختلف الأنشطة التي تقام فيه  ، ولا يمر المار بالشارع الذي يوجد به هذا المركز إلا ويرى على واجهته لافتات عليها إعلانات عن أنشطة فكرية وعلمية وثقافية . وتعرض بهذا المركز بين الحين والآخر معارض للكتب والمؤلفات ، و الصور ، واللوحات الفنية لفنانين تشكيليين . ويترنم في جنباته المقرءون والمنشدون  خصوصا في المناسبات الدينية . وتقام أيضا فيه حفلات فنية يعرض فيها الفن الأصيل خصوصا الطرب الغرناطي الذي لا زالت حاضرة زيري بن عطية تحفظ  به عهد ود الفردوس المفقود .

ولهذا المركز إنجازات أخرى  يكشف عنها موقعه الإلكتروني ، وهي كلها موثقة.

ولا يستبعد أن يكون لهذه المعلمة الثقافية دور في اختيار حاضرة زيري بن عطية عاصمة للثقافة العربية بفضل العلاقات العلمية والثقافية التي  تربطه مع مختلف المراكز والمؤسسات العلمية والثقافية .

وفي الأخير نأمل أن يسلط  المزيد من الضوء إعلاميا على هذه المعلمة ، وما تقدمه لفائدة النهوض بالثقافة في بلادنا ، وفي الوطن العربي ، وعلى المستوى الدولي . 

وسوم: العدد 769