طمنونا عنكم ..فقط طمنونا عنكم

في أول أعوام النكبة الفلسطينية . ويوم كان الحصار على الكيان الصهيوني حقيقيا ، كانت بعض الإذاعات تقدم برنامجا تواصليا بين من هاجر من فلسطين وبين من بقي فيها من أبنائها .

كانت الرسائل التي ينقلها الصليب الأحمر تحفل بالأخبار الاجتماعية من أفراح وأتراح ، فلان تزوج ، فلانة أنجبت ، فلان مرض ، فلانة توفيت . وأكثر الرسائل كانت بغرض الاختصار تحمل العبارة التالية : " نحن بخير اطمئنوا وطمنونا عنكم .."

ومع أننا نعيش عصر الهجرات والتشريد والبعد عن الأهل والدار والوطن إلا أن وسائل التواصل أغنتنا عن برامج مثل ( خبرني يا طير ) ، وعبارات مثل اطمئنوا وطمنونا عنكم .

ولكنني اليوم أحب استعارة هذه العبارة بشطرها الثاني طمنونا عنكم ، مخاطبا بها أقواما تسيدوا في تمثيل وجع الحق في مجتمعاتهم ولا أريد أن أقول في أوطانهم ثم لا نحس منهم من أحد ولا نكاد نسمع لهم ركزا ..

علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني يعتبر انتصار حزب الله وحلفاؤه في الانتخابات اللبنانية امتدادا لانتصارهم في سورية ، ومع ذلك ومنذ ثلاثة أيام أتسول تقريرا داخليا عن مجريات الانتخابات اللبنانية ، وتداعياتها ، ومآلاتها وأي تصور يمكن أن يخفف من كارثيتها فأجد كل الناس قد آمنوا أن الصمت من ذهب فرغبوا عن الفضة قواريرها المقدرة تقديرا..

ظهيرنا على الحدود العراقية التي راحت حكومة العبادي فيه تقصف برنا السوري تحت راية الأمريكي والروسي وبالتعاون مع الصفوي ، مقبل على انتخابات مصيرية ، ونحن نبحبش في كل الوسائل المتاحة عن تقرير يلخص ويختصر ويبين ويوضح ، ما دمنا جميعا نؤمن أن أهل مكة أدرى بشعابها ، فلا نفوز إلا بعبارات مسلفنة مصقولة لا تغني من الحق شيئا كلام الإعلام مثل كلام الليل الذي يمحوه النهار.

في قطرنا الجنوبي مصر الكنانة يتحدثون عن عروض ووعود ومساومات ومراهنات فلا نعرف من الحقيقة إلا ما يقال على منابر الفضائيات ، وسؤالنا سؤال محب مشفق مستبصر ولكن هيهات هيهات ..

في مسقط رأسنا الذي هو وطننا ، والذي وقفنا على خدمته أعمارنا وأعمار جيلين من أبنائنا وأحفادنا ، لا نعرف عن حقائق ما يجري إلا بعض تغريدات عابرة للقارات يصوغ بعضها متربصون وبعضها شامتون ، حتى صرنا حين نُسأل نجيب : ما المسئول بأعلم من السائل في أمور يعد من الخيبة أن لا يعلم بها صاحبها ..سألهم عمر رضي الله عنه عن أمر : فقالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال خبنا وخسرنا إن لم يكن الله ورسوله أعلم . إنما أسألكم أنتم ..وأنتم تعني أنتم ..

ثم تمتد عينك ماذا عن اليمن السعيد الحبيب ، ماذا عن ليبية التي قلنا انتصرت ، ماذا عن الجزائر ويومه وغده ، ماذا يجري في السودان ..

ودائما في دوامة الظن والتخمين والرؤية المضللة أو المزغللة بأعين الآخرين ..

وأسوأ حال يكون عليه الإنيان أن يرى الحقائق بأعين الآخرين ، أو أن يسمع بآذانهم ودعوني من القول وأن ينطق بألسنتهم ..

رجل تسلم قيادة مركبة جماعية وأول ما جلس خلف مقودها وضع رجله على مكابحها يقول أخاف عليها أن تنحرف أو تنزلق أو تزلّ أو تقطع إشارة حمراء والخوف كل الخوف من شرطي يسأل عن رخصة المركبة أو رخصة السائق والله المستعان ...

لا بد للمحزون من فيضان ...محمد إقبال.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 771