كيف أكون أبًا مثاليًا

د.محمد رشيد العويّد

العلاقات الزوجية

كيف أكون أبًا مثاليًا(1)

قال: عندي ثلاث بنات وولدان؛ وأرغب في أن أكون لهم أبًا مثاليًا.

قلت: نيّة طيّبة ورغبة صالحة، أدعو الله أن يُعينك على تحقيقها.

قال: هل لي أن أعرف صفات الأب المثالي لأحرص على التحلي بها؟

قلت: أولها أن تكون قدوة لأبنائك في كل خلق تريدهم أن يتحلوا به، فإذا كنت تريدهم أن يتحلوا بالصدق مثلًا، فإن عليك ألاتكذب أبدًا.. إنهم يراقبونك في كل شيء، وحالك يؤثر فيهم أكثر من كلامك.

قال: جميل. ثم ماذا؟

قلت: ألاتبخل عليهم بعلمك ووقتك ومالك.

قال: هذه ثلاثة أحتاج لها شرحًا منك.

قلت: أبشر.. أما علمك فهو كل مااكتسبته في حياتك من علم وخبرة وتجربة، تنقل إليهم منها ما هم في حاجة إليه في حياتهم.

قال: ووقتي؟

قلت: أعلم أن أكثر الناس هذه الأيام يشتكون ضيق الوقت، وكثرة الأعباء والمشاغل، ولكن يبقى الأبناء أول من يستحقون وقت أبيهم، فلاينشغل عنهم، ولا يُقدم عليهم سواهم من الناس، بل يجالسهم ليؤنسهم، ويوجههم، ويسمع منهم، ويلبي لهم حاجاتهم المختلفة.

قال: يبقى عدم بخلي على أولادي بمالي.

قلت: المال عصب الحياة كما يقولون، والأبناء وأمهم أولى الناس بمالك، ولقد أكد النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا الأمر في حديثه الشريف الذي أخرجه مسلم في صحيحه: (دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدّقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك؛ أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك).

قال: أعرف آباء يجعلون أولادهم في ذيل قائمة نفقاتهم، وهم بهذا يخالفون ما أوصى به النبي (صلى الله عليه وسلم) في هذا الحديث الشريف.

قلت: والأب المثالي يقدم أسرته على جميع الناس في إنفاقه ماله عليهم.

قال: وماذا أيضًا من صفات الأب المثالي؟

قلت: أن يعدل بين أبنائه.

قال: فيمَ أعدل؟

قلت: في النفقة، والحب، والاهتمام.. في كل شيء.

قال: هل أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بهذا العدل؟

قلت: نعم، ففي حديثه الصحيح عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (اعدلوا بين أولادكم في النِّحَل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البِرِّ واللطف). صحيح الجامع.

قال: ما معنى (النِّحَل) الذي وَرَدَ في حديثه (صلى الله عليه وسلم)؟

قلت: النَّحْلُ هو العطاء والمنح، والنِّحَل: جمع (نِحْلة) وهي العطية والهدية.

قال: إذن الأمر هنا بالعطاء المادي فقط؟

قلت: لا، بل بالعطاء المعنوي أيضًا، مثل التعبير عن حبك لهم، وتقبيلهم، والعطف عليهم. قال الدميري: لا خلاف في أن التسوية بينهم، أي الأولاد، مطلوبة حتى في التقبيل.

قال: يصْدِف أحيانًا أن يكون أحد أبنائي مريضًا فهل عليّ حرج إذا أوليته مزيدًا من الاهتمام والرعاية؟

قلت: لا حرج عليكَ إن شاء الله، فهذا مُسوّغ شرعي.. يقول الشيخ محمد صالح المُنجد مُعدِّدًا بعض الحالات المستثناة: (كأن تقوم حاجة بأحد الأولاد لم تقُم بالآخرين؛ كمرض، أو دَيْن عليه، أو مكافأة له على حفظه القرآن مثلًا، أو أنه لايجد عملًا، أو صاحب أسرة كبيرة، أو طالب علم متفرغ؛ ونحو ذلك، وعلى الوالد أن ينوي إذا أعطى أحدًا من أولاده لسبب شرعي أنه لو قام بولد آخر مثل حاجة الذي أعطاه أنه سيعطيه كما أعطى الأول.

كيف أكون أبًا مثاليًّا (2)

قال: ذكرتَ لي أهمية أن أكون قدوة لأبنائي حتى أكون أبًا مثاليًّا، ودَعْوتني إلى أن لاأبخل بعلمي ووقتي ومالي عليهم، وطلبتَ مني أن أقدم أسرتي على كثير من الناس، وأوْصيْتني بأن أعدل بين جميع أبنائي وبناتي، فهل بقي ما أفعله لأكون أبًا مثاليًّا؟

قلت: بقي الكثير.

قال: لو تفضلت ببيانه.

قلت: الأب المثالي لابد أن يكون زوجًا مثاليًّا.

قال: ما علاقة هذا بذاك؟

قلت: علاقة كبيرة.. إذ لايستقيم أن تجود بعلمك ووقتك ومالَك على أولادك وتبخل بها على أمهم، ولا أن تعدل بينهم وتظلم أمهم، وحين أوصيتك بتقديم أسرتك على باقي الناس فزوجتك هي رأس هذه الأسرة.

قال: لهذا أوصى النبي (صلى الله عليه وسلم) بالأم ثلاث مرات وأوصى بالأب في المرة الرابعة.

قلت: أحسنت، إذ كيف يطيعك أولادك حين توصيهم بالإحسان إلى أمهم وهم يجدونك تقسو عليها أو تسيئ إليها؟!

قال: صدقت والله.

قلت: ولقد ذكرتَ حديثه (صلى الله عليه وسلم) الذي أوصى فيه بالأم ثلاث مرات وأوصى بالأب في المرة الرابعة...

قاطعني بقوله: وما الحكمة في ذلك؟

قلت: لقد تعبت الأم أكثر من الأب، وعانت في حَملها وولادتها وإرضاعها، فاستحقت بذلك أن تُقدَّم عليه ثلاث مرات.قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البِرّ؛ وذلك لصعوبة الحَمل، ثم الوضع، ثم الرَّضاع؛ فهذا تنفرد به الأم وتشقى به، ثم تشارك الأب في التربية، وقال النووي: قال العلماء: وسبب تقديم الأم كثرة تعبها على طفلها، وشفقتها، وخِدمتها، ومعاناة المشاقّ في حمله، ثم وضعه، ثم إرضاعه، ثم تربيته وخدمته وتمريضه... وغير ذلك.

قال: أوافقك الآن تمامًا على أن الأب المثالي لابد أن يكون زوجًا مثاليًّا.

قلت: الحمدلله.

قال: وماذا بعدُ مِن أخلاق الأب المثالي؟

قلت: لايضيق إذا رزقه الله بالأناث.

قال: أكثر الآباء يفرحون حين تضع زوجاتهم ذكورًا ويضيقون إذا وضعن إناثًا.

قلت: جميع هؤلاء لن يكونوا آباء مثاليين؛ فالقرآن الكريم ذمّهم في قوله سبحانه: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)﴾. النحل.

قال: إنه والله ذمّ شديد يُحذر كل أب من أن يضيق بالأنثى.

قلت: وفي آية أخرى يُعلِّمنا ربنا أن الذكر والأنثى كلاهما هِبة منه سبحانه: ﴿يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)﴾. الشورى.

قال: ما دامت الأنثى هبة من الله فإن علينا أن نفرح بها ونشكر ربنا عليها.

قلت: أحسنت.

قال: أذكر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) بشَّر من يُربِّي البنات ويرعاهن بدخول الجنة.

قلت: نعم؛ يدخل الجنة مع النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال عليه الصلاة والسلام: (من عال جاريتين حتى تدركا دخلتُ أنا وهو الجنة كهاتين) وضمّ (صلى الله عليه وسلم) أصابعه. صحيح مسلم.

قال: أليس هناك حديث آخر يذكر فيه (صلى الله عليه وسلم) أن البنات يحجبن أباهن من النار؟

قلت: بلى، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (من ابتُلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن؛ كُنّ له سترًا من النار) متفق عليه.

قال: هل بقي من أخلاق الأب المثالي وصِفاته شيء تخبرني به؟

قلت: نعم.

كيف أكون أبًّا مثاليًّا (3)

قال: ذكرتَ لي أنه مازال هناك ما تخبرني به من أخلاق الأب المثالي.

قلت: الأب المثالي يُربّي أبناءه ليكونوا مسلمين كما أراد الله سبحانه ورسوله (صلى الله عليه وسلم).

قال: أعرف آباء لايُبالون أصلَّى أبناؤهم أم لم يُصَلوا!

قلت: وأعرف آباء يُشجعون أبناءهم على اللّهو وهم يقولون: (خلهم يستمتعوا بشبابهم)!

قال: هؤلاء وأولئك ليسوا بمثاليين.

قلت: بالتأكيد.

قال: ولعلّ الصلاة أهم ماينبغي أن يتابعوا أبناءهم فيها؟

قلت: نعم، ينبغي أن يأمروهم بها ويعلموهم إياها وهم أطفال كما قال (صلى الله عليه وسلم): (مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها). صحيح الجامع.

قال: أذكر رواية أخرى للحديث بصيغة الجمع:(مُرُوا أولادكم).

قلت: نعم، ونَصّ الحديث: (مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرِّقوا بينهم في المضاجع). حديث حسن.

قال: هل هذه مسؤولية الآباء وحدهم أم مسؤولية الأمهات أيضًا؟

قلت: لا شك في أن الأمهات مسؤولات أيضًا، فالأمهات أقرب إلى الأبناء والبنات، وأطول مكثًا معهم من الآباء الذين يطول بقاؤهم خارج البيت.

قال: الأمر إذن في حديثه (صلى الله عليه وسلم) (مروا أولادكم) موجَّه للآباء والأمهات؟

قلت: نعم، ويؤكّده حديثه (صلى الله عليه وسلم): (كلكم راعٍ وكُلكم مسؤول عن رعيته)، فقد جاء فيه: (والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها). متفق عليه.

قال: أريد أن أسألك عن ضرب الأولاد إذا لم يُصلُّوا حين يبلغون العاشرة.

قلت: لابد أولًا من عدم التعجُّل في اللجوء إلى الضرب؛ فالله سبحانه يقول:

﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ طه(32)، والاصطبار أشد من الصبر، وهذا يعني أن يُحاور الأب ولده مبشِّرًا إياه بثواب الصلاة العظيم، وأنها سبب في توفيقه في الدنيا، ويقرأ عليه أحاديثه (صلى الله عليه وسلم) في فضل الصلاة، وأنها مثل نهر بباب أحدنا يغتسل منه كل يوم خمس مرات، ويُحذِّره من أنه بعدم صلاته يقترب من الكُفر، ويقرأ عليه حديثه (صلى الله عليه وسلم) الذي أخرجه مسلم في صحيحه: (إن بين الكفر والإيمان ترك الصلاة)، ويُخبره أن أول مايُحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة (فإن صلحت فقد أفلح ونجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر).

قال: فإذا لم يستجب الولد لهذا كله واضطررت إلى ضربه فكيف يكون هذا الضرب؟

قلت: ذَكَر العلماء أنه يُشترط في ضرب الصبي أو البنت أن يكون ضربًا هيّنًا غير مبرح، ويكون على الظَّهر أو الكتف وما أشبه ذلك، ويتجنب الوجه لأنه يحرُم ضربه، لنهي النبي (صلى الله عليه وسلم) عنه.

ويكون الضرب للتأديب والتربية فلايظهر به الرغبة في العقاب خشية نفور الصبي والفتاة، وينبغي ألا يكون الضرب أمام أحد صيانة لكرامتهما أمام نفسيهما وأمام الآخرين.

قال: وإذا كان الأب يعرف أن هذا الضرب يزيد ولده عنادًا ويُنفِّره من الصلاة فهل يضربه؟

قلت: قيَّد الشيخ ابن عثيمين الضرب بذلك فقال رحمه الله: الأمر للوجوب، لكن يُقيَّد بما إذا كان الضرب نافعًا، لأنه أحيانًا تضرب الصبي وما ينتفع بالضرب، مايزداد إلا صياحًا وعويلًا، ولايستفيد، ثم إن المراد بالضرب الضرب غير المُبرّح، الضرب السهل الذي يحصُل به الإصلاح ولايحصل به الضرر.

قال: جزاك الله خيرًا على هذا البيان لأمر الأولاد بالصلاة وتعليمهم إياها في صبر وحِلم.

قلت: في المرة المقبلة إن شاء الله نواصل حديثنا: كيف يكون الأب مثاليًا وكيف يُعلم أولاده الرّفق وكيف يكون هو رفيقًا بهم.

كيف أكون أبًا مثاليًّا (4)

قال: وعدتني أن تُحدّثني عن خُلُق مهم من أخلاق الأب المثالي.

قلت: صحيح.. خُلُق الرفق.. الذي يجب أن يتحلى به الأب أولًا، ثم يربي أولاده عليه.

قال: كيف يكون الأب رفيقًا؟

قلت: لابد في كل خُلُق أن نرجع إلى أسوتنا النبي (صلى الله عليه وسلم).

قال: ولكن أولاد النبي (صلى الله عليه وسلم) ماتوا صغارًا جدًا، فكيف نعرف رفقه بالأبناء؟

قلت: الرفق ليس بالأولاد الذكور فقط بل بالبنات أيضًا. ثم إن رفقه (صلى الله عليه وسلم) بأطفال المسلمين وأبنائهم يكفي لنتأسى به.

قال: صدقت.

قلت: لقد خدم أنس بن مالك النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) عشر سنين، ومنه نستطيع أن نُحيط بشيء من رِفقه (صلى الله عليه وسلم) فقد قال أنس رضي الله عنه: (لقد خدمتُ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عشر سنين، فوالله ما قال لي أفٍّ قط، ولم يقل لشيءٍ فعلته لمَ فعلت كذا؟ ولا لشيء لم أفعله ألا فعلتَ كذا). صحيح مسلم.

قال: لعلّ أوضح شيء نقتبسه من حديث أنس رضي الله عنه أنه (صلى الله عليه وسلم) لايتأفّف من الصغار؛ كما جاء في قول أنس (فوالله ما قال لي أفٍّ قطّ).

قلت: أحسنت، لكني أحب أن أضيف أنه (صلى الله عليه وسلم) لم يكن يتأفّف من الصغار ولا من الكبار.

قال: ومِن رِفقِه (صلى الله عليه وسلم) فيما ذكرت من حديث أنس رضي الله عنه أنه ما كان يلوم على أي فعلٍ، سواء وقع أم لم يقع.

قلت: وهذا أيضًا من الرفق بالأبناء الذين يعانون كثيرًا من تقريع آبائهم لهم: لو فعلتم كذا ما صار كذا، أو: لو لم تفعلوا ذلك لما حدث هذا.

قال: وهم يخالفون بهذا وصيته (صلى الله عليه وسلم) في حديث آخر له عليه الصلاة والسلام يقول فيه: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولاتعجز، فإن أصابك شيء فلاتقل: لو أني فعلتُ كذا لكان كذا وكذا؛ فإن (لو) تفتح عمل الشيطان، ولكن قل: قد قدَّر الله وما شاء فعل).

قلت: بارك الله فيك.. حين يجد الأبناء أباهم لايلومهم، ولايلوم نفسه، فإنهم يتربّون على هذا، وهو من أعظم خصال الرفق بالنفس وبالأبناء، لأن اللوم قتّال.

قال: ماذا أيضًا عن رِفقِه (صلى الله عليه وسلم)؟

قلت: أختار رِفقِه (صلى الله عليه وسلم) بالفتى الذي جاء يستأذنه في الزنا، ففيه إشارات توجيهية كثيرة إلى الآباء والمعلمين والمربِّين.

قال: تفضل.

قلت: عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن فتى شابًا أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يارسول الله.. ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مَهْ.. مَهْ، 

فقال (صلى الله عليه وسلم): ادنُ، فدنا منه قريبًا، فجلس،

قال (صلى الله عليه وسلم): (أتحبه لأمك؟) قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك،

قال (صلى الله عليه وسلم): (ولاالناس يحبونه لأمهاتهم)، ثم قال (صلى الله عليه وسلم): (أفتحبه لابنتك؟)

قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك.

قال (صلى الله عليه وسلم): (ولا الناس يحبونه لبناتهم)، ثم قال (صلى الله عليه وسلم): (أفتحبه لأختك؟)

قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك.

قال (صلى الله عليه وسلم): (كذلك الناس لايحبونه لأخواتهم)، ثم قال (صلى الله عليه وسلم): (أفتحبه لعمتك؟)

قال: لا والله جعلني الله فداءك.

قال (صلى الله عليه وسلم): ولا الناس يحبونه لعماتهم)، ثم قال (صلى الله عليه وسلم): (أفتحبه لخالتك؟)

قال: لا والله جعلني الله فداءك.

قال (صلى الله عليه وسلم): (ولا الناس يحبونه لخالاتهم)، ثم وضع النبي (صلى الله عليه وسلم) يده الشريفة عليه وقال: (اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه)، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء، وفي رواية (فلم يكن شيء أبغض إليه من الزنا).

قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله.. ما أرحمك وما أحلمك.

قلت: لقد كان رفقه (صلى الله عليه وسلم) ظاهرًا واضحًا فلم يصرخ في الفتى، ولم يؤنّبه ولم يوبّخه، ولم يبعده عنه بل قرّبه إليه: (ادنُ)، وتركه يجلس فلم يأمره بالوقوف كما قد يفعل بعض الآباء والمعلمين، وحاوره حوارًا هادئًا رفيقًا دعاه خلاله إلى أن يضع نفسه موضع من يريد الزنا بها، مثل ابنها وأبيها وأخيها وابن أخيها وابن أختها حتى يُنبّهه إلى أنه كما لايرضى أن يزني أحد بأمه وابنته وأخته وعمته وخالته فإن الناس كذلك لايرضونه ولايحبونه لأمهاتهم وبناتهم وأخواتهم وعماتهم وخالاتهم.

قال: ليس بعد هذا الرفق رفق.

وسوم: العدد 770