إدلب في عيدها.. رهينة المحبسين
إدلب التي لعبت دوراً محورياً ومفصلياً في الثورة السورية، فكانت إحدى محافظتين كاملتين تم تحريرهما، وكانت المدينة الكبرى الثانية التي تحررت من قبضة العصابة الطائفية إلى جانب مدينة الرقة، هذه المدينة تعيش اليوم رهينة للمحبسين، محبس العصابات الطائفية التي تتوعدها، وتقصفها بشكل شبه يومي مع سدنتها المحتلين، ومحبس الدواعش الذين صبوا عليها جام غضبهم وحقدهم، متسلحين بتسهيلات العصابات الطائفية، الذين أعادوهم إليها دعماً وتسليحاً، من أجل نشر الفوضى الأمنية، ومع هذا كله، تصرفت الفصائل الثورية المسلحة وكأنها بعيدة كل البعد عن واجبها ومسؤولياتها في تحصين الأمن في المدينة، والانتقال إلى مشروع ثوري حقيقي، يحفظ رأس المال، لينتقل مستثمراً هذه النخب الضخمة التي احتضنتها إدلب ومن كل سوريا، بسبب التهجير والتشريد.
واقع مرير، وتحديات كبيرة، إن لم ترتق الفصائل إلى مستواها فستضيع المدينة والمحافظة، ويضيع معها موروث الحرية، التي دفع الجميع ثمناً باهظاً للوصول به إلى هذه المرحلة، وقبل الولوج إلى معرفة التحديات، لا بد من سبر الواقع، فعلى المستوى الداخلي، أعلن زعيم هيئة تحرير الشام أبومحمد الجولاني عن عزمه تشكيل جيش وطني، للتهرب من تصنيفه الأميركي الأخير كمنظمة إرهابية، لكن المشكلة ليس بتشكيله هو، بقدر طمأنته الأطراف الثورية الأخرى التي دخل وإياها في حروب عبثية طوال الفترات الماضية، من أحرار الشام، إلى صقور الشام، وقوات الزنكي، وقبلها فصائل الجيش الحر، وبالتالي، ما لم يتم طمأنة هذه الفصائل وإقناعها بالدخول في مشروع وطني يكون تشاركياً فعلياً و واقعياً وعملياً، بعيداً عن الهيمنة والسطوة والغلبة والتغلب، فإن الواقع سيكون كما يقول المثل الإنجليزي «زجاجات جديدة بخمر قديم».
بالمقابل، فإن الفصائل الثورية الأخرى عليها مسؤوليات كبيرة، أن تتقدم وتطرح مشروعها الوطني بعيداً عن الفصائلية، بحيث يكون مدعوماً من النخب والقوى المجتمعية الحية، لتشكل عامل ضغط على كل الفصائل، وإلاّ، فإن إيثار اللا فعل وانتظار الآخر ليقوم بالفعل -وهو ما درجت عليه طوال السنوات الماضية- سيكون قاصمة لها، وقاصمة للثورة.
الواضح أن تركيا آثرت التركيز على ريف حلب، وتحديداً المناطق التي حررتها من العصابات الكردية، وإن كانت تفتقر على ما يبدو لفصائل حقيقية وواقعية مدعومة مجتمعياً، لذا، كل ما تستثمره من فتح جامعات ونحوه سيذهب أدراج الرياح، إن لم تعتمد على قوى ثورية حقيقية لها ثقل في المنطقة، ولها دعم مجتمعي، وبالتالي، صمت تركيا على المجازر الأخيرة التي ارتكبها الضامن الروسي المحتل في ريف إدلب يشير إلى مرحلة قد تكون خطيرة، عنوانها التغاضي عن مجازر روسية أكبر، وربما اجتياح لا سمح الله، وبالتالي، فما لم تلتفت الجماعات الثورية الحقة إلى الأمر وتستعد له، فإن الواقع سيكون خطيراً، وخطورته ستكون على المدى المتوسط والبعيد على تركيا، كونها ستفقد حاضنة ثورية حقيقية في إدلب، ما يجعلها ساحة للعب الكبار إن انهارت إدلب لا سمح الله، تماماً كما كانت باكستان ساحة لفوضاهم بعد سقوط حركة طالبان الأفغانية، ولم تستطع معالجة الأمر إلا بعد أن استثمرت في حركة طالبان الأفغانية، ما جعلها لاعباً قوياً في أفغانستان دفع القوى الكبرى والصغرى إلى أخذها بالحسبان في حالتي الحرب والسلم. يمر العيد على إدلب، حيث غدت سوريا المصغرة تجمع أهلها من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، وهي بأمس الحاجة إلى صحوة الفصائل من سكرة انعزاليتها، ومن العقلية الخطرة التي تتهددها، وتهدد الثورة، فلا يزال البعض يجيش ويحرش على البعض، ولا يزال البعض يعبث بأمر عظيم، بعيداً كل البعد عن الهم الأكبر، وبعيداً عن هم الملايين من المشردين والمقيمين في المحافظة، وما لم يفق هؤلاء من سكرتهم فإن المحافظة في خطر عظيم، وعلى رأسه خطر الدواعش، نشراً للفوضى، وفتحاً لباب التدخلات الخارجية قصفاً وتدميراً، كما فعلوا من قبل في الجزيرة، حيث انتشارهم في المعسكرات والمدن والبلدات، ما يهدد المحرر كله، ولا حل له إلا بتكاتف الجهود كلها من أجل اقتلاعهم، فلا فصيل قادر على اقتلاعهم لوحده، ولا مصلحة للقوى المحتلة وعملائها الطائفيين في اقتلاعهم، ما داموا يلعبون دور القوادة العسكرية والسياسية لهم.
وسوم: العدد 777